اللّه سبحانه ندعوه.. وندعوه.. وندعوه.. وليس لنا من إله غيره. أما الداعي فأغلبه يدعو.. أو لا يدعو.. بل الأفضل أن يمسك ولا يدعو وإن غضبت عليّ أيها الدّاعي وكفّرتني وكنت من الذين يسخطون فاصبر ولا تعجل عليّ. وأمّا الدعاء فشيء آخر الدعاء لا يشكّك فيه إلاّ مجنون فحتّى الكافر له دعاء يستند فيه الى كفره ويدعو.. واللّه تعالى أمرنا بالدعاء ووعد بالإجابة فقال {أدعوني أستجب لكم}. وتكرّر ذلك في كتابه الكريم مرّات.. وفي الحديث الشريف «لا يردّ القدر إلا الدعاء» وغيره عديد ومعروف.
والدعاء هو منتهى العبادات واللّه سبحانه وتعالى يحبّ أن يسأل وللدعاء أوقات وموطن يستحبّ فيها وعلى كلّ من يدعو أن يكون موقنا بالإجابة وعلى يقين تامّ من أنّ اللّه تعالى يتقبّل منه فيجازيه إما في الحياة الدّنيا وإما في الآخرة على كل دعوة يدعو بها وهذا هو الدّعاء في الاسلام.
وأما الداعي فشيء آخر مغاير تماما والداعي في معناه بالنسبة الى الدعاء كالوضوء في حكمه بالنسبة الى الصلاة إذا بطل الوضوء فالصّلاة باطلة ولكن بعض النّاس يخلطون فتراهم يأتون بكل الموبقات ثم يسارعون في المناسبات ويدعون.. ويدعون.. وكثير من الكتب تسمّي: الدعاء المستجاب وكأنها في مفاهيم النّاس عطيّة سحريّة ثابتة تفعل ما تشاء ثم تدعو بها فيستجاب لك.. وأغلبنا يسارع الى هذه الأدعية المريحة ويسرد الدعاء الذي لا يردّ: اللّهم أعطنا.. اللّهمّ اجعلنا.. اللّهمّ حرّر فلسطين.. ولا يستجاب له فيؤول ويتفاءل تفاؤلا ساذجا دون أن يدري وما ذلك إلا ألننا غافلون لم نفهم ولم نفقه أنّ العبرة ليست بالدعاء ولا بكثرته ولا بتطويله ولا بالكتب الجازمة فيه أبدا. العبرة بالداعي وبلسان الدّاعي وبطنه وقلبه ويده وعينه.. نعم فالأمر يحتاج الى الاستقامة والى الصدق والإخلاص لأن المسألة مسألة عمل وصلاح لا تمنّي وصياح.. لقد قيل للرّجل الصّالح مالك ابن دينار رحمه اللّه في زمن القحط ادع لنا فقال تستبطئون المطر وأستبطئ الحجارة، والله تعالى لمّا أمر بالدعاء ورغّب فيه فقد بين من هو الداعي وانتقاه، انظر: {إنّما يتقبّل الله من المتّقين} {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} وكثير منّا يأخذ هذه الآية مأخذ (ويل للمصلين). فيقول قال اللّه تعالى {فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} ويقف. والدعاء سهل بسيط فيدعو.. وقد سها عن {فليستجيبوا لي} والحال أنه لا بدّ من الاستجابة لأوامر اللّه ونواهيه وإلا فكيف نجحد ولا نستجيب وننتظر أن يستجاب لنا؟ واللّه هو الغنيّ عنا ونحن هم الفقراء إليه فكيف مثلا لتارك الصلاة أن يستجاب له؟ بل كم من قائم يصلّي ولا صلاة له أو قل يصلّي والصلاة تدعو عليه والذين يقولون: اللّه غنيّ عن أفعالنا اللّه رحمان رحيم ها قد استجاب لشرّ خلقه إبليس: {قال ربّ فانظرني الى يوم يبعثون قال فإنّك من المنظرين} نقول أولا بل قال {فإنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم} ثم هي نقمة وليست استجابة دعاء ورحمة، فإبليس طلب شرّا يستحقّ جزاءه.. إبليس في دعائه هذا كالداعي على نفسه لالها، إذ طلب الاستزادة في الغواية فأغواه اللّه لكبره البغيض ومكره الخبيث {واللّه خير الماكرين} لتحقّ عليه اللعنة الدائمة ويحقّ عليه الخلود في جهنّم إبليس بلغة عصرنا: (بهيم) لا يقاس عليه ويبقى الدعاء ينتظر الإجابة وتبقى الإجابة تنتظر الداعي المناسب ولا يزول الشيء إلا بزوال أسبابه والآية الكريمة تقول {ما يفعل اللّه بعذابكم ان شكرتم وأمنتم} وها هو قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «مأكله حرام وملبسه حرام.. أنّى يُستجاب له». إذن فالعبرة قطعا ليست بالدعاء ولا بإطالته المملة كما يفعل الكثير، العبرة بالبرّ والصالحات والتقوى..