في بعض البلدان العربية خاصة في سوريا ينزل المؤذّن للفجر من المئذنة بعد أدائه أذان الإمساك، ويقف في آخر صف من صفوف المصلّين على مرتقى أو سدّة، وينشد نثرا ونظما جملة تسمى «أمة خير الأنام» لأن ذلك مطلعها يحضّهم فيها على اغتنام ليالي رمضان، ويذكر فوز من قام للسحور بنغمة خاصة، وربما ينشد صلوات نبويّة، أو دعوات حارّة، وكم هي مؤثرة وقت السحور. ومما يروي أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه هو أول من أمر بإنارة المساجد في ليالي رمضان، ومرّ سيّدنا علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه ذات ليلة في رمضان على المساجد فوجدها مضاءة من الداخل والخارج بالقناديل فقال: نوّر اللّه على عمر بن الخطّاب في قبره كما نوّر علينا مساجدنا.
وأمر المأمون الخليفة العباسي كاتبا من ديوان الإنشاء بأن يحرّر رسالة الى جميع العمال للاستكثار من المصابيح في شهر رمضان المكرّم فكتب في الرسالة مبيّنا فضل إنارة الطرقات في شهر رمضان: «إنّ في ذلك أنسا للسّابلة، وإضاءة للمجتهدين، ونفيا لمكان الرّيب، وتنزيها لبيوت اللّه من وحشة الظلمة».
وكان الأمراء من بني الأغلب يأتون جامع القيروان ليلة نصف شعبان وليلة نصف رمضان ويعطون فيهما من الصدقات كثيرا، ثم يخرجون في حشمهم وأهل بيتهم وخدمهم من الجامع الى المدينة فيزورون دور العبّاد والعلماء والكتاتيب والمحارس والدمنة، وهي مستشفى القيروان، فيوزّعون عليهم الأموال والعطايا الجسيمة (1).
وتعبق أيام تونس ولياليها بالمجالس الدينية العطرة التي يتلى فيها القرآن الكريم، ويروى الحديث النبوي الشريف من صحيح البخاري أو صحيح مسلم، وتتعدّد الدروس الدينية آناء الليل وأطراف النهار، وتكثر السّهرات الفنية في الليالي الى الصباح، وتتميّز الليالي بزيارات الأقارب والأصدقاء لبعضهم بعضا في هذا الشهر الكريم. ويجتمع الصائمون حول موائد الإفطار الفائحة بالأنواع التونسية اللذيذة التي تمهر في إعدادها نساؤنا بكل مهارة وتفنّن وطرب ولذّة.
وما يميّز رمضان خاصة إخلاص القلوب فيه، كيف لا؟ وهو الشهر المبجّل للعمل وإفادة المجتمع والجهد والاجتهاد للمصلحة العامة، فتصفو النفوس، وتستعدّ العقول للفكر والبحث والعلم. (1) جاء هذا الخبر في كتاب «رياض النفوس» للمالكي.