تعرف الساحة السياسية في تونس تجاذبات كثيرة وتحوّلات قد تساهم في إعادة تشكيل المشهد بعد الانتخابات القادمة المنتظرة والتي لا يعرف بدقة موعدها.. لكن الأكيد ان لا أحد الآن من المراقبين والمحللين والمتابعين للشأن الوطني وكذا السياسي بإمكانه تحديد ذلك المشهد بدقة مستقبلا فالتصريحات والتحاليل التي تصدر من هنا وهناك لا تخرج عن دائرة الدعاية السياسية و«البروباغاندا» فالمشهد السياسي ميدانيا مشهد معقد ومتداخل وسط تجاذبات كثيرة وفي ظل حالة احتقان تزداد يوما بعد يوم. في ظل هذا المشهد المعقد والمتداخل هناك سؤال يطرح اليوم: أي موقع للاتحاد العام التونسي للشغل الطرف الاجتماعي القوي على الساحة؟ من الغباء ان يكون الاتحاد العام التونسي بعيدا عن المعادلة السياسية رغم انه ليس حزبا سياسيا وقيادته صرحت في مناسبات عديدة ان الاتحاد لن يشارك في الانتخابات القادمة ولا تهمة لعبة السلطة لكنه معني بها بدرجة كبيرة.
فالتونسيون يدركون اليوم أن الاتحاد العام التونسي للشغل وحده القادر على تجميع مختلف الفئات والشرائح الشعبية والدفاع عن طموحاتها وعن واقعها ويدركون ان الاتحاد متمسك بالدفاع عن المبادئ والقيم والمطالب التي رفعت منذ انتفاضة 17 ديسمبر وخلال التحركات الشعبية الأخيرة التي عرفتها جهات سيدي بوزيد وصفاقس وسليانة وغيرها حيث غابت الأحزاب السياسية وحضر الاتحاد العام التونسي للشغل واحتضنت مقراته الاجتماعات وتفاعل مع المطالب ودعا الى الاضرابات للدفاع عن تلك المطالب والتضامن مع الموقوفين والمعتقلين.
أحزاب
في تلك التحركات الأحزاب كانت عاجزة عن التفاعل مع التحركات والاتحاد العام التونسي للشغل وحده الذي كان قادرا على أن يكون قريبا من الناس.. هذه المعادلة تجعل الاتحاد العام التونسي للشغل في قلب المعادلة السياسية وأحد أهم محاور المشهد السياسي القادم بفعل حضوره القوي في الساحة وبفعل تأثيره الشعبي.. فرغم التجاذبات الكثيرة ورغم كل الظروف لا يزال الاتحاد العام التونسي للشغل يملك تعاطفا شعبيا كبيرا تجاهه ويحظى بالمصداقية وهذا ما يجعله عنصر التوازن القوي في اي مشهد سياسي يتشكل في تونس.
فحركة النهضة الحاكمة منذ تسلمها الحكم بعد انتخابات 23 أكتوبر وجدت نفسها في مواجهة الاتحاد وليس في مواجهة الأحزاب السياسية المعارضة، كانت أول «مواجهة» بعد إضراب أعوان البلديات لتلتف كل القوى السياسية وكل قوى المجتمع المدني حينها مع الاتحاد العام التونسي للشغل. إن هذا يؤكد ان المشهد السياسي في تونس خاصة بعد الانتخابات القادمة لن يكون متوازنا دون دور حقيقي للاتحاد العام التونسي للشغل المعني بالمطالب الحقيقية لكل فئات الشعب.
مبادرة
الدور الحقيقي للاتحاد وللنقابيين يتأكد من خلال المبادرة التي تقدم بها وهي مبادرة شكلت محل تشاور بين كل الأطراف السياسية وقوى المجتمع المدني وهدفها خلق فضاء لحوار وطني شفاف لتفادي حالة الاحتقان التي يعيشها المشهد السياسي. الأحزاب السياسية خاصة في المعارضة تدرك الآن أنها غير قادرة على تحريك الشارع التونسي وغير قادرة بمفردها على مواجهة حركة النهضة التي تملك امتدادا شعبيا في الشارع ويبقى الاتحاد العام التونسي للشغل وحده القادر على خلق التوازن المطلوب في المشهد السياسي..