من كبار الصحابة وأفضالهم: روى عبد اللّه بن الصامت قال لي أبو ذر الغفاري: يا ابن أخي صليت قبل الاسلام بأربع سنين، قلت له: من كنت تعبد؟ قال: إله السماء. قلت: فأين كانت قبلتك؟ قال: حيثما وجّهني اللّه. جاء في حديث النبي الكريم: أبو ذر في أمتي، على زهد عيسى بن مريم، كان يطيب له أن يمشي في ظلّ القمر متفكّرا في نشأة الانسان وخلجاته الروحانية، عليم بهيئة الفلك وأطراف الأرض، حتى أن الإمام علي كرّم اللّه وجهه قال فيه: وعى أبو ذر علما، عجز عنه الناس ثم جعل عليه رباطا، فلم يخرج منه شيئا. سنة سبع وعشرين للهجرة (648 ميلادي) شهد غزو إفريقية مع ابن أبي سرح. سار إليها من مصر ودخلها مع عشرين ألفا. فيهم جماعة من الصحابة، منهم العبادلة السبعة وسماها بنفسه غزوة العبادلة. نزل السبخة التي تتوامض أملاحها في شرقي القيروان، ورفع بيديه الكريمتين الصخور قواعد وعرصات لمسجد باب عبد اللّه، وهو مجاور لمقام الامام سحنون الآن.
لم يبق منه إلا الموضع وبيان البنيان وعلى هذا النحو من الرواية هو الأول بالقيروان وكان حاكم إفريقية آنذاك الملك جرجير. لعل القارئ لا يعلم أن أبا ذر، كثير التعجّب من آثار الفراعنة، ومن المعابد المرصّعة بالفسيفساء في سبيطلة حين أسلم على يديه خلق من النصارى هناك. وتمّت المصالحة مع باقي أهل الكتاب بحوالي (ثلاث مائة قنطار ذهبا) فهو لم يهدم كنيسة ولم يقوض صليبا. كان منشغلا بتجويد الخط على يد أستاذه القرشي ابن سرح الذي كان يكتب الوحي للنبي، وهو الذي علمه الفروسية لأنه من فرسان بني عامر الكبار.
كثير من البربر تعلموا منه فن اللفائف المهيئة للمواثيق، والرقوق التي نسميها رقاعا قصّت من جلود الغزلان والماعز للتدوين.