تعدّ بلدية المصدور التي تجمع معها أيضا منطقة منزل حرب قرابة 3876 ساكنا وتعتبر من المناطق الحيوية اقتصاديا لتمركز العديد من المؤسسات الصناعية بها و المقدرة ب 19 مؤسسة مصدّرة كليا و6 مؤسسات ذات إنتاج محلّي. كل هذه المميزات تجعل الموارد المالية لهذه البلدية مرتفعة إلا أن هذه المنطقة كانت ولازالت تعاني العديد من مظاهر التهميش على مختلف الأصعدة.
زارت «الشروق» مؤخرا مدينة المصدور فالتمسنا عن قرب مدى هشاشة البنية التحتية وتذمر المواطنين هناك والذين أجمعوا كلهم على أن رموز النظام البائد هم السبب في عرقلة مسار التنمية في هذه الجهة باستئثارهم بمختلف الامتيازات وتفعيلهم لعقلية المحسوبية والمصالح الضيقة .
ورغم تعيين أعضائها برئاسة السيد خالد الجريدي وصدور قائمتها في الرائد الرسمي عدد 778 لسنة 2011 في 25 جوان 2011 إلا أن النيابة الخصوصية بمنطقة مصدور ما زالت لم تتسلم مهامها بعد مما جعل البلدية في حالة فراغ فسرها نائب رئيس النيابة الخصوصية السيد التومي التنجال بالمماطلة حيث صرح ل «الشروق» قائلا «أعلمنا المعتمد بموعد التنصيب منذ الصائفة ولكن تفاجأنا بتأخير الموعد إلى أجل لا زلنا إلى تاريخ هذه اللحظة لا نعلمه فمنذ الثورة والبلدية في حالة فراغ مما تسبب في تعطيل العديد من المشاريع التنموية والخاصة إضافة إلى تعميق حالة التهميش التي كانت تعانيها منطقتنا و لازال أزلام الحزب البائد مسيطرين على البلاد حتى لا تفتح ملفاتهم و تنكشف تجاوزاتهم .
قمنا من خلال زيارتنا بمعاينة مختلف المشاريع الموثقة في ذلك الكتيب الذي أصدرته بلدية المصدور فكانت البداية ب«المسلك الصحي» والذي رُصِدَ له مبلغا قدر ب6 آلاف دينار وقد تواجد في قلب الغابة حيث تم تثبيت بعض الأعمدة الكهربائية الخشبية على الأرض من التي استغنت عنها الشركة التونسية للكهرباء والغاز في فترة ما وتمّ توظيفها كحواجز لممارسة بعض الحركات الرياضية فيما بقيت الأرضية كما هي كمسلك فلاحي طبيعي دون أي تهيئة ! شبكة كهربائية لشخص واحد !!!
رافقنا السيد التومي تنجال إلى مختلف «المشاريع المنجزة» ومنها الأكثر كلفة والتي قدرت ب 270 ألف دينار على حد تقديره والمتمثلة في شبكة تنوير تم إدراجها ضمن مشاريع التنمية الريفية حيث امتدت الأعمدة الكهربائية على كيلومترات في منطقة غابية خالية من السكان وفسر لنا السيد التومي قائلا:» عوض أن يقع جلب الكهرباء من مصدور ذاتها وقع الالتجاء إلى منطقة جمال من دائرة بئر الطيب مما جعل الكلفة ترتفع و سبب ذلك يرجع لتمكين أحد المالكين لأرض فلاحية هنا من الكهرباء دون غيره أي هذا المشروع وظف لشخص واحد فقط الذي استفاد من الكهرباء دون أي مواطن آخر بحكم ان هذه المنطقة خالية من السكان.
وقدّرت مصاريف التعبيد والترصيف ب150 ألف دينار ومن خلال جولتنا بمختلف الأماكن بمصدور وخاصة في مناطقها الحيوية لا حظنا أن جل الطرقات مخربة إن لم نقل كلها إضافة إلى مظاهر عديد من التلوث بمختلف مصادرها وأكدها لنا أيضا العديد من المواطنين الذين التقيناهم . «المشنقة» ب 35 ألف دينار !
من المشاريع المعتبرة خارج المخطّط الاستثماري البلدي ل2007/2011 والذي خصص له مبلغا قدّر ب35 ألف دينار إنجاز نصب تذكاري بمدخل مدينة مصدور المتمثل في قوس وبئر تدلى منه دلو ويعرف هذا النصب التذكاري لدى متساكني المنطقة ب«المشنقة» وأكد لنا السيد التومي أن كلفته المالية دون المبلغ المعلن عنه بكثير إضافة إلى مثال الكرة الأرضية الذي وقع تثبيته في المفترق الدائري بمدينة منزل حرب حيث أكد نائب رئيس النيابة الخصوصية لهذه البلدية أيضا أن هذا المثال قد صنعه مدير دار الشباب الأسبق بطريقة هاوية ثم تركه بهذه الدار إلى أن استغلته البلدية كمشروع لتجميل مدخل المدينة بكلفة قدرتها في الكتيب ب15 ألف دينار في وقت أنها كانت بصفة مجانية» ونفس الملاحظة اقرها السيد التنجال في خصوص مشروع تهيئة دار شباب المصدور التي زرناها والمتمثل في إضافة جدار قصير وركح صغير من الإسمنت بكلفة جملية قدرت ب50 ألف دينار علق عليها قائلا «هل من المنطقي جدار و ركح مثل هذا تبلغ قيمتهما هذا المبلغ؟» . الملعب الرياضي ونقطة الاستفهام الكبرى!
