لم يثر الفيلم المسيء للرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) حمية وغيرة منظمة التعاون «الإسلامي» ولا جامعة الدول «العربية» فصمتتا على الإساءة البالغة التي هزت الضمير العربي والإسلامي في جميع أنحاء العالم لتثبتا مرة أخرى أنهما أداتان رخيصتان في خدمة الامبريالية والصهيونية. أما الدول «العربية» التي دأبت على ادعاء التعصب للإسلام ورعاية مقدساته وحمايتها وعلى رأسها السعودية، وكذلك الحكومات الاخوانية ولا سيما في مصر وتونس فلم تبتلع ألسنتها، ولكنها قالت كلاما أقل من خجول لتؤكد بدورها على تبعيتها للسيد الأمريكي.
الكل تبارى في إدانة قتل سفير الولاياتالمتحدة في ليبيا، وانهمك في محاولة تبرئة الدولة الأمريكية، واكتفى على هامش ذلك بإدانة الفيلم المسيء مجرد إدانة كلامية فارغة طبعا! ولم يغب شيخ الفتنة القرضاوي عن المشهد أيضا، فهب للدفاع عن ولية نعمته أمريكا لتكتمل جوقة.. «الإسلام» الأمريكي البائس لن نناقش هنا ما رددته الأسطوانة المشروخة حول حصانة السفراء وحرمة الاعتداء عليهم والوفاء بالعهود في تراثنا الاسلامي، فهذا أمر بديهي نعرفه جميعا، ولكنه ليس جوهر الموضوع.
الجوهر هو الفيلم المسيء الذي سمحت أمريكا بانتاجه وانتشاره. وكان حريا بالرئيس المصري محمد مرسي الذي قدم موعظة حول موقف الإسلام من السفراء وضرورة معاملتهم معاملة حسنة، وحرمة قتل النفس البشرية إلا بالحق أن يتحدث، قبل ذلك، عن مسؤولية أمريكا عن قتل ملايين العرب والمسلمين في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وسورية.. لكن صفقة جماعته مع أمريكا، والتي بموجبها وصل إلى سدّة الحكم في أرض الكنانة، تطلبت غضّ النظر عن كل تلك الجرائم الأمريكية البشعة بل والعمل على تبرئة الحليفة أمريكا وتجميل وجهها العدواني القبيح، ولم ينجح الرئيس المصري في مهمته القذرة هذه بل أثار غضب العرب والمسلمين عندما بدا كغيره من الحكام والمسؤولين الذين دافعوا عن أمريكا مجرد تابع يجتهد في خدمة سيده..
نعم سقط مرسي مثلما سقط حكام وشيوخ الفتنة لأنهم ببساطة حاولوا تبرئة المسؤول عن السماح بحدوث هذه الإساءة إذ ذهبا إلى أنه لم تكن للإدارة الأمريكية يد في صنع الفيلم، مع أنها ليست الإساءة الأولى ذلك أن مسلسل الاساءات الأمريكية للإسلام ومقدساته طويل وهو لا يتوقف عند الاساءة إلى الرسول الأعظم والقرآن الكريم بل يشمل أيضا ممارسات أمريكا العدوانية بحق العرب والمسلمين، وأي إساءة أكبر من غزوهم واحتلال وتدمير أوطانهم وقتلهم وتشريدهم ونهب ثرواتهم وخيراتهم..!
لم يعد هناك عربي أو مسلم واحد يمكن الضحك عليه وإقناعه بأن أمريكا بريئة ولا حتى بالقول كما فعلوا أن الادارة الأمريكية لا تستطيع الوقوف ضدّ حرية التعبير في بلادها، وهذه لعمري كذبة الأكاذيب التي كنا نصدقها فقط لو أن الادارة الأمريكية والغرب عموما لا يكيل بمكيالين. أما وأن حكومات الغرب تتشدّد في منع أي إساءة للدين اليهودي بل وتجرّم كل من يشكك في أسطورة الهولوكست بينما تدخل الإساءة إلى الدين الاسلامي في دائرة حرية التعبير. فهذا ضحك على الذقون لا يصدقه أحد حتى وإن اجتهد ملوك النفط وسياسيو الاخوان وشيوخهم في محاولة تسويقه..
إذا كان قتل سفراء العدو جريمة، وهو كذلك فعلا، فلماذا لم تطردوهم ولماذا لم تقطعوا العلاقات مع أمريكا أو تهدّدوا بقطعها على الأقل ردّا على الإساءة لخير خلق الله. أم أن هذا أيضا حرام في الإسلام!!؟ الكاتب: د. محمد صالح الهرماسي