ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه عبد الجليل المسعودي وخالد الحداد : الدكتور محمد الصالح بن عيسى في «منتدى الشروق»


المنتدى

«المنتدى» فضاء جديد للتواصل مع قرائها بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك إلى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة إثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الدكتور محمّد صالح بن عيسى رجل القانون والعميد السابق لكلية الحقوق والعلوم الاقتصاديّة الّذي قدّم قراءته لدور المثقف اليوم وأبرز رؤيته حيال الأوضاع الّتي تعرفها الثورة التونسيّة منذ قيامها إلى اليوم.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.
وبإمكان السادة القراء العودة إلى هذه الحوارات عبر الموقع الإلكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.

إنّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا إلى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الإعلاميّة اليوم، إنّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و»تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والإنسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة ) وبإمكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
[email protected].

كيف يلوح لكم المشهد السياسي عموما؟

على مستوى الأداء السياسي : سلطة تنفيذية برأسين (رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية) لا يتفاعلان دائما بالانسجام المطلوب، إلى حدّ الوصول احيانا إلى أزمات جدية وخطيرة تنمّ عن تنازع واضح في الاختصاص، يرجع في ذات الوقت إلى بعض الثغرات في القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية وإلى عدم التوازن البيّن في توزيع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، لفائدة هذا الأخير وعلى حساب الأول، ومن أبرز الأمثلة عن انعدام الانسجام بين رأسي السلطة التنفيذية ما حصل من مطارحات وخلافات في ملف تسليم البغدادي المحمودي وفي إقالة محافظ البنك المركزي الاستاذ مصطفى كمال النابلي ولاحظنا في شأن هذين الملفين أن منهجية العمل السياسي لم تكن سليمة بتاتا وانحدرت الى مستوى غير معهود، بما اهتزت معه صورة الدولة لدى المواطن، وعلى المستوى الحكومي، نحن أمام حكومة تسعى للوفاء بالتزاماتها ولكن عملها لا يخلو من بعض النقائص، من أهمها : ضعف التنسيق بين التصريحات والبلاغات التي تصدر عن المسؤولين في الحكومة مما يدخل شيئا من البلبلة والتذبذب في التوجهات :
من آخر ما سمعناه ، ما جاء على لسان مستشار حكومي بأن السياحة هي نوع من البغاء السري!
فبغض النظر عما يحمله هذا التصريح من مساس بكرامة السائحين عموما وبالعائلات التونسية المسلمة وغير المسلمة التي تؤم المؤسسات السياحية ببلادنا، فإن صاحبه غير ملمّ بأبسط قواعد العمل الحكومي الذي يقتضي حدا أدنى من التحفظ والتناغم بين مختلف الأطراف المتدخلة في العمل الحكومي ،خاصة وأن السياحة تشكل نشاطا حيويا للاقتصاد الوطني الذي بدأ يشهد انتعاشة نسبية بعد الصعوبات التي مرّ بها منذ بداية الثورة والتي بذلت وزارة السياحة لتداركها جهودا كبيرة على مستوى الترويج للمنتوج الوطني وايجاد الحلول للمديونية التي يشكو منها هذا القطاع.

كما أن الأداء الحكومي يفتقر لوضوح الرؤية فيما يتعلق باستحقاقات هامة كمواعيد وضع الدستور نهائيا وتنظيم الانتخابات القادمة وطنيا ومحليا وغيرها من المسائل العالقة كالتي تتعلق بإصلاح القضاء واحداث الهيئة المؤقتة للقضاء وبإصلاح الاعلام وتفعيل المرسومين 115 و 116 وبدفع مسار العدالة الانتقالية وبمقاومة الفساد والرشوة وبحل معضلة شهداء الثورة.

