أرسل الخليفة أبو جعفر المنصور إلى أبي حنيفة وأراد أن يوليه القضاء فأبى فحلف عليه أبو جعفر ليفعل، فحلف أبو حنيفة: لا يفعل. فقال الحاجب الربيع لأبي حنيفة: ألا ترى أمير المؤمنين قد حلف، فقال أبو حنيفة: أمير المؤمنين أقدر مني على كفارة يمينه.
فأمر به إلى السجن فمات فيه وفي رواية أنه ضرب مائة صوت وحبس إلى أن مات.
ويروى أن أبا جعفر المنصور دعاه وقال له: كم يحلّ للرجل الحر من النساء الحرائر؟ فقال: أربع فقال الخليفة: اسمعي يا حرّة، وهو يتوجه بالقول إلى زوجته القيروانية أروى. فقال أبو حنيفة على البديهة: يا أمير المؤمنين: لا يحل لك إلا واحدة!
فغضب الخليفة وقال: الآن قلت أربع؟
فقال: يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى «فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» فلما سمعتك تقول: اسمعي يا حرة عرفت أنك لا تعدل، فلهذا قلت لك لا يحل لك إلا واحدة.
فلما خرج أبو حنيفة بعثت أروى القيروانية زوجة الخليفة له ألف دينار، وأرسلت تشكره وتثني عليه فلم يقبلها أبو حنيفة وردها وقال للرسول: قل لها أنا ما تكلمت لأجلك وإنما تكلمت لأجل الله فأجري على الله.
ومعلوم أن الخليفة أبا جعفر المنصورتزوج أروى بنت منصور الحميري بشروط الصداق القيرواني، وقد تزوجها عندما التجأ إلى القيروان وكان ملاحقا من الأمويين. وقد شرطت عليه أروى أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى وكتبت عليه بذلك كتابا أكدته وأشهدت عليه شهودا فكان يكتب إلى الفقيه بعد الفقيه من أهل الحجاز وغيره يستفتيه فكانت أروى إذا علمت بمكانه بادرته فأرسلت إليه بمال جزيل، فإذا عرض عليه أبو جعفر الكتاب لم يفته فيه برخصة حتى ماتت بعد عشر سنين من سلطانه ببغداد فتزوج مرات وتسرى بالمئات.