التقت «الشروق» برئيس جمعية المصدور الرياضية السيد خميس العجيمي الذي إلى جانب استيائه من الظروف العامة لمدينته والتهميش الذي تعانيه في ظل غياب البلدية حسب تأكيده فإنه تذمر أيضا من الوضعية المزرية التي يعانيها ملعب كرة القدم بمصدور والذي رغم تنصيص كتيب البلدية (مصدر كل الأرقام المذكورة) بأنه وقعت تهيئته بمبلغ يقدر ب70 ألف دينار بين 2007 و 2011 فإن رئيس الجمعية أكد لنا قائلا «لم يقع تهيئة الملعب منذ تأسيسه فهو في حالة خراب تام مما جعل لجنة المعاينة تصدر قرارا بمنع اللعب فيه نظرا لعدم صلوحيته»، قمنا بزيارة هذا الملعب ووقفنا على صدق تصريح السيد خميس والذي أكّده أيضا أحد اللاعبين القدامى لمصدور الرياضية السيد رضا الجريدي الذي اشتكى من الواقع المتدهور لمدينته التي أرجع تهميشها إلى «المحسوبية والمصالح الشخصية وسيطرة أشخاص من النظام البائد دون آخرين على الامتيازات الممنوحة خدمة لمصالحهم الشخصية والحزبية» على حد قوله مضيفا «الثورة لم تدخل مصدور في ظل بقاء أزلام النظام البائد الذين لا زالوا يصولون ويجولون وهم الذين منعوا تنصيب النيابة الخصوصية خوفا على مصالحهم و من أن تنكشف تجاوزاتهم فحتى الإعانات التي تصل مصدور يقع توجيهها وفق مصالح شخصية ولا يتمتع بها الفقير» وفي خصوص الملعب الرياضي أضاف محدثنا قائلا «لم تحدث أي تهيئة فإلى جانب الدخان المكثف الخانق للاعبين المتصاعد من مصنع الآجر الملاصق لهذا الملعب فإن أرضية اللعب سيئة للغاية كذلك حجرات الملابس فهم يحرصون على تخريبه حتى نتخلى عنه ويمكّنون أصحاب النفوذ في مصدور من بناء مصنع داخله في ظل حساباتهم الضيقة ومصالحهم الأنانية».
اما الجامع المقام على مساحة كبيرة كان من المفروض أن يكون جاهزا منذ مدة طويلة ولكن تم منع أحد رجال الأعمال بمصدور من إتمامه فبقي سورا و أسسا دون جدران هكذا أكّد لنا السيد التومي بعد أن مررنا بجانبه وتساءلنا إن كان مصنعا أم مؤسسة أخرى وحول أسباب ذلك أضاف محدثنا قائلا «في قاموس التجمعيين بناء الجامع من الممنوعات ويشكل خطرا على مصالحهم فتمت عرقلة هذه البناية فيما شيدت أخرى متى كانت الفائدة المادية لحسابهم الشخصي».
المواطن بين الشكوى والرهبة
من خلال توجهنا إلى الشارع بهذه المنطقة تفاجأنا من ردّة فعل العديد من المواطنين الذين طغى عليهم الخوف و التردد وتمكنا بصعوبة من رصد بعض الآراء حيث عبر الحبيب البوكادي قائلا «البلاد في فوضى تامة لا يوجد من يسيّرها لقد عمّت التجاوزات العديد من الأحياء بمختلف أنواعها فجاري مثلا استغل الطريق وبنى منزلا ،فلازلنا نمنّي أنفسنا بتنصيب النيابة الخصوصية و التجمعيون هم المتسببون في الفوضى الحاصلة فعمري خمس وخمسين سنة ولم أر إلا نفس الوجوه التي تمارس نفوذها في مصدور فلا يقع شيء إلا بأوامرهم ولا زالوا إلى اليوم على تلك الصفة»، فيما استاء السيد المولدي محفوظ (إطار متقاعد) من التجاوزات الحاصلة بالمنطقة مضيفا بالقول «إلى جانب العدد المرتفع للعاطلين عن العمل فإن هناك العديد من الأشياء التي لم تأخذ بعين الاعتبار مثل المضار البيئية التي تسبب فيها «واد المالح» حيث تكاثرت الوشواشة إضافة إلى المظاهر الأخرى من التلوث كالتي تسبب فيها مصنع الآجر فلا ندري كيف وقع الترخيص لتشييد مصنع بجانب ملعب رياضي؟ إلى جانب الفراغ الذي تشهده البلدية فقد كنت مستقرا في العاصمة ولكن بعد التقاعد خيرت الرجوع إلى مسقط رأسي لأرتاح ولكن للأسف وجدت العكس فظلام دامس يخيم على الأحياء مما سهل عمليات «البراكاج» إضافة إلى الطرقات المخرّبة و غيرها من المظاهر السيئة فلازلنا إلى اليوم ننتظر تعيين النيابة الخصوصية ولا أحد من المسؤولين شاعر بالوضعية الراهنة ففي كلمة الانفلات هو سيد الموقف»، وعلى عكس التصاريح السابقة فإن السيد خليفة الهلالي (عون بلدي متقاعد منذ 2009) اعتبر أن الظروف طيبة عموما خاصة قبل الثورة دعما بالقول «كل المرافق الحياتية متوفرة من كهرباء وقنوات وغيرها وفي خصوص المشاريع المنجزة لا علم لي بها بحكم محدودية مسؤوليتي في البلدية».