ومن جهة أخرى لاستكمال الصورة نحن أمام مجلس تأسيسي يسير بخطى بطيئة نحو صياغة النص النهائي للدستور الجديد ومرد ذلك إلى اضطلاعه أيضا فضلا عن الوظيفة التأسيسية بوظائف التشريع والرقابة على الحكومة وهو مجلس يعمل بحكم النتائج التي افرزتها انتخابات 23102011 تحت هيمنة واضحة لحزب النهضة بمعضادة حليفيه في الحكم، مع معارضة تسعى من جهتها، إلى الحدّ من تلك الهيمنة وممارسة رقابتها على عمل الحكومة، دون فاعلية، والحق يقال ! إذ ان الحكومة لها الأغلبية الكافية لتمرير ما تريد وهو ما أضعف دور المعارضة وجعلها، هيكليا غير قادرة على التأثير الفعال في عمل الحكومة .

وأما خارج دواليب السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فالملاحظ أن الأحزب السياسية غير التي تكون الإئتلاف الحكومي لازالت تتلمس طريقها نحو التوحد أو الإندماج ضمن جبهات سياسية أو انتخابية، ولكن في بعض الحالات نلاحظ أن هذه المحاولات تصطدم بنزعة التنافس على الزعامات فيما بينها أو بالإعتداد (المشروع) بالرصيد النضالي لبعض قيادتها البارزة أو أحيانا ببعض المسائل الخلافيّة كالتي تتصل بمدى تشريك وتموقع «التجمعيين» صلب التكتلات الجديدة .

ولا تفوتنا الإشارة إلى أن المشهد العام يعيش حراكا لافتا للمجتمع المدني بتنامي عدد الجمعيات والمنظمات، على أنه أحيانا بعض التنظيمات الجمعياتية تنشط وكأنها امتداد لبعض الأحزاب السياسية، وفي ذلك زيغ عن أهدافها الشرعية طالما أنها تتحول إلى آليات مقنعة لاستقطاب وتعبئة «الناخبين» المرغوب في استمالتهم للمواعيد الانتخابية المنتظرة.
هكذا تبدو لي أهم العناصر التي يمكن على ضوئها توصيف المشهد السياسي بأنه لا يزال مدلهما وفي حالة مخاض عسير.

ماهو تحليلكم لهذا المشهد من زاوية تحقيق أهداف الثورة بعبارة أخرى، كيف تنظرون إلى مسار الثورة اليوم؟

بعد مضي ما يزيد عن السنة والنصف على الثورة وبالرجوع أيضا إلى مشاركتي في أعمال الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي كعضو في لجنة الخبراء، خلال فترة جد حساسة كانت مفتوحة على كل الاحتمالات والمخاطر، وبعد أن شاركت في أعمال الحكومة الانتقالية الأخيرة طوال السداسي الثاني من السنة الماضية أشعر اليوم بأن تحقيق أهداف الثورة لا يزال مطمحا بعيد المنال لا يمكن تجسيده على أرض الواقع إلا على المدى الطويل وأن فترة «الأحلام» التي مرت بها البلاد في الأشهر الأولى التي تلت الثورة قد ولّت وانقضت، ومسار الثورة لا يزال في بدايته.
نحن الآن في فترة «جنينيّة» وطريق الثورة محفوف بالمخاطر.

هل من توضيح لأسباب ذلك ؟ وما مردّ هذا «التشاؤم» إن صحت العبارة؟

لا أرى فيما قلته تشاؤما بل هو استنتاج من صميم الواقع الذي نعيشه يوميا وأسبابه متعددة، منها ما يرجع في رأيي» إلى الخصوصية التاريخية للثورة التونسية وهي عوامل يمكن وصفها بالهيكلية؟ ومنها ما يرجع إلى الإتجاه الذي انخرط فيه مسار الثورة وما رافقه من تفاعلات وتحولات وهي عوامل يمكن وصفها بالظرفية تظافرت مع الأولى لتؤثر في هذا المسار وترسم له الخط السياسي الذي يسير عليه إلى الآن.

ماهو العامل التاريخي والهيكلي؟

ان من مميزات ثورة 1412011 أنها أساس نتاج لتضحيات شباب تونس، اندلعت شراراتها الأولى مع أحداث الحوض المنجمي سنة 2008 والقول بعكس ذلك يعد ضربا من ضروب «السرقة» التاريخية، وهذا لا ينفي وجود مناضلين ونضالات برزت طوال العقدين الاخيرين خاصة لمقاومة نظام بن علي التسلطي، الديكتاتوري، وما ميّز أيضا هذه الثورة أن الذي أعوزها هو عدم بروز قيادات ثورية من أرحامها.

فشباب سيدي بوزيد وقفصة وتالة والقصرين وغيرهم من الولايات الأخرى هم الذين أرهصوا الثورة وأسسوا لها إلى غاية اعتصام القصبة 2 ثم انسحبوا من الميدان بعد أن استقرّ أمر الثورة على خيار انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد لتونس والذي حدث بعد ذلك هو أن الثورة لقفت لقفا من طرف التنظيمات السياسية الفاعلة على الساحة، والتي لم يكن لها أي دور مباشر وفعّال في دفع الأحداث إلى إسقاط بن علي، مع استثناء منظمة الاتحاد العام التونسي للشغل،والحق يقال، الذي كان لاحتضانه للثورة وتدعيمها لها، على الأرض، الأثر العميق فيما حصل يوم 14 جانفي.

بحيث يمكن القول ان افتقار الثورة لقيادات نابعة من صلبها، كان بمثابة العائق الهيكلي لها والذي نحت لها مستقبلها مسبقا، فهي تيتمت منذ ولادتها.
من هنا جاءت ضرورة ملء هذا الفراغ التأطيري للثورة بالإلتجاء إلى حلول وقتية وانتقالية وهي وصفات أملتها ضرورة تأمين استمرارية الدولة تجسمت في تعاقب ثلاث حكومات على تسيير شؤون الدولة والمجتمع إلى غاية انتخابات 23 10 2011 وتجسمت أيضا بعث الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي التي تطورت تركيبتها بمرّ الأسابيع، لتضم أكبر عدد ممكن من مكونات الطّيف السياسي والمجتمع المدني (أحزاب منظمات وطنية جمعيات نواب عن الجهات والشباب ، شخصيات وطنية الخ...) توصّلا إلى إكسابها ، نسبيا ، وإلى حد ما مشروعية ثورية أو ما يشابهها.
وخلاصة القول هي ان الثورة وسقوط بن علي الذي نتج عنها هي بمثابة الهبة الثمينة التي قدمها شباب تونس، بشهدائه وجرحاه، إلى الطبقة السياسية التي تعاقبت على حكم البلاد من 14 جانفي الى اليوم.

هذه خصوصية تاريخية للثورة التونسية لا بد من الوقوف عندها والانتباه إلى أهميتها ولا يمكن قراءة ما عشناه من أحداث منذ 14 جانفي 2011 إلى اليوم وما سنعيشه بعد اليوم بدون الرجوع إلى هذا المعطى الأساسي.

بحيث أصبح مصير الثورة ونجاحها بين أيدي من مسكوا بمقاليد السلطة منذ 14 جانفي إلى الآن.

في غياب قيادات نابعة من أبنائها، تولت النخب السياسية الحاكمة منذ 14 جانفي إلى الآن، مهمة السير بالثورة وأكاد أقول مهمة «التصرف» فيها حسب المستجدات المختلفة بضغوطاتها وإكراهاتها وتلك هي اشكالية الثورات التي ليست لها زعامات ورموز قيادية لمعرفة إن كان مصيرها بين أيدي أمينة أم لا عندما تتلقفها النخب السياسية التي لم يكن لها دور مباشر وفعال في اندلاعها فالحكم على هذه النخب أو إليها سيكون بمدى التصاقها بأهداف الثورة ومدى ايمانها بتلكم الأهداف والعمل على تحقيقها هذا في رأيي كان العائق الهيكلي الأول للثورة التونسية ولتحقيق أهدافها.

وماهي الجوانب الأخرى التي بالإضافة إلى هذا العامل الهيكلي الأساسي، جعلت من تحقيق أهداف الثورة، مطمحا بعيد المنال كما قلتم؟
الجوانب الأخرى الظرفية تؤخذ من الإنجازات أو الإخفاقات التي يمكن معاينتها على الساحة السياسية.

إذا رجعنا إلى الشعارات الأساسية للثورة وهي الحرية والكرامة وما يستتبعها من اجتثاث لجذور الفساد والاستبداد، يمكن القول بأنه خلال السنة الأولى من الثورة اتخذت عدة تدابير يمكن اعتبارها مستجيبة لأهداف الثورة : منذ المرسوم عدد 1 المتعلق بالعفو العام وما تبعه من نصوص أخرى (الاتفاقيات الدولية حول حماية الاشخاص من الاختفاء القسري، والمتعلقة بالتمييز ضد المرأة، ولجان تحقيق أهداف الثورة وتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد واستقصاء الحقائق في التجاوزات المسجلة من 17 ديسمبر إلى حين زوال موجبها (مراسيم 6 7 8) واحداث هيئة وطنية مستقلة لإصلاح الاعلام والاتصال ولجنة مصادرة أملاك بن علي وعائلته ولجنة استرجاع الأموال الموجودة بالخارج والمكتسبة بصورة غير مشروعة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمتعلقة بالأحزاب السياسية والجمعيات...إلى غيرها من النصوص التي تنخرط في سياق ثوري هذا صحيح، ولكن، فيما عدا ذلك، فان المحصلة النهائية، على أرض الواقع بعد أكثر من سنة ونصف، لم ترق إلى انتظارات الشعب وإلى طموحات الثورة.

وهذا يمكن استنتاجه على مستويات مختلفة وبكل موضوعية وتجرّد، يبدو أن هنالك تدحرجا (أو اعادة ترتيب)في الأولويات وبتزامن مع ممارسات في الحكم لم تقطع مع الماضي .

كيف تدحرجت الأولويات في رأيكم؟

هذا يبرز من خلال تجليات مختلفة :
التثاقل لكي لا نستعمل عبارة أخرى في اعطاء الدفع اللازم للملفات الحارقة.
ضبط أجندا واضحة للمستقبل السياسي القريب : صياغة الدستور وتاريخ الانتخابات المقبلة لم تضبط التواريخ إلا مؤخرا وبصفة غير صارمة ودقيقة وتصريحات رئيس الحكومة الأخيرة حول عدم امكانية اجراء الانتخابات في مارس 13 دليل على ذلك!
استصدار جملة من القوانين الهامة وفي مقدمتها : قانون الهيئة المستقلة للانتخابات والقانون الذي سينظم الهيئة المؤقتة للقضاء التي ستؤمن تنقية السلك القضائي واعداد الحركة القضائية.

ملف الشهداء واشكالية التعويض لهم بتزامن مع من شملهم العفو العام
تفعيل المراسيم 115 و 116 حول الاعلام وحرية الصحافة
ملف العدالة الانتقالية ومشروع القانون الذي نصّ عليه القانون التأسيسي، رغم بعث وزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية.
ملف مقاومة الفساد والرشوة : تفاوت كبير بين حجم الفساد والوسائل في مجابهته.

وفي باب العدالة الانتقالية لا بد من الإشارة إلى أن من الأهداف الأساسية للثورة القطع مع جذور الاستبداد والفساد السياسي وهو ما يقتضي محاسبة الذين ساهموا مع بن علي في تأصيل الاستبداد وهو هدف لم يتحقق إلى الآن إذ أن رغم قرار حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي فإن نسبة هامة من الناشطين السابقين في هياكله تموقعوا من جديد في الساحة السياسية سواء من خلال تكوينهم لأحزاب جديدة بعد الثورة أو من خلال انصهارهم في تنظيمات سياسية أخرى.
بحيث اذا كان قرار حل التجمع هاما في رمزيته، فانه بقي قرارا محدودا في فاعليته السياسية.

