اختتم مهرجان ليالي الصيف الدولي بالقيروان ولم يكن أحد ينتظر أن يكون حفل الاختتام بذلك المستوى الذي اخجل أعضاء الهيئة. ومع ذلك فإن المهرجان قدم عروضا مقبولة وأقنع ببعض البساطة التي صنعت بعض الجمالية.
سهرة الاختتام كان من المنتظر أن تكون حفلا للانشاد الصوفي بما يليق بسهرة رمضان في ذكرى غزوة بدر. وقد توجهت بعض الأسر لحضور الحفل المعلن، قبل أن تفاجأ بعرض موسيقي آخر كان محترما لكنه لم يكن هو المنتظر. فكان حفل الاختتام أشبه بموعد فراق بين عاشقين.
وأمانة فان مهرجان القيروان الصيفي ورغم ما شابته من نقائص وخلافات اثرت في سير العمل، فانه شهد فقرات مشهود بنجاحها. ومنها المجلس الثقافي «بعنوان الفنّ والمقدّس» الذي شارك فيه البشير القهواجي والمنصف الوهايبي والفاضل الجزيري وعزّ الدّين العبّاسي.
فكان اللقاء صدى لما عاشته تونس من تجاذبات حول مدى تداخل الشأن الديني مع الشأن الفنّي منها أحداث العبدلية وتجاذبات قوانين المجلس التأسيسي وعرف القهواجي الفنّ بانه نشاط إنساني بدأ مع الإنسان واكد أن شعبا لا يقدّر الفنّ لا يمكن له الابداع في حياته وانتاجه وحرفه.
واكّد المنصف الوهايبي أن العلاقة بين المقدّس والفنّ علاقة عضوية. وأشار الى انه توجد لدينا نصوص تؤكد أنّ الشعر الجاهلي كان فنّا مقدّسا عند العرب، وقد كانت بعض القبائل العربية لا تسمع الشعر إلا على وضوء.
وذكر الأستاذ عز الدين العبّاسي كتابين سُحبا من المكتبة الوطنية وهما كتاب قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور لإبن الرقيق القيرواني الذي كان فقيها ورعا وكتاب الأطعمة والأشربة لابن قتيبة متسائلا عن مدى تفتحنا أمام تفتّح السلف. وأكد أنه لا يوجد موضوع فنّي خارج المقدس. اما الفاضل الجزيري فقد دقّ ناقوس الخطر أمام ما يتهدد الفنّ من مؤامرات ناتجة عن سوء فهم للمقدّس وللفنّ، مشيرا إلى قانون تجريم الاعتداء على المقدسات وأكّد أنّه لن يسمح لأيّ كان أن يكون وصيّا على إبداعه ولن يخضع لأيّ إملاءات من أيّ نوع.
وقدمت علياء بلعيد سهرة رمضانية فنية اصيلة. واستطاع المهرجان أن يتجاوز عثراته وينجح في اقناع العائلات القيروانية بالحضور بصوتها الدافئ المتدفق. فأطربت الحاضرين بأغان طربية قبل أن يفرض الشبان المتسرعون بتسريع نسق الايقاع لتتجه السهرة نحو إيقاعات الربوخ التونسي فتحول الطرب إلى رقص ونزلت علياء بلعيد وسط الجمهور صحبة طبّال الفرقة متجولة بين شباب الثورة الذي لا يزال مولعا بالربوخ كما ولع بعرض الشاب بلطي وسهرة الراب من قبل.كما قدّمت فرقة جمال الدين الفقير للإنشاد الصوفي الباكستاني سهرة صوفية شكّلت مفاجأة لزوّار المقام في ليلة رمضانية واستمتع فيها الحاضرون ببراعة هؤلاء الصوفية في العزف والإنشاد والرقص في ألبستهم البرتقالية التي تشبه أرض السند كما يقولون فهم ملتصقون بالتراب الذي إليه يعودون وعليه يسجدون. العرض كان حرفيا من خلال ما لاحظناه من تمكّن العازفين والانسجام بين المجموعة الصوتيّة، موسيقى «الراقا» التي تذكرنا بالشهير خان والتي حلّقت بنا في سماء الشرق الساحر.