شكل منح التأشيرة لحزب التحرير مفاجأة مثيرة يوم أمس في الصفحات التونسية التي تساءلت عن وجود صفقة بين الحزب وحركة النهضة بعد أن رفضت الحكومة منذ أيام منحه التأشيرة بسبب تمسكه بعقيدته المتمثلة في رفض النظام الجمهوري والمطالبة بإقامة الخلافة. قبل ذلك، أول ما يمكن ملاحظته هذه الأيام في الصفحات التونسية هو انتشار صور الأدعية الجميلة التي تعلن الاستبشار بشهر رمضان، وغلبة الخشوع على صفحات العديد من الناشطين الذين يطالبون بجعل شهر الصيام فرصة للتوقف عن تبادل السباب والشتائم والعراك السياسي ونشر الأخبار الزائفة والصور المفبركة والأخبار المزيفة والتي تمس من أعراض الناس وكرامتهم.
غير أن خبر منح حزب التحرير تأشيرة النشاط قد اكتسح عددا كبيرا من الصفحات التونسية من كل التوجهات الفكرية، واعتبر ناشطون معروفون بالحياد أن هذا الخبر مثل مفاجأة كبيرة لأن وزارة الداخلية قد رفضت منذ أيام منح هذا الحزب تأشيرة العمل لأسباب واضحة يعرفها الجميع، وهي عقيدة هذا الحزب التي تنادي بإعادة الخلافة الإسلامية كما كانت في القرون الوسطى، وهو ما يتعارض مع مبدإ الدولة المدنية في تونس.
وكتب ناشط حقوقي تعليقا على ذلك: «جاءت الموافقة على التأشيرة بطريقة مفاجئة وعلى هامش مؤتمر حزب النهضة، لكن أخطر ما في الأمر هو: هل غير حزب التحرير من عقيدته حتى تتم الموافقة له على التأشيرة ؟». وقرأنا في صفحات نشطاء المعارضة تعاليق كثيرة تتهم حركة النهضة بعقد صفقة انتخابية مع حزب التحرير، أي «التأشيرة مقابل انتخاب ممثلي النهضة» كما كتبت ناشطة يسارية شابة.
وناقش الكثير من الناشطين والحقوقيين هذا الحدث باعتبار أن أغلب التونسيين يتفقون على مبدإ مدنية الدولة، وعلوية القانون المدني، وهنا يمكن الحديث عن شبه إجماع في صفحات ناشطي المجتمع المدني على رفض التأشيرة لحزب التحرير، طالما هو يتمسك بإقامة الخلافة بدل الدولة التي يتفق عليها الجميع.
ومما أثار دهشة العديد من المهتمين بالشأن السياسي في الموقع الاجتماعي هو ما جاء في صفحة حزب التحرير من أنه لم يقدم أي تنازل عن مبادئه وعقيدته، وفي صفحة الحزب نقرأ هذا الخبر: «طلب من حزب التحرير عند رفض التأشيرة في بادئ الأمر الاعتراف بالنظام الجمهوري والقبول بالديمقراطية والاعتراف بالمؤسسات الدولية، إلا أنه ثبت على مواقفه ولم يتنازل قيد أنملة، حزب التحرير لا ولم ولن يتراجع بأفكاره لأنّ الفكرة الإسلاميّة (عقيدة ونظام) هي نواته وسرّ حياته وهي التي ستنهض بالأمة الإسلاميّة بإذن الله».
ونشر ناشطون كثيرون معلومات يتهمون فيها حزب التحرير بعدم الاعتراف بالنظام الجمهوري والانتخابات والدولة المدنية متسائلين إن كان الحزب سيرشح في الانتخابات القادمة زعيما بصفته خليفة للأمة الإسلامية قاطبة من اليابان إلى هونولولو أم بصفة نائب للشعب التونسي الذي يعاني من ألف مشكل ومشكل في حياته اليومية. وكتب ناشط حقوقي من الجيل القديم: «شخصيا لا أرى أي مشكل في منح حزب التحرير تأشيرة عمل، لأن العمل العلني ومواجهة مشاكل الناس اليومية سيعيد هذا الحزب إلى حجمه الطبيعي، بضعة آلاف فقط من الحالمين بدولة الخلافة إنما لا يملكون أي برنامج عملي لمواجهة الواقع، بينما المنع سوف يجعله في صورة الضحية وسيدفع بأنصاره إلى العمل تحت الأرض وسيجنبهم مواجهة الواقع المتردي الذي نعيش فيه، بالله أعطوهم التأشيرة، وكانوا فاتوا الصفر فاصل في الانتخابات حاسبوني».
ناشطون كثيرون رأوا في منح التأشيرة لحزب التحرير مجرد مزحة، أحد الناشطين المعروفين بطرافة تعاليقهم كتب في صفحته:»أن يحلموا بالخلافة أفضل لنا من أن ينتخبوا حزب النهضة»، وكتب ناشط قريب من التيار القومي في تونس: «عرفت جماعة حزب التحرير منذ منتصف الثمانينات في الجامعة، وأعرف أنهم يرفضون استعمال العنف، وهذا مهم جدا، أما الباقي، فلا أحد يستطيع منعهم من الحلم بالخلافة، لأن الناس يريدون حلولا واقعية لمشاكلهم المتراكمة وليس أحلاما».