الحادثة التي عاشها مسجد الهداية بحي قصر باردو من معتمدية باجة الشمالية كانت محل اهتمام مختلف وسائل الإعلام لما خلفته من اشمئزاز لدى من تابعوا الحادثة مباشرة أو تناقلوا تفاصيلها باعتبار أن المساجد هي أكثر الأماكن أمنا وأمانا. وحين يتبادل العنف داخل المساجد ويستعمل الغاز المسيل للدموع من طرف المتنازعين فإن مبعث الاشمئزاز يكون له مبرراته.
«الشروق» نقلت تفاصيل الحادثة على أعمدتها وهي اليوم تنقل تدقيقات تهم الحادثة على لسان الأطراف التي يشتبه أنها كانت وراء ما شهده مسجد الهداية بباجة.اللقاء الأول كان بالسيد عبد الله الغربي في مكتب «الشروق» بباجة وفي البداية أكد ضيفنا أن تسمية السلفيين المداخلة إنما مسقطة على المجموعة التي ينتمي إليها ويعتبرون أنفسهم سلفيين لا غير نسبة للسلف الصالح. كما أن المداخلة هي نسبة للشيخ ربيع المدخلي والذي يعتبرونه عالما من علماء الأسلام ويحترمونه ولكنهم ليسوا متعصبين إليه مثلما يحاول البعض الترويج إليه وبالتالي هم لا ينكرون الشيخ ربيع ولا يتعصبون إليه وقد استدل محدثنا بما قاله الامام مالك «كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار الى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم». ويضيف عبد الله الغربي أنه ومن معه يحبون علماء السعودية باعتبارهم موافقين في طرحهم لكتاب الله وسنة رسوله وبالتالي فإنهم كسلفيين يقبلون من هؤلاء العلماء ما وافق الشرع ويرفضون منهم ما خالف الشرع.
براء من كل تصنيف
ويؤكد عبد الله الغربي أن التصنيفات الجديدة للسلفيين (سلفي علماني سلفي جهادي سلفي حبشي) لا تلزمهم في شيء ويعتبرون هذا التصنيف باطلا كما يعتبرون السلفيين الذين ينعتون أنفسهم بهذه التسميات تكفيريين.وفي باجة وعلى حد تعبير ضيفنا فإن السلفيين الحقيقيين هم الذين لا يكفّرون الناس ولا يكفرون الحكام ويدعون فقط إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ولا ينتهجون في ذلك عنفا ولا تعنيفا ولا إكراها وهؤلاء السلفيون الحقيقيون والذي هو أحدهم متواجدون أساسا بالجامع الكبير وجامع الهداية بباجة وهم براء من كل من يتبع الباطل ويدعو للعنف. وهم مستعدون للقاء أي كان من عموم الناس يريد النقاش والحوار. فهم يسلمون بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وفهم السلف الصالح وهذا هو المنهج السلفي السليم لا غير (على حد تعبير محدثنا).
حول أحداث جامع الهداية
وحول ما جد بجامع الهداية مؤخرا من أحداث رجانا محدثنا أن ننقل حرفيا رده وتفصيله فقال... قال الله تعالى :«فإن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع»...وهذا من باب النصيحة لسائر المسلمين. وأما ما حصل في جامع الهداية فأقسم بالله العظيم أنهم هم سبب في الفتنة (وهم زاعمو السلفية والمتواجدون بمنطقة المعقولة بباجة )وقد سبق وحذرنا إمام جامع الهداية رفيق بن عمارة وهو أستاذ تقنية وهو أيضا سبب مباشر في الفتنة لأننا حذرناه من هؤلاء الناس وقلنا له إنهم يكفرون الناس إلا أنه استكبر وقال لنا :«أنا لا أبالي» والله أعلم لماذا فعل ذلك. كما أننا نبهناه (الإمام) إلى خطورة هذه الفرقة التي تدعي السلفية والموجودة بمنطقة المعقولة فهم يكفرون الناس ويمثلون خطرا على أمن البلاد وبالمثال يتضح المقال فلا يخفى على الجميع ما وقع في جندوبة والقيروان وما وقع سابقا في سليمان. كما أنه لا علاقة لمسألة التعجيل بالإفطار بما حدث في مسجد الهداية وذلك أننا نعتمد أحاديث نبوية تدعم التعجيل بالإفطار ولم ولن نلزم أو نكره أحدا بذلك وقد دأبنا قبيل كل صلاة مغرب بجامع الهداية على الإنزواء بركن من هذا الجامع للتعجيل بالإفطار وهو ما أثار حافظة إمام الجامع الذي دعا في مناسبة أولى المدعو شهدي من منطقة المعقولة لإلقاء درس في الجامع في المنهج التكفيري فتصدينا لذلك سلميا وأخرجناه من المسجد وفي اليوم الموالي تمت دعوة هؤلاء معززين بإمام سيدي فرج وأفراد آخرين وهو ماساهم في تأجيج التوتر فاستعملوا لمواجهتنا الغاز المسيل للدموع وتكسير جرار الماء ورمونا بشظاياها وهذا ليس بالغريب منهم لأن التونسيين لا يعرفون جيدا من هم التكفيريون والمنهج السلفي براء منهم.