وكل ذلك في غياب المحاسبة وكشف الحقيقة حول ممارسات التجمع، حزب بن علي، على جميع المستويات(تنظيم الانتخابات وأحكام قبضته عليها، التصرف في أموال وممتلكات المجموعة الوطنية، الهيمنة المباشرة وغير المباشرة على دواليب الدولة وخاصة في تعيين الاطارات السامية في الادارات المركزية والجهوية والمنشآت والمؤسسات والتكتم عن الفساد المالي والاقتصادي..الخ...

كل هذه الجوانب لم يقع الكشف عنها وتحديد المسؤوليات فيها، في مناخ يرواح بين التعتيم تارة والتوظيف تارة أخرى.
والمسؤولية في ذلك مشتركة بين القيادات السياسية الحاكمة حاليا من جهة، وبين القيادات التجمعية سابقا، من جهة أخرى مسؤولية الأولى تكمن في تعثر مسار العدالة الانتقالية وفي عدم الحرص على الكشف عن حقيقة ممارسات التجمع سابقا ومسؤوليته في سياسات الدولة.

ومسؤولية القيادات التجمعية حاليا يمكن توصيفها بأنها تكمن في عدم القدرة على استيعاب التاريخ وضرب المواعيد الحاسمة معه المطلوب من هذه القيادات المسؤولة عن ممارسات التجمع السابقة، الإفصاح الواضح والصريح عن مسؤوليتهم الأخلاقية والسياسية عن كل الأضرار التي ألحقها حزبهم بهذا الشعب والاعتذار للشعب عن أخطائهم في تحمل المسؤوليات القيادية داخل هياكل التجمع وفي مساندتهم العمياء لكل ما أتاه بن علي من أعمال واتخذه من قرارات ، حيث كانوا له من المسبحين الساجدين إن التملّص من هذه المسؤولية لا يخدم الثورة.

وتوخي الصمت والتعتيم على هذا الجانب، لا يمكن إلا أن يعقد مسار الثورة ويعمق جراحها المؤسف ان هذه القيادات التجمعية لا تزال رافضة لمصارحة الشعب والاعتذار له.

ولو كانت لهم ، في يوم من الأيام، الشجاعة في الإقدام على الوقوف هذه الوقفة الأخلاقية التاريخية، لكان لموقفهم هذا الوقع الايجابي على مسار الثورة وعلى التوازنات السياسية في فترة ما بعد الثورة خاصة وأن هنالك قواسم مشتركة بينهم وبين جزء كبير من القوى السياسية المتواجدة حاليا على الساحة والتي تناضل من أجل المحافظة على مكتسبات الحداثة التي حققتها تونس طوال العقود الماضية والتي أصبحت اليوم مهددة من بعض القوى السياسية التي أفرزتها انتخابات 23102011 والتي تعمل من أجل إدماج الدين في السياسة والتشريع رغم التصريحات التي تبدو في اتجاه مغاير والتراجع عن المكتسبات التي حققتها تونس.

ان الإقرار بالمسؤولية الأخلاقية والسياسية للقيادات التجمعية من شأنه أن يساعد على رجوعهم إلى الساحة السياسية بدون آن يثير ذلك أي اشمئزاز لدى المواطن وهو ما سيمهد للمصالحة الحقيقية، بدون مراوغة ولانفاق ويجعل من تشريكهم في التوازنات الجديدة التي هي بصدد التشكل تدريجيا ، تشريكا مقبولا ومستساغا، لا يثير أي اسمئزاز وأي تحفظ.

تلك هي الأولويات التي يبدو لي انها تدحرجت في سلم أولويات السلطة الحاكمة حاليا.
إلى جانب عدم الاهتمام بالقدر اللازم بهذه الأوليّات، أشرتم أيضا إلى ان ذلك جاء متزامنا مع ممارسات في الحكم لم تقطع تماما مع الماضي؟ هل من توضيح؟
من هاته الممارسات ما يمكن تصنيفه في خانة النزعة التغوّلية في الحكم وعلى ذلك نذكر الأدلة الآتية.
أولها ، وقد أثار ردود فعل عديدة، ما أصفه شخصيا ب «الحيد عن الحياد».

أي أن هنالك انزلاقا خطيرا نحو زرع الموالين للحزب المهيمن في جسم الدولة من خلال هياكلها الادارية المركزية والجهوية والمحلية ومؤسساتها ومنشآتها العمومية بينما الأصل في الإدارة الحياد ولا الولاء السياسي، والحياد لا يعني المعارضة والمقاومة الحياد يقتضي الانقطاع للعمل من أجل المصلحة العامة ومن أجل تنفيذ سياسة الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين على قدم المساواة وبالتالي فإن ذلك لا يستوجب أي ولاء سياسي بل يستوجب الكفاءة والإخلاص والتفائي في خدمة المصلحة العامة.

من هنا جاءت المؤاخذات الموجهة للسلطة التنفيذية على اعتبار أن معظم التعينات المقررة في الأشهر والتي تعد بالمئات قد حادت عن مبدأ الحياد، وهو مؤشر خطير يذكرنا بهيمنة التجمع على أجهزة الدولة سابقا إن الفترة التأسيسية التي تمر بها بلادنا تستوجب تكريس مبدأ الحياد كمبدأ أصولي تسير على هديه كافة المرافق العامة وهو يلزم المسؤول السياسي والعون العمومي على حدّ السؤاء : الأول ، بضرورة تجنب الولاء السياسي أو المذهبي أو الجهوي في تعيين الإطارات والأعوان العموميين وأيضا في وضع قواعد تنظيم وتسيير المرفق العام وقد لوحظ في هذا الصدد تأزم العلاقة بين الحكومة وأجهزة الاعلام العمومي الذي أريد له ومنه أن يكون طيعا للسلطة يؤمن الدعاية لأنشطتها وأما العون العمومي فإن مبدأ الحياد يلزمه بتنفيذ واجباته المهنية والتعامل مع المواطنين على أساس مبدأ المساواة أمام القانون دون تمييز وتفاضل بينهم .

وأما ثانيها فيتجسم في التضحم الهيكلي لجهاز الحكم بدرجة لا تتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية الحالية وذلك بالرجوع إلى عدد الوزارات وأعضاء الفريق الحكومي من وزارء وكتاب دولة ومعاضديهم من مستشارين وغيرهم وهذا التضخم يترتب عنه أيضا تضخم في نفقات التسيير والتأجير المرتبطة بذلك خاصة وأن منطق المحاصصة هو الذي تأسست عليه تشكيلة الفريق الحكومي، دون مراعاة لضرورة الضغط على الإنفاق العمومي في هذه المرحلة الدقيقة.

وفضلا عن علامات البحث عن التحكم في مفاصل أجهزة الدولة والإدارة بنزعة تغوّلية فإن اللافت للانتباه أيضا هو عدم توخي الشفافية والوضوح في عدة مجالات :
هل يعقل مثلا أن يتواصل التعتيم كما كان عليه الأمر مع بن علي حول النصوص الغير منشورة!! حول تأجير أعضاء الحكومة ورئيس الدولة!!
عدم القطع مع ممارسات الماضي في نفقات المسؤولين السياسيين : رفض الشفافية في نشر النصوص المتعلقة بتأجيرهم : ر. ج (بعد الوفاة نعلم كل شيء وقبل الوفاة لا نعلم شيئا)+ قانون 2005 والأوامر غير المباشرة ومنح البرلمانيين بن جعفر تقاليد : (لا تنشر) جوازات السفر الديبلوماسية 15589 secret564.

