كانت مدينة بنزرت في قلب انشغال الصفحات التونسية وانتشرت المعلومات المتضاربة حول حقيقة ما حدث يوم العيد من توتر وعنف إثر صلاة العيد في الساحة الكبرى على الشاطئ . وتحدثت العديد من صفحات المعارضة عن ظهور فرق من السلفيين المسلحين بالسيوف اقتحموا البيوت في البداية، كتب ناشط شاب معروف بالسخرية في صفحته يوم العيد: «جماعة المعارضة استغلوا غياب جماعة النهضة في صلاة العيد، ونشروا في الفايس بوك ما شاءوا من إشاعات»، والحقيقة أن نشطاء النهضة في الموقع الاجتماعي لم يغيبوا وكثيرون منهم استعدوا ليوم العيد وأغرقوا صفحاتهم بصور إقامة صلاة العيد في المدن التونسية وعلى شواطئ البحر والساحات العامة، ويبدو أنهم استغلوا أحدث الهواتف النقالة الذكية لتوفير نقل مباشر وصور فائقة الدقة للمجموعات البشرية الكثيفة التي شاركت في أداء صلاة العيد، وجاءت التعاليق متطابقة تتحدث عن إسلام الشعب التونسي وعودة التدين إليه وإقبال التونسيين بكثافة على الصلاة.
غير أن صورة تونس يوم العيد لم تكن بذلك الهدوء والسلام الذي تفترضه صلاة العيد، فقد تم تداول أخبار مخيفة من مدينة بنزرت، مع صور ومقاطع فيديو تدعو إلى الفزع فعلا، وقال ناشطون كثيرون إن مجموعات محسوبة على السلفيين مسلحين بالسيوف والعصي تجوب المدينة وخصوصا جهة وادي العسل على متن شاحنات قوية وتداهم المنازل وتبث الرعب حيثما حلت، ونشر ناشطون من المعارضة مقالات تتهم جهاز الأمن بالسماح لهذه المجموعات بملاحقة المواطنين وإقامة قوانينها الخاصة. قرأنا في صفحة ناشط حقوقي معروف تعليقا استنكر فيه ظهور مجموعات من السلفيين في المدينة للانتقام من شخص سب الجلالة أمام المصلين، معتبرا أن مجموعات السلفيين تتناسى أن الأمن هو المسؤول عن إيقاف المجرمين وليس المجموعات المسلحة. كما استغرب ما تم بثه في القناة الوطنية حول ما حدث واعتبار ما فعله هؤلاء المصلون كأنه «عملية بطولية مكملة لعمل الأمن»، في حين أن اقتحام منزل مسكون هو عمل إجرامي من الدرجة الخطيرة جدا وتصل عقوبته إلى مدى الحياة. كتب هذا الحقوقي أيضا: «حتى جهاز أمن لا يجوز له اقتحام منزل إلا بإذن من وكيل الجمهورية. يبدو أن عصر «إيمان» بحرون قد بدأ في الإعلام العمومي».
لقد بدت مدينة بنزرت أول أمس ومن خلال بعض هذه التعاليق، مثل مدينة صومالية، تحكمها المليشيات المسلحة وتعجز الدولة عن إقامة القانون فيها. ومرة أخرى، يكشف الكثير من التونسيين عن نيتهم في تحويل الموقع الاجتماعي من وسيلة تواصل وممارسة صحافة المواطنة إلى أداة خطيرة لبث الفوضى والأخبار الزائفة والمركبة، حيث لم يتورع الكثير من الناشطين المعروفين عن نشر أخبار لا يتطرق الشك إلى فسادها وزيفها، مما جعل بعض ناشطي مدينة بنزرت يتدخلون لتفنيد ما ينشر من معلومات خاطئة.
وفي ظل هذه الصورة، يصعب العثور على معلومات دقيقة واضحة حول ما حدث، قرأنا في عدة صفحات جادة معلومات تفيد أن شخصا تبدو عليه علامات السكر قد استفز الناس في صلاة العيد وأطلق مكبرات الصوت بالموسيقى، وأن الناس حاولوا منعه فسب الجلالة وتلفظ بعبارات وقحة مما جعلهم «يؤدبونه»، فجمع أبناء حيه وعاد إليهم، فجمع السلفيون أنفسهم وتسلحوا لمطاردة خصومهم. ثمة خبر آخر يتحدث عن مجموعة من اللصوص حاولوا استغلال صلاة العيد لممارسة السرقة والنشل بين المصلين، فتم التفطن إلى أحدهم وتأديبه، فجمع أبناء حيه وعاد للانتقام لنفسه وحدثت مواجهات بين عناصر تحسب على السلفية وسكان بعض أحياء المدينة.
وقرأنا في صفحة نقابة قوات الأمن الداخلي بلاغا خطيرا بعنوان: «اعتداءات على المقرات الأمنية ببنزرت لإحداث فراغ أمني بالجهة وقيام مجموعة إجرامية بعمليات تخريب وترهيب للمواطنين»، وهو ما زاد في حدة الخوف لدى الكثير من الناشطين، حتى أن بعضهم استغل هذه الفرصة للدعوة إلى تكوين لجان شعبية للدفاع عن المدينة في مواجهة السلفيين.
ومن خلال كل ما نشر، نكتشف الغياب الكبير للمصادر الرسمية مثل وزارة الداخلية حول ما حدث في بنزرت وغيرها، وسطحية التناول الإعلامي في وسائل الإعلام التقليدية وخصوصا العمومية، بما يترك الساحة فارغة تماما لكل أشكال التوظيف والدس السياسي. كما كتب أحد زملائنا متأسفا على ما يحدث في الموقع الاجتماعي «الحكومة تخسر معركة الإعلام»،.