حذار من هؤلاء
وفي خاتمة اللقاء أكد محدثنا أنه ومن معه يعتمدون على الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح لنشر الدين الإسلامي ولا يكرهون الناس في الدين ولا يسعون إلى مراكز ولا مناصب ولا كراس ولا مال ولا جاه لا تهمهم السلطة ولا تعنيهم الأحزاب. وليس لهم أمير بمثابة الآمر الناهي الذي لا يخالف أو يناقش أمره. فقط يدعون بإلحاح إلى ضرورة التصدي للتكفيريين الذين يمثلون خطرا كبيرا يحدّق بأمن البلاد والعباد قبل أن يتضاعف عددهم ما داموا قلّة.
مشارب مختلفة
كما التقينا في نفس المكتب الشيخ محمد إكرام الوسلاتي إمام جامع سيدي فرج والذي كان أبرز المتضررين من حادثة جامع الهداية إذ أصيب باختناق قبل ان يتم نقله إلى المستشفى. وعن السلفية في باجة أجاب ضيفنا أنّ مشارب الناس تختلف وكل له فهم وتنزيلات للنصوص على أرض الواقع ومن هذه المنطلقات تصنف الجماعات المنسوبة للإسلام. ..وقد عاش الصحابة ردحا من الزمن كما ذكر في الأثر «كنا نعيش بين شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس «هذا في مسائل الفروع وأما المسائل الأصولية فلا خلاف في ذلك».
وحول ما حدث بجامع الهداية مؤخرا قال الشيخ محمد إكرام الوسلاتي حرفيا «مبدأ الإشكال هو في اجتهادات» المداخلة في مسألة الإفطار قبل الأذان فنقول إننا لم ننكر عليهم إفطارهم قبل الأذان مع التحفظ عند تأصيل هذه المسألة الفقهية ولكن أنكرنا عليهم المجاهرة بفطر أمام الناس حتى أن بعضهم قد جلس في محراب أحد المساجد وجهر بفطره ودعا الناس إلى الإفطار قبل آذان المغرب.. هذا الأمر ألبس على الناس دينهم وصاروا في حيرة من أمرهم وهو ما دفع بقيام الأيمة بحملة قصد التنبيه إلى هذه المسألة وما قد تخلقه من انشقاقات وفتن تسيء للإسلام لدى عموم الناس.. والأيمة الذين استأنسنا فيهم القدرة على التبليغ والإقناع عهدت إليهم مهمة البيان للناس بالحكمة والموعظة الحسنة.
وهؤلاء المداخلة قد جوبهوا بالحجة والبرهان ودعوا إلى مناظرة فانسحبوا وذلك في جامع الهداية وهددوا بعدها بطرد مناظرهم وهددوا أمام المسجد بما لا يحمد عقباه وتوعدوه بإنزاله من المنبر.. وليلة الواقعة كان في البرنامج إلقاء درس وفق الروزنامة الرمضانية وللعلم فإن انتقال الأيمة من مسجد إلى آخر ليس بدعة بل هو أمر مألوف حتى قبل الثورة وطبعا قصد التنويع. ..وما راعنا يوم الحادثة إلا تصدي هؤلاء للمحاضر مستعملين العنف الشديد والغاز المسيل للدموع وإلقاء جرات الماء على المصلين وهو ما شهد به رواد المسجد وأثار فيهم الرعب والاشمئزاز خاصة بعد تفوه البعض منهم بالكلام البذيء وسب الذات الإلهية داخل بيت الله؟؟؟
وقد تعرض أمام المسجد إلى اختناق داخل المسجد نقل على إثره إلى القسم الاستعجالي بباجة ومن المساوئ أنه عندما وضع هذا الإمام داخل الشاحنة التي تولت نقله للمستشفى ألقيت عليه قنبلة غازية... وهنا لا بد من التذكير أن آية المنافق ثلاث منها إذا حدث كذب وإذا خاصم فجر.. فبعد خروجي من المسجد افتروا الكذب وقالوا للناس أن غمام سيدي فرج وسلفيي المعقولة هم السبب في الفتنة وأنهم هم الذين استعملوا الغاز وهم الذين يدعون الناس للافطار قبل الآذان.
أخيرا أقول لهؤلاء اتقوا الله في أنفسكم وفي حرمات بيوت الله وفي هذه البلاد عموما كما ندعو وزارة الشؤون الدينية إلى مزيد العناية بالمساجد وإطاراتها. ومن العيب أن نفرق بين أبناء الوطن الواحد والمدينة الواحدة وليس في مدينة باجة من دعا إلى التفرقة وشق الصف إلا هؤلاء