عند أسفل حنفية عمومية شحيحة، كتبت عبارة «قطرة ماء خير من كنز» وتمايل ظهر امرأة لترفع حاوية الماء، ودون ان تهتم بما كتب ترفع راسها تستطلع المسافة الطويلة التي تفصلها عن أولادها وتسرع الخطى قبل ان يداهمها عيدها الوطني وهي عطشى. هذا المشهد يرتسم في احدى الحنفيات العمومية بقرية الدعاثية من معتمدية نصر الله بولاية القيروان. وهو عينة من حالات كثيرة من العطش المتفشي في القيروان. نعم قطرات الماء خير من كنز، لان الماء ثروة مطلوبة عملتها مفقودة في عديد المناطق الريفية في القيروان التي لا تصل فيها التغطية بمياه الشرب الى 90 بالمائة عن طريق الهندسة الريفية. اي ان نحو 10 بالمائة من المواطنين التونسيين في القيروان لا يجدون ذلك الكنز المائي ويقارب عددهم بالأرقام 60 الف مواطن. وهؤلاء تحت خط العطش. في ولاية القيروان شهدت المناطق المعطشة أولى احتجاجات العطش. تحركات في جميع المعتمديات تتواصل الى اليوم في صمت بعيدا عن التسييس الإعلامي الذي يبحث عن مناطق اكثر دسامة. وقد شهدت بوحجلة احتجاجات شعبية مثل التي حصلت في سيدي بوزيد وتحرك الأمن كما تحرك هناك وتم ايقاف 6 شبان كما حصل هناك، ولكن الإعلام ورجال السياسة لم يذهبوا الى هناك بثقلهم واكتفوا بالفرجة من بعيد، لأنه في بوحجلة لا توجد ثورية مفقودة يسعى البعض الى تقمصها. وبقي المتعطشون في بوحجلة وواصل الموقوفون طلبهم الأول الذي خرجوا من أجله وبسببه تم إيقافهم.
في القيروان ثروات مائية تحت الأرض وفوق الأرض تمر عبر قنوات الضخ خارج حلوق العطشى المصطفين خلف حنفية تهب قطراتها لمئات العائلات، هناك في العلا وحفوز والخزازية والمخصومة والطويلة وسيسب وأولاد فرج الله وأولاد نصير. تنطلق حلوقهم الجافة بالاحتجاج والنداء ولكن لا حياة لمن تنادي ولا تصل أصواتهم الضعيفة. فيصبرون على ما هم فيه ولا يجدون من يصبر معه بعد ان ينفض كل فريق الى حزبه.
في القيروان ثروات مائية سدود وبحيرات وآبار وقنوات تعبر أراضي المعطشين نحو البحر. وثورات صاخبة لم تجد من الحلول سوى الوعود من الوالي ومن الصوناد التي تقول انه يتم تعطيلها، ومن مندوبية الفلاحة التي تلقي بالمسؤولية على الجمعيات المائية، كانت الجمعية هي مؤسسة ذات سلطة.
يصبر الكبار والصغار في القيروان على العطش ويطؤون بأقدامهم ثروات المياه، ويقرؤون على جدار الحنفية الشحيحة عبارة «قطرة ماء خير من كنز» كما تروي الأساطير وقصص الأطفال، والحال ان أطفالهم يشقون من العطش كانهم أبطال أساطير، علما وان هناك من يتحمل مسؤولية ذلك بالتخريب والتقصير والتجاهل. فمتى تطفئ ثروات الماء ثورات العطش في القيروان من اجل حقن الغضب وشر الغضب المحتقن؟