لأنها حرب خيضت ببوصلة تاريخية واستراتيجية وسياسية صحيحة, لأنها حرب خيضت بسلاح مناهض للإمبريالية وبسواعد عربية وبعقول مصرية وسورية وطