عادت الاحتجاجات بقوة في مختلف جهات البلاد من سيدي بوزيد الى المهدية الى بن قردان وغيرها من المناطق بسبب الحقرة والتهميش والفقر وغياب أبسط مقومات الحياة الأساسية مثل الماء الصالح للشرب، فكيف يفسر الخبراء والمختصون عودة الاحتجاجات بقوّة؟ وهل هي بوادر انتفاضة جديدة؟ اتسمت عودة الاحتجاجات في بعض الجهات باحراق العجلات المطاطية واقتحام مقرّ الولاية واقتحام مقر النهضة هذا دون اعتبار لكثرة الوقفات الاحتجاجية التي نفذتها الهياكل النقابية في قطاعات الصحة والأمن والتجاء بعض الأطراف الاخرى للتهديد بشن اضراب جوع والعصيان المدني.
ولتفسير أسباب عودة الاحتجاجات أفاد الاستاذ عبد الناصر العويني، صاحب القولة الشهيرة «بن علي هرب»: «الاحتجاجات تثبت ان الحكومة الحالية أثبتت فشلها وانتهاجها نفس سياسة النظام السابق (نظام بن علي) في التمييز الاجتماعي والتهميش».
وقال: «الحكومة الحالية، حكومة أثرياء ولا علاقة تربطها بالثورة سعت الى التمعش من منجزات ثورة 14 جانفي واقتسام الغنيمة مع رموز العهد السابق». وهذا ما جعل المواطنين في مختلف جهات البلاد يشعرون بالغبن واللاتغيير بل أصبحت ظروفهم الاجتماعية أكثر قساوة وأشد سوءا خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف المقدرة الشرائية وتردّي الخدمات وغياب أبسط مقوّمات الحياة الأساسية.
وأضاف: «ما يحصل الآن برهان على ضعف آداء الحكومة وعجزها عن حل المشاكل التنموية والاجتماعية والاقتصادية وفي اعتقادي مازلنا لم نخرج من طور الثورة الاولى فالثورة متواصلة».
وأكّد الأستاذ عبد الناصر العويني أن كل الظروف والأرضية مهيأة لاسقاط الحكومة من عودة الاحتجاجات الى ضبابية برامج الحكومة وغياب روح القائد وارتجالية المواقف اضافة الى تدهور الظروف المعيشية.
من جهته يعتبر السيد محمد الحامدي المنسق العام للتيار الاصلاحي أن عودة الاحتجاجات دليل قاطع على نجاح الحكومة في الفشل.
وتابع: «حكومة الترويكا» فاشلة بامتياز وهذه الانتفاضة تثبت عدم جديّة الحكومة في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية مثل البطالة والفقر والتهميش وعدم تحقق المطالب التي قامت من أجلها ثورة 14 جانفي.
فالمواطنون العاديون لم يشعروا بأي أثر ملموس للثورة في حياتهم من حيث التشغيل والتنمية وأصيبوا باليأس والاحباط والملل خاصة وأن أسقف الانتظارات كانت عالية بعد أن أطلقت الاحزاب الحاكمة خلال فترة الانتخابات العنان للوعود.
وأكّد: «الأمر المؤسف والمخزي ان الحكومة الحالية لم تبال بكل ما يحدث وأغمضت عينيها على خيبة أمل المواطنين وانصرفت للتركيز على الانتخابات القادمة والتسلل الى مفاصل الادارة وبث انصارها ومحسوبيها».
وكشف السيد محمد الحامدي أنه إذا تواصلت هذه اللامبالاة وعدم الجديّة في التعامل مع ملفات التنمية والتشغيل فستكون بوادر انفلاتات اجتماعية. وحسب الاخصائي في الاقتصاد الدكتور فتحي النوري فإن أسباب عودة الاحتجاجات تعود بدرجة أولى الى عجز الحكومة في التعامل وتنفيذ الوعود الفورية التي قطعتها بتوفير فرص عمل والقضاء على البطالة والتهميش.
وقال: «البدايات الخاطئة لا ينتج عنها سوى نهايات خاطئة فالحكومة في البداية قدمت عدّة وعود عبارة عن مسكّنات لتهدئة المواطن ولم تقم بمصارحته ومحاولة اقناعه بأن عمليات التنمية والتشغيل وخلق الاستثمارات والقضاء على معضلة البطالة كلها عمليات تتطلب فترة طويلة.
وبمجرّد انقضاء المدّة أصبح التونسي في بعض الجهات يشعر بأن حياته لم تتغير خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتردّي الخدمات الادارية واستفحال أمراض سلوكية. وتغيير هذا النظام والعقلية يتطلب الكثير من الوقت.
وأضاف: «حققنا الكثير منذ ثورة 14 جانفي مثل إزالة النظام السابق وانتخاب اعضاء المجلس الوطني التأسيسي ولكن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي مازلنا لم نحقق الا أشياء بسيطة فالحكومة مطالبة بالوضوح والمصارحة كما أن المواطن عليه بالصبر».