أكد أمس حمادي الجبالي رئيس الحكومة خلال إشرافه على افتتاح اليوم الدراسي حول الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية «الوضع الحالي وتأملات المستقبل»، عزم الحكومة الأخذ بكل التوصيات التي من المنتظر أن يتم تحديدها خلال اليوم الدراسي. وبين أن المرحلة تقتضي الاطلاع على التجارب العالمية للانتخابات والتمعن في كل تفاصيل الانتخابات السابقة والوقوف على سلبياتها وايجابياتها على حد السواء من اجل إنجاح الاستحقاق الانتخابي القادم. ودعا رئيس الحكومة إلى مزيد إحكام قانون تنظيم الانتخابات وأوضح في نفس السياق أن تمويل ومراقبة الحملة الانتخابية لا يقل أهمية عن مسألة تمويل الأحزاب. كما أشار إلى الدور المناط بعهدة المجتمع المدني في تقديم التوصيات والمساهمة في مراقبة الحملات الانتخابية وتدعيم المسار الديمقراطي بصفة عامة. تقرير دائرة المحاسبات في عرض التقرير النهائي لدائرة المحاسبات أوضحت علياء براطلي رئيسة قسم دائرة المحاسبات أن الدائرة قد تسلمت آخر حساب في 7 جوان 2012 علما أن آخر أجل لتقديم التقارير هو يوم 15 ديسمبر من نفس السنة كما لم تتلق دائرة المحاسبات إلا 32.15 بالمائة فقط من مجمل الحسابات المستوجبة. وبينت أن المرسوم 91 لسنة 2011 ينص على المراقبة الوجوبية للقائمات الفائزة إلا أن بعض المرشحين لم يقوموا بإيداع حساباتهم ويذكر في هذا الشأن 6 أحزاب من ضمن 17 حزبا الفائز لم تقدم أية وثيقة للدائرة و14 قائمة مستقلة من بين 31 في الانتخابات وحالت هذه النقائص دون رقابة مآل المنحة العمومية والتثبت من الإنفاق الانتخابي وهو ما يعد خرقا لمبادئ الشفافية والمساءلة التي ارتكزت عليها الحملة.. وزيادة على ذلك فان 33 بالمائة من الأحزاب التي تقدمت بالوثائق الوجوبية لم تقدم الحسابات الخاصة بكل القائمات وهو ما يفوق 17 بالمائة من مجموع الأحزاب. وأشارت إلى أن عدم تقديم القائمات المرشحة لكشوفات الحسابات ضمن وثائق تمويل حملاتها أدى إلى عدم تمكن دائرة المحاسبات من التأكد من مشروعية موارد الحملة الانتخابية واحترام مصاريفها لقواعد الإنفاق الانتخابي. وذكرت رئيسة قسم دائرة المحاسبات في الإطار أن الهيئة التعقيبية لدائرة المحاسبات قد أصدرت أحكاما وقتية بشأن 281 قضية تعلقت كلها بأحزاب وقائمات لم يقدموا حساباتهم إلى دائرة المحاسبات. وبينت أن الاعتمادات الجملية المستهلكة بعنوان تمويل الحملة الانتخابية قد بلغ 8 مليون دينار و395 ألفا و749 دينارا و430 مليما مقابل تقديرات قدرت ب9.574.265 دينارا ومثلت بالتالي الاعتمادات المستهلكة 88 من نسبة التقديرات. وأوضحت براطلي أن 562 قائمة حزبية ل25 حزبا قد استأثرت ب 63 بالمائة من المبالغ المصروفة بعنوان القسط الأول وانتفع تسعة أحزاب من ضمنها ب 27 بالمائة من المنحة العمومية. وتبين حسب التقرير أن 78 بالمائة من القائمات المترشحة قد تحصلت على القسط الأول بعد الآجال القانونية و21 بالمائة بعد انطلاق الحملة كما اتضح من خلال فحص القائمات المتحصل عليها من المؤسسات البنكية أن بعض الحسابات البنكية قد تم فتحها بعد تاريخ انطلاق الحملة الانتخابية. وأوضح أن 67 بالمائة فقط من القائمات المرشحة قد تحصلت على القسط الثاني من المنحة العمومية. ولوحظ من خلال فحص سجلات المداخيل والنفقات التي تمت موافاة دائرة المحاسبات بها تضمنها لعديد الاخلالات التي من شانها أن تمس بالمصداقية الحسابية فقد تبين أن العديد من هذه الحسابات غير مرقم وغير مؤشر عليه من قبل الهيئات الفرعية للانتخابات وتضمن العديد من الدفاتر المذكورة لتشطيبات إضافية ولم تكن شاملة لكل العمليات المالية المنجزة قبضا وصرفا. ويقدر المبلغ الجملي المستوجب إرجاعه ب 862.976.2 دينارا من ضمنه ما يقارب 47 بالمائة بذمة 66 حزبا سياسيا و51 بالمائة في ذمة قائمات مستقلة وفي ما يتعلق بإصدار أوامر الإرجاع بالنسبة للقائمات التي لم تتحصل على نسبة 3 بالمائة من الأصوات المصرح بها لوحظ عدم تثقيل المبالغ المستوجبة من قبل أمناء المال الجهويين. الإطار القانوني في تقديمها للإطار القانوني المنظم للانتخابات والتقرير الخاص بهيئة المحاسبات ذكرت علياء براطلي رئيسة قسم المحاسبات ان القانون الانتخابي التونسي قد أخذ بعين الاعتبار في العديد من النقاط عددا من المعايير الدولية على غرار التقيد استعمال موارد الدولة الإدارية وتخصيص التمويل العمومي وتحديد سقف للنفقات