بعد الثورة، سارعت عديد الدول والهياكل والمؤسسات العالمية لمنح الحكومات الثلاث المتعاقبة هبات مالية حتى تساعدها في مسارها الاقتصادي والسياسي. لكن ما مصير تلك الهبات و هل وقع استعمالها في الاغراض التي أسندت من أجلها؟ عشرات الاتفاقيات وقعها منذ الثورة إلى الآن وزراء حكومات محمد الغنوشي والباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي وحصلت بمقتضاها تونس على مبالغ متفاوتة بعنوان هبات. بعض هذه المبالغ صُرفت للدولة و البعض يقع صرفه على مراحل وبعض آخر ما زال إلى حد الآن لم يُصرف بعد.
الحديث عن الهبات التي حصلت عليها الدولة التونسية بعد الثورة ربطه كثيرون مؤخرا بمسألة التعويضات المالية للمساجين السياسيين، حيث ذهب البعض إلى القول ان هذه الهبات سيقع انفاقها في تسديد التعويضات للمساجين السابقين. غير أن كثيرين يذهبون أبعد من ذلك بالقول أن تلك الهبات لا يقع توجيهها نحو المشاريع التي أسندت من أجلها بل يقع تحويل وجهتها نحو اطراف اخرى غير الدولة.
617 مليارا لحكومة الجبالي
تكشف الأرقام الرسمية لوزارة الاستثمار والتعاون الدولي أن حجم الهبات التي حصلت عليها تونس بصفة فعلية خلال ال6 أشهر الأخيرة (خلال عهد حكومة الجبالي) ناهز 617 مليارا من مليماتنا. وتقول مصادرنا أن الجهات المانحة لهذه الهبات هي الاتحاد الاوروبي وتركيا والصين وسويسرا وفرنسا والولايات المتحدةالامريكية واليابان.. وبعض المؤسسات المالية العالمية (بنوك – صناديق استثمار..). غير أنه بإجراء بحث بسيط عبر الانترنيت حول المقالات الصحفية التي تحدثت عن امضاء تونس على اتفاقيات هبات أو عن تسلمها مبالغ، نكتشف أن حجم المبالغ التي مُنحت للحكومة التونسية منذ جانفي إلى الآن في شكل هبات أرفع بقليل من الرقم الرسمي المذكور من الوزارة ويناهز 1000 مليار.
حوالي 1500 مليار لحكومة السبسي
خلال سنة 2011 حصلت تونس على عدة هبات من اطراف عديدة أهمها منظمة الاغذية والزراعة التي قدمت لحكومة قائد السبسي هبة ب464 مليون أورو أي ما يفوق 900 مليار من مليماتنا. وحسب ما أمكن جمعه من أرقام حول الهبات المقدمة لتونس سنة 2011 فإن المبلغ الجملي لهذه الهبات قد يكون ناهز 1500 مليارا من المليمات.
مجالات الانفاق
عند الحديث عن الهبات التي تحصلت عليها الدولة، يتبادر إلى الأذهان تساؤل حول كيفية انفاقها. ويجيب مصدر مسؤول من وزارة الاستثمار والتعاون الدولي أن الهبات تُوجه عادة إما لدعم ميزانية الدولة بشكل مباشر أو لاقتناء تجهيزات جماعية أو للمساهمة في برامج التزويد بالماء والكهرباء أو لمد شبكات التطهير وغيرها. كما يقع استغلالها أيضا لدعم المناطق الفقيرة بالجهات الداخلية وأيضا لدعم القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي ولدعم منظمات المجتمع المدني وقطاع الخدمات.
وحول امكانية استعمال هذه «المليارات» للتعويض للمساجين السياسيين، كما أشيع، تؤكد مصادرنا أن ذلك غير صحيح لأن كل اتفاقيات الهبات التي تم امضاؤها سواء في عهد حكومة قائد السبسي أو حكومة الجبالي محددة المعالم و أهدافها مضبوطة، وهي تتعلق كلها بمشاريع تنموية واقتصادية واجتماعية وبنية تحتية وبغيرها من المشاريع الاخرى وهذا موثق في نصوص الاتفاقيات التي لا يجوز الحياد عنها تماما. وقد يكون حصل خلط البعض بين هذه الهبات والهبات الأخرى التي قد تحصل عليها تونس من بعض الجهات الاجنبية في المستقبل بعنوان التعويض للمساجين.
رقابة
إضافة إلى التساؤل حول مجالات انفاق الهبات التي تحصل عليها الدولة، يُطرح تساؤل آخر وهو المتعلق بالرقابة على كيفية انفاق مبلغ الهبة وهل يقع توجيهها نحو الغاية التي وقع الاتفاق عليها بين الدولة والطرف المقدم لها وهل يمكن الحديث عن تحويل لوجهة الاموال نحو غايات اخرى. حول هذا الموضوع يقول مصدرنا من وزارة الاستثمار والتعاون الدولي أن ملف القروض والهبات التي تحصل عليها الدولة التونسية من دول اجنبية او من مؤسسات مالية هو على غاية من الأهمية من حيث الرقابة والمتابعة.
فإضافة إلى الرقابة الداخلية التي تجريها هياكل الدولة، فإن المؤسسات المانحة تجري بدورها رقابة دقيقة على حسن التصرف في تلك الاموال و تتابع انفاقها بكل دقة وتتابع تنفيذ المشاريع الموجهة لها والآجال المحددة وتساهم عادة في اختيار المستثمرين، وذلك عبر مكاتب مراقبة و دراسات عالمية. وهذه الطريقة حسب مصدرنا معمول بها في كل دول العالم عند حصولها على هبات او قروض، حيث أن المراقبة صارمة في هذا المجال ولا يجوز الحديث في رأيه عن تحويل وجهة تلك الاموال لفائدة شخص أو لفائدة منافع خاصة او انفاقها في مشاريع اخرى.