للمرة الثانية على التوالي وخلال مدة لا تتجاوز الشهرين، يقفز سعر العلف الموجه للأبقار الحلوب من سعر إلى سعر تاركا خلفه موجة غضب بين الفلاحين، وطارحا سؤالا كبيرا ألا وهو «إنتاج الحليب... إلى أين؟» ويعيش فلاحو عمدون هذه الأيام كغيرهم على وقع التهاب أسعار الأعلاف، الذي انتقل في الشهر الماضي من 60 دينارا إلى 66 د ينارا للقنطار الواحد، ثم عاد ليرتفع خلال هذا الشهر من 66 دينارا إلى 70 دينارا للقنطار الواحد، وبات هؤلاء المنتجين بين مطرقة التهاب الأسعار المتواصل وسندان جماد سعر الحليب الذي لم يرتفع مليما واحدا، ويعتقد معظمهم أن هذا الوضع يلوح بأزمة حقيقية في هذا القطاع، فإذا كانوا هم في الأصل يعانون صعوبة في العيش بسبب قلة العائد، وبهامش ربح يكاد ينعدم خاصة الصغار منهم فما بالك إذا انضافت مبالغ أخرى لتثقل كاهلهم، ولقد أفرزت الحالة عدة مواقف وأكثر من رأي لأكثر من طرف، على رأسهم مربي الأبقار نفسهم. فمعظمهم يجمع أمام استسلامهم لهذه الأسعار وعجزهم عن مقاومتها، على اللجوء إلى تقليص كمية العلف المقدمة إلى مواشيهم، وإن كانوا يدركون أن ذلك سيقلص مباشرة من كمية الحليب التي تعطيها البقرة، خصوصا بعد تعودها على نظام غذائي محدد وبكم معين وقد دخل هذا الخيار حيز التنفيذ بعد الزيادة الأخيرة مباشرة، وانطلاقا من بعض الفلاحين الذين التقيناهم اكتفى علي بن محمد صالح مثلا ب 200 كغ بدل من 500 كغ من العلف كان يقدمها لأبقاره شهريا، واكتفى صالح بن عبد المجيد الجبري ب 400 كلغ بدل من 700 كلغ، كما اكتفى توفيق ابن عبد العزيز ب700 كغ بدل 1200 كلغ، وهم مجبرون على ذلك حسب قولهم أمام هذه الأسعار الملتهبة، التي جعلت وسطاء الحليب ومزوديهم بالأعلاف يلوحون بأن لا تتجاوز كمية العلف التي يقدمونها لهم كمية الحليب التي يشترونها منهم، ويبرر هؤلاء موقفهم هذا بخوفهم من تراكم الديون على الفلاح لديهم بسبب تفوق ثمن العلف على ثمن الحليب ويعجز الفلاح عن تسديد الدين فيتكبدون هم الخسارة عوضا عنه، وخلق هذا الوضع آثارا سريعة ومباشرة على تجارتهم، حيث سجل أغلبهم هبوطا ملحوظا في كمية الأعلاف التي كانوا يُخرجونها إلى الفلاحين إلى حدود النصف، وقال أحدهم أنه كان يوزع 40 طنا شهريا على حرفائه ، نزلت هذا الشهر إلى حدود 20 طنا فقط.
ولا شك أن تأزم الوضع بهذا الشكل، وتوقع مزيدا من الغلاء في أسعار هذه البضاعة الهامة سيكون له انعكاسات سلبية على المدى القريب والبعيد، وقد بدأ أولها بالظهور تمثل في انخفاض كمية الأعلاف المقدمة للمواشي، وهذا بدوره سيخفض من كمية الحليب المنتجة كإنتاج وطني حيوي كما سيحجم هامش الربح الذي كان يجنيه الوسطاء المرتبط بكم العلف المقدم، وسيضطر عدد من مربي المواشي في المستقبل إلى التقليل من عدد مواشيهم بل سيتخلى عدد منهم عن قطيعه نهائيا كما حدث في العهد البائد حيث أفرغ العديد من الفلاحين اسطبلاتهم خاصة الذين يستأجرون اليد العاملة، كما سيتخلى عدد من الوسطاء عن هذه المهنة بعد أن ازداد عددهم في السنوات الأخيرة، وسينظم عدد من الأفراد الذين ارتبط رزقهم بدورة الحليب إلى قائمة العاطلين عن العمل، وعمدون التي تصدرت مؤخرا المرتبة الأولى في إنتاج الحليب على مستوى الولاية ستنتكس وينتكس أهلها، وهم يعيشون فاجعة حقيقية هذه الأيام ويتساءلون هل من مخرج لهذه الوضعية؟أمام تبرير أصحاب معامل إنتاج العلف ، هذه الأسعار المتصاعدة بغلاء الذرة والسوجا المستوردة.