المتعهد بها خلال فترة الحملة الانتخابية وإنشاء آليات تنظيمية مستقلة وتطبيق عقوبات ملائمة في حال انتهاك القانون. السلبيات غير أن القانون الانتخابي قد احتوى أيضا على عدد من الثغرات والتي تتلخص أساسا في: - الحساب البنكي فالفصل 52 من المرسوم 35 يفرض على كل حزب وكل قائمة فتح حساب بنكي وحيد لمتطلبات الحملة الانتخابية في حين يستوجب فرض فتح حساب بنكي وحيد للمتطلبات اللازمة للشفافية وللشمولية ويجب قبض كل المداخيل في هذا الحساب ودفع كل النفقات من خلاله وهذا ما جعل الأحزاب تعمل بطرق مختلفة في دفع النفقات حسب الدوائر الانتخابية فتحصلت بعض الأحزاب على تسهيلات في الدفع وقامت السلطة المركزية للحزب بدفع الدين وقامت بعض الأحزاب الأخرى بتحويل بنكي بريدي من خلال صرف الموارد اللازمة لتسديد النفقات على الحساب الشخصي لرئيس القائمة وقام البعض منها بتقديم أموال نقدا لمختلف رؤساء الأحزاب لتسديد النفقات الأمر الذي جعل من المستحيل تطبيق حكم المرسوم 91 الذي يقتضي الدفع عن طريق الشيكات لأي نفقات تتجاوز 250 دينارا. -ليس هناك تعريف لنفقات الانتخابات في التشريعات المتعلقة بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي حيث أشارت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في دليل مسك حسابات الحملة الانتخابية إلى تتبع الحركات المالية وكافة الاستفادات العينية (سلع ومعدات وخدمات..) للأحزاب والقائمات وهو ما أحرج عديد الأحزاب والقوائم ووقع التساؤل عن كيفية تقييم مساهمات الناشطين في الحملة الانتخابية خاصة اذا ما امتزج بالعمل التطوعي؟ وذلك ما جعل صياغة التقارير المالية أكثر صعوبة. -اعتبرت الأحزاب السياسية وهيئات الرقابة المختلفة على الحملة الانتخابية أن سقف الانفاق منخفض جدا بالمقارنة بواقع الحملة الانتخابية وما تولد على هذه الثغرة مثلا إبطال الهيئة العليا للانتخابات خمس قوائم للعريضة الشعبية على أساس أن تكلفة طباعة المنشورات التي وزعت خلال الحملة الانتخابية لم تتواجد في الحركات المالية للحساب البنكي، قرار تم إلغاؤه من قبل المحكمة الادارية وذلك بعد توضيح العريضة الشعبية أنه تم طبع المناشير قبل الحملة ولم تدرج كلفتها في التقرير المالي للحساب البنكي. - شجع صرف المساعدة العمومية المدفوعة سلفا عددا من القوائم لتقديم ترشحها فقط للحصول على التمويل العمومي حيث تم الحصول القسط الأول للقوائم دون الأخذ بعين الاعتبار النتيجة التي تحصلت عليها القائمة في حين توجب صرف القسط الثاني حصول القائمة على 3 بالمائة من الأصوات المدلى بها هذا دون أن ننسى اشكالية الصرف المتأخر لأقساط التمويل العمومي فصرف القسط الأول وسط الحملة الانتخابية وتجاوز صرف القسط الثاني ال35 يوما المحدد لصرفه في عدد من الحالات. -الى اليوم لم يقع إنشاء اللجنة المشتركة بين دائرة المحاسبات وهيئة الانتخابات والمكلفة بمتابعة التمويل الخاص بالحملة الانتخابية للست أشهر التي تلت الانتخابات اذا ما اختلف تقارير الهيكلين السابق ذكرهم في مسألة المراقبة... فمثلا في طعون أخرى متعلقة بقوائم العريضة الشعبية أقرت المحكمة الإدارية وجود تمويل غير قانوني من شركة أجنبية لكنه لم يبطل نتائج القائمتين بسبب عدم وجود تأثير على نتائج الاقتراع وهنا لم يقع التشاور مع دائرة المحاسبات حيث يعد رقابة دائرة المحاسبات محدود للغاية لا يسمح لها بالقيام بدور فعال في مراقبة شرعية تمويل الحملة الانتخابية خاصة انها تتمتع بسلطة فرض عقوبات محدودة جدا. - من بين الطعون ال104 المقدمة تم رفض 52 لأسباب إجرائية ويمكن تفسير عدد الطعون المتواضع الى حد ما بعدم وجود ثقافة مراقبة على استخدام الأموال العمومية من قبل المجتمع المدني وتطبيق مبدأ الشرعية بدلا من القانونية. -عدم وجود تنسيق بين التشريعات المتعلقة بتمويل الحياة السياسية حيث تتداخل مواضيع تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية وليس هناك رقابة خارجية حقيقية وليس لدائرة المحاسبات أي سلطة سوى تلقي التقارير السنوية وبالتالي فهي غير قادرة على فرض أي عقوبة ويطرح عدم كشف التقارير المقدمة لدائرة المحاسبات للرأي العام مشكلة الشفافية في تمويل الحياة السياسية. وتجدر الإشارة إلى أن عرض سلبيات الإطار القانوني قد احتوى ضمنيا عرضا لجملة من التوصيات الخاصة بتعديل الجانب التشريعي للانتخابات وأساسا تمويل الحملات الانتخابية.