من هم الممنوعون من السفر في تونس؟ كم عددهم الحقيقي؟ لماذا صدرت ضدهم قرارات بتحجير السفر ومغادرة تراب البلاد؟ ما هي القوانين التي تنظم عملية التحجير؟ وهل أن المنع من السفر يتناقض مع القيم الكونية لحقوق الانسان؟ أسئلة نحاول الاجابة عنها. عندما نتحدث عن منع السفر عن مواطن فإن الأمر يعود لأمرين إما لقرار قضائي وفقا للقانون او لقرار سياسي، وهو ما كان سائدا في عهد نظام بن علي ولكن لم يتم منذ الرابع عشر من جانفي تسجيل حالة منع للسفر على أساس سياسي.
معطيات رسمية
وحسب مصدر مسؤول بوزارة العدل فإن عدد الممنوعين من السفر أو بأكثر دقة عدد الذين صدرت ضدهم قرارات قضائية بتحجير السفر هم أكثر من 500 شخص وقال إن آخر رقم قد يصل الى 510.
مصدرنا أرجع عدم وجود عدد دقيق الى إمكانية ارتفاعه او انخفاضه كل يوم باعتبار صدور قرارات بالتحجير او برفعه في كل حين. ولكن عموما فإن آخر عدد رسمي هو في حدود 510 أشخاص.
وقال مصدرنا بوزارة العدل إن عملية تحجير السفر هي تدبير تم اتخاذه ضد وزراء بن علي وضد أفراد عائلته وأصهاره وبعض المسؤولين سواء كانوا بمؤسسات الدولة أو بشركات خاصة إضافة الى رجال اعمال كما يوجد في القائمة اعلاميون وولاة وأمنيون.
وقال إن الأرقام التي تم تداولها سابقا حول رجال الأعمال الممنوعين من السفر لم تكن دقيقة، وأن العدد الحقيقي هو وجود ثمانين (80) رجل أعمال صدرت ضدهم قرارات تحجير للسفر.
وقال إن بعض الحالات من الذين منعوا قضائيا من السفر تم رفع التحجير عنهم. وقال إن القائمة تظل دائما قابلة للمراجعة لأن لكل متضرر من هذا التدبير الحق في الطعن فضلا عما يطرأ من جديد في وضعية الممنوع من السفر القانونية لكن ماهي الاطر القانونية لهذا التدبير؟
الإطار القانوني
كل قرارات تحجير السفر في تونس تستند الى إطارين قانونيين الاطار الأول هو مجلة الاجراءات الجزائية في الباب المتعلق بمهام قاضي التحقيق. والإطار الثاني هو القانون المتعلق بجوازات السفر، وهو القانون عدد 40 لسنة 1975 المؤرخ في 14 ماي 1975 والمنقح سنة 2004 و2008. بالنسبة الى مجلة الاجراءات الجزائية فإن الفصل 86 ينص في فقرته الثانية على أنه «لا يُفرج مؤقتا عن المظنون فيه إلا بعد أن يتعهد لقاضي التحقيق باحترام التدابير التي قد يفرضها عليه كليا أو جزئيا وهي التالية: اتخاذ مقر له بدائرة المحكمة وثانيا عدم مغادرة حدود ترابية يحددها القاضي الا بشروط معيّنة..». ويذكر المشرّع خمسة تدابير يهمنا منها التدبير الثاني.
قانون جوازات السفر
أما القانون المتعلق بجوازات السفر فإن الفصل 15 منه ينصّ على أنه يمكن سحب جواز السفر العادي أثناء مدة صلوحيته بطلب من النيابة العمومية إذا كان صاحب الجواز محل تتبعات جزائية او استهدف لحكم من أجل جناية او جنحة خطيرة سواء بالبلاد التونسية او بالخارج واستحال تسلمه او طلب تسليمه في الصورة الأخيرة أو لأسباب تتعلق بالنظام والأمن العامين.
وما يمكن ان نلاحظه ان المنظومة القانونية التونسية لا تتحدث عن تحجير للسفر ولكن نجد فصولا قانونية تتحدث عن تدبير «عدم مغادرة حدود ترابية» بمعنى عدم مغادرة حدود ولاية ما مثلا.
الميثاق العالمي
وفي القانون المتعلق بجوازات السفر فإن المشرّع تحدث عن سحب جواز السفر، ولكنه لا يتحدث عن تحجير السفر أو منه، لأن ذلك سوف يتعارض مع المادة 13 من الميثاق العالمي لحقوق الانسان الذي ينصّ على أنه «لكل فرد حرية التنقل واختيار محلّ إقامته داخل حدود كل دولة» و«يحقّ لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه».
لذلك فإن المشرّع التونسي تفادى منع التنقل أو السفر وتحدث عن «سحب جواز السفر» وعن «عدم مغادرة حدود ترابية»، فمثلا منع شخص من مغادرة الحدود الترابية لتونس العاصمة هو في نهاية المطاف منع له من مغادرة حدود الجمهورية.
عقوبة
الأستاذ فوزي بن مراد المحامي، قال إن تحجير السفر هو عقوبة تكميلية تأخذها المحكمة حينما تبت في القضية ضد المتهم، وقال إنه ليس إجراء احترازيا لأن الاجراءات الاحترازية لا يجب أن تمسّ من الحقوق الأساسية وأساسا الحق في التنقل وبالتالي السفر.
وقال إن المعمول به سابقا هو أن لا يتم الطعن في تلك الاجراءات الاحترازية باعتبارها غير قابلة للطعن، وكانت دائرة الاتهام ترفض مطالب الطعن شكلا باعتبار الاجراء الاحترازي غير قابل للطعن.
يُشار الى أن دائرة الاتهام هي هيئة استئنافية للطعن في قرارات قاضي التحقيق وهي تابعة لمحكمة الاستئناف. قرار جراد الشهير الأستاذ بن مراد المحامي قال أيضا إن عدم قابلية الاجراء الاحترازي للطعن لم يصمد أمام الطعن الذي تقدّم به محامو الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للشغل عبد السلام جراد، إذ قبلت دائرة الاتهام الطعن وقرّرت رفع تحجير السفر.
وقد رفعت دائرة الاتهام قرار التحجير يوم الأربعاء 16 نوفمبر 2011 بعد أن قرّره قاضي التحقيق بالمكتب التاسع بالمحكمة الابتدائية بتونس يوم الثلاثاء 15 نوفمبر 2011. وقد اعتمد بعض المحامين على ذلك القرار لتعليل قبول الطعن شكلا للنظر فيه من ناحية الأصل وبالتالي، فإنه حسب محدثنا، فإن تحجير السفر غير منصوص عليه في القانون فضلا عن أنه عقوبة. وتتضمن القوانين منع مغادرة حدود ترابية أو سحب جواز سفر. قضية «تحجير السفر» أو «منعه» تظل موضوع نقاش قانوني، حتى يتولى المشرّع التونسي التنصيص صراحة على ما يريد قوله دون اللجوء الى التلميح أو الى التعابير العامة وهو ما ميّز فترة نظام بن علي، الذي أوجد ترسانة من القوانين يصبّ مجملها في مسار قمع الحريات. منجي الخضراوي