طريقة التعامل مع ظاهرة التشدد الديني من خلال التحريكات السلفية التي أدت الى أحداث لا تبعث على الارتياح (كالتي وقعت في كلية منوبة وغيره، وصولا إلى ما جد في قصر العبدلية بالمرسى وصلت إلى حدّ الاعتداء بالعنف على بعض المثقفين والصحافيين.

ازاء هذه الإحداث، لم تكن الطريقة التي توختها السلطة تضمن علوية القانون وتحمي مؤسسات الدولة بل لاحظنا أن السلطة تكيل الأشياء أحيانا بمكيالين كأن تقاضي أطرافا في حالات معينة وتغضّ الطرف في حالات أخرى، بتعلة النيل مما يقع توصيفه أحاديا، بالنيل من المقدسات وفي الحقيقة لا يمكن النظر إلى كل هاته الوقائع بمعزل عن قضية العلاقة بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة والتي رغم التصريحات العديدة التي نستمع اليها من حين لآخر، فهي لم تحسم بعد بالوضوح المطلوب، وحتى بعد المؤتمر الأخير (IX) لحزب النهضة لم نطالع كتابات واضحة عن ذلك.

ما هو مدى الفصل بين السياسي والدعوي لا توجد اجابة ضافية وشافية إلى الآن في الأدبيات التي تمحّض عنها المؤتمر (IX) للنهضة وطالما لم يرفع هذا اللبس يصعد التسليم بصدقية الخطاب حول مدنية الدولة وحول مدى استبطان الحركة للحداثة السياسية الحقيقية ولعل هذا الغموض كان مقصودا لتفادي الانشقاقات ولاستقطاب أكبر عدد ممكن من المساندين لحركة النهضة خاصة في ظل نتائج الانتخابات الليبية الذي قفز فيها العلمانيون للمراتب الأولى.

المال السياسي : التمويل الخاص للأحزاب وللصحافة
تمويل الجمعيات
(مؤشر الشفافية تدني رتبة تونس سنة 2011)
تفعيل هياكل الرقابة وتدعيم استقلاليتها ووضع تقارير في متناول الصحافة والرأي العام وتمكينها من العمل تحت الأضواء.

كلمة النهاية؟

«ان مصير الثورة يبقى رهين ميزان القوى بين القوى التي تدفع في اتجاه التمسك بأهدافها وبين التي تصبو إلى افتكاك مواقع متقدمة في السلطة والملاحظ حاليا هو الانتعاشة التي تشهدها القوى المضادة للثورة ومنها التي جذورها ضاربة في العهد البائد ومنها التي تتلذذ بمغريات السلطة والتي لا هم لها سوى البقاء فيها، واللافت للإنتباه أننا لم نعد نسمع أي حديث عن «الثورة وأهدافها» إلا لدى بعض القوى اليسارية وكأننا خرجنا من منطق الثورة ودخلنا في منطق الانتخابات والسبل الكفيلة لكسب رهان السلطة ومن الأسباب العميقة لذلك ماذكرناه في بداية هذا الحديث في إجابتنا عن السؤال الأول أبناء الثورة ليسوا داخل السلطة بل هم خارجها وهي من خصوصيات الثورة التونسية كما أسلفنا القول كل المؤشرات الآن تفيد أن الثورة بصدد التبخر والتآكل وكما يقول مؤرخو الثورات في طريقها إلى «أكل» أبنائها فمنطلق السلطة أزاح منطق الثورة.

