بضعة كيلومترات تفصل بينهم وبين العاصمة ..ولاشيء في حياتهم يضاهي حياة ابناء العاصمة فقد تجاهلهم ركب الحضارة ليظلوا يكابدون حياة بدائية باتم معنى الكلمة سقفهم لوح وقش وطين وأرضيتهم معفرة بالتراب.. هذا هو حالهم فهل يشملهم برنامج تحسين المساكن؟ هم أباء انحنت ظهورهم وتشققت أيديهم ونساء بعضهن حفاة يرتدين ملابس رثة بالكاد تتوفر لهن دلاء ماء لغسل أوانيهن وأطفال حرموا من الدراسة واغتالت الظروف الحياتية طفولتهم وفتيات يائسات في عمر الزهور لا امل لهن سوى في ابن الحلال.
هذه الصورة كانت المفاجأة التي اكتشفتها السيدة شهيدة بوراوي كاتبة الدولة للإسكان في عدد من المناطق الريفية بولاية منوبة مرفوقة بوالي الجهة السيد منصف العمراني والسيد علي الحويجي عضو المجلس التأسيسي وعدد من ممثلي الاحزاب بالجهة ,وذلك خلال اطلاعها على وضعية عدد من العائلات المعوزة القاطنة بمساكن بدائية.. «الشروق» واكبت الزيارة لتتحدث الى عدد من هؤلاء ممن كتب عليهم الشقاء المؤبد وسط ظروف تجاهلتها السياسة وركب التنمية فلم ينظر لهم بعين الرحمة ولا الشفقة وكانوا مواطنين درجة ثالثة او اقل الى درجة حرمان بعضهم من شبكتي الماء والكهرباء.. في وادي السقان بطبربة والذي استوجب الوصول اليه سيارات رباعية الدفع تواجدت بعض العائلات في حالة اجتماعية مزرية ومنهم عائلة السيد صادق دعجي (70 سنة) الذي حدثنا قائلا :اعيش في هذا الكوخ الطيني منذ سنوات فقد ولدت هنا وولد ابنائي وتزوجوا وظل الحال كما هو عليه , بلا ماء ولا كهرباء وطريق وعرة زادت من معاناتنا خاصة المرضى والحوامل ...سنوات عانينا الامرين لاسند لنا سوى العمل في الحضائر الغابية وهي بالكاد تساعدنا على تدبير القوت لاغير.»
وتشاطره الراي السيدة سلاف خزامي القاطنة فى غرفة من «الطوب» لها باب من بقايا أخشاب متهالكة، أما سقفها فهو من قش واخشاب و»مشمع «من البلاستيك يقيها برد الشتاء وغبار السقف :«هذه حياتنا نشرب مما تجلبه لنا حميرنا من ماء من منطقة الانصارين ونأكل مما تجود به سواعد ازواجنا فالمنطقة وعرة والظروف الاجتماعية صعبة جدا .. لقد سررنا ببرمجتنا في المنتفعين ببرنامج توفير المساكن الاجتماعية لذوي الدخل المحدود وأملنا الاسراع بتنفيذه قبل ان يداهمنا الشتاء».
السيدة سعيدة الجويني القاطنة في مسكن بدائي بدورها مع اربع بنات وولد في تلك المنطقة تذمرت من وضعها المزري الذي ظلت تعيشه اكثر من ثلاثين سنة :«بقدوم الشتاء اظل احرس ابنائي خوفا من ان يسقط السقف على رؤوسهم ويصيبهم سوء مع اني افكر احيانا في ان الموت افضل من حياة بهذه الصورة...وهنا تتدخل ابنتها وهي شابة في مقتبل العمر بدموع وحرقة ..رصاصة في القلب افضل من غصّة مدى الحياة بسبب وضعنا الاجتماعي المزري جدا ..فانا كغيري من فتيات المنطقة لم ندرس خوفا من الخنزير ومن مخاطر الطريق الى المدرسة التي تبعد عنا اكثر من ست كيلومترات ..ولم نستطع العمل بسبب غياب وسائل نقل..»
يأس من المستقبل
في وسط مدينة طبربة وتحديدا بحي الرمال صادفنا عائلة فاطمة الفطناسي والتي ادرج اسمها ضمن العائلات التي ستحصل على فرصة بناء مسكن حيث اكدت انها بعد طلاقها من زوجها ظلت تعيش بكوخ من الاخشاب والقصدير فلا حول لها ولا قوة ولا مال يساعدها على تشييد غرفة واحدة تاويها ..ذرفت دموعها مطلعة السيدة كاتبة الدولة على عشها الخالي من ادنى مرافق العيش وحتى من الماء والكهرباء حيث عجزت عن الانتفاع بخدمات الشبكتين ..والأغرب انها رغم ضعف حالتها المادية فإنها يئست على حد تعبيرها فلم تعد تقدم شكايات او تطرق باب المسؤولين..
على بعد خمسة امتار من مسكن فاطمة كان مسكن ابنها صابر السبيعي الذي حدثنا قائلا :» مازلنا ومع الاسف في هذا العصر نسكن بيتا من القش والخشب نتلحف البرد ونتضور جوعا لقد انتظرنا سنوات وعشنا حياتنا نتمنى الافضل ونحصي ما فقدنا في مراحل فارطة من سنوات غرقت في الذل والحرمان..والحمد لله ان وقع طمأنتنا بالحصول على مسكن .»
في منطقة برج العامري قبع الشيخ العروسي العويني يحمل في تجاعيده ماسي و أحزان كثيرة تطفئها ابتسامة متحدية قال: «منذ ولدت وعلى مدى سبعين عاما وأنا أعيش في هذا الكوخ من الطين وهو اشبه بقبر معزول لم أستفد من أي سكن او اجراء اجتماعي وأملي الاسراع ببناء مساكن لنا تضمن لأبنائي عيشا كريما لا يحرجهم وظروف أحسن لتعميق رغبتهم بالحياة .
كمال العويني يعيش بدوره في كوخ اقرب الى كدس نفايات سقفه من الاخشاب والقصدير يقول : اعاني اقسى الظروف الاجتماعية في مسكن بدائي لا تتوفر فيه ادنى مرافق العيش الكريم اذ اعيش مما تجود به المزابل وأكداس النفايات فلا عمل ولا دخل قار لذلك عشت طوال سنوت في هذا المسكن البدائي اقاسي الغبار والقذارة وبرد الشتاء والحمد لله اني سأنتفع بفرصة بناء مسكن تكتب لي حياة جديدة اتخلص فيها من معاناتي »
والي الجهة تذليل الصعوبات التي تواجه البرنامج
السيد منصف العمراني والي منوبة تحدث للشروق عن هذه الفئة قائلا: «ضمن البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي الذي اقرته الحكومة أثناء تقديمها لقانون المالية التكميلي لسنة 2012 نهاية افريل الماضي تم تخصيص اعتمادات بقيمة مليار و335 الف دينار لولاية منوبة سيشمل القسط الاول منها 71 حالة مبرمجة وهي موزعة على كافة معتمديات الولاية وذلك بهدم وبناء مساكنهم على عين المكان ,مع توفير جملة من اللوازم والضروريات ل 98 عائلة من ذوات الدخل المحدود على ان يشمل البرنامج بأكمله 280 عائلة معوزة .
وقد حرصنا بعد زيارات ميدانية لصيقة على استكمال عملية إحصاء هذه المساكن كما باشرنا القيام بالدراسات الفنية الخاصة بالمساكنالجديدة في انتظار حل الاشكاليات العقارية العالقة والتي تظل من اهم الصعوبات التي تواجه البرنامج والذي سينقذ عديد الأسر التي تعيش وضعا سكنيا ومعيشيا مزريا وتحتاج الى تدخل عاجل»