كيف يبدو لكم دور المثققف؟

بداية : اذا كان مفهوم المثقف يحيلنا إلى كل فرد يحمل زادا معرفيا في اختصاصه يميزه عن بقية الناس، فهذا عين الخطأ والخطإ الفادح.
لأن تتوفر فيهم هذه الميزة هم كثيرون ولا يمكن حصر عددهم وبهذا المعنى هم يشكلون ما يمكن تسميته بالنخبة، التي نجد المنتمين إليها في جميع القطاعات.
بينما المثقف، هو أساسا، ذاك الذي يسخر طاقاته الفكرية وزاده المعرفي ليتفاعل مع المجتمع ومع السلطة بمواقف حرة ومستقلة ونقدية وهو الذي يكون حريصا دوما على ترك مسافة فاصلة بينه وبين السلطة خاصة متجنبا الموالاة والتملق لها في أوحال الديكتاتورية وما تبعها من تعسف وفساد اكتسحا كافة قطاعات الدولة وشرايين الاقتصاد والمجتمع.

والمطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، من المثقف الالتزام باليقظة المستمرة إزاء السلطة أيا كانت طبيعتها وفي أي وقت كان وأن يكون حريصا على أن يجاهر دون خوف أو تردد بآرائه وقناعاته في كل ما تأتيه السلطة من أعمال وتحدده من مواقف وبرامج دون تخاذل أو تنازل ديدنه الوحيد في ذلك النضال من «أجل الحرية وحقوق الانسان متمسكا بحريته كاملة، في الحكم عليها (أو إليها) بالرجوع إلى المعايير التي تضمن للفرد الحرية والكرامة والعدل وتضمن تجسيم مفهوم المواطنة على أرض الواقع في كنف الاحترام الكامل لحقوق الإنسان.

ومن هذا المنظور، يمكن القول إن العديد من المنتمين إلى النخبة (وخاصة منهم الجامعيين) أخلوا بدورهم كمثقفين بالمعنى المذكور خلال العقود الماضية سواء تحت الحكم البورقيبي أو تحت حكم بن علي، وفيما يخص فترة بن علي تورط العديد من الجامعيين (وهم الذين يحملون شهائد جامعية، وهذا هو الجامعي بالمعنى السطحي للكلمة، لأن الجامعي بالمعنى العميق للكلمة هو الذي يبقى حريصا على استقلاليته تجاه السلطة متمسكا بها دون السقوط في فخ مغرياتها المادية والسياسية)، تورطوا قلتُ في الانحياز لنظام بن علي والدفاع عنه، وحتى التنظير له، هادفين من وراء ذلك إلى تبريره سياسيا وإيديولوجيا ولقد ارتقى العديد منهم إلى مناصب عليا في مختلف هياكل الدولة وحزب التجمع المشؤوم، بما جعلهم مشاركين مباشرة في صنع القرار السياسي، فهم بذلك يتحملون اليوم بعد الثورة مسؤولية سياسية وأخلاقية مباشرة فيما ارتكبه النظام البائد من جرائم سياسية واقتصادية ومالية، وفي انحرافه الكلي عن قيم ومبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية.

إن المثقف الحقيقي بهذا الوصف، هو الذي يظلّ أيا كانت الطبقة السياسية الحاكمة، دوما في موقع الرقيب الحريص على الدفاع باستمرار عن تلكم القيم وحتى إذا ما انخرط في العمل السياسي وتقلد مسؤولية ما، فعليه أن يبقى متمسكا بتلك القيم وفيا لها وأن يكون مستعدا باستمرار إلى ترك العمل السياسي والتخلي عن المناصب السياسية ومغرياتها كلما تبين له أنها زاغت عن تلك القيم والمبادئ.

لقد هُمّش المثقف بهذا المعنى في عهد بن علي خاصة حيث ترعرع وانتعش فيه الانتهازيون، والمتسلقون طمعا في الجاه والسلطة، ضاربين عرض الحائط، بكل القيم والمبادئ التي كان من المفروض أن يعملوا من أجل صونها ولا أن يساندوا بن علي في تمريغها.

من هو الدكتور محمّد الصالح بن عيسى
أستاذ تعليم عال في القانون العام
عميد سابق لكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس
رئيس الجمعية التونسية للعلوم الإدارية
كاتب عام الحوكمة من جويلية 2011 إلى ديسمبر 2011
عضو سابق في لجنة الخبراء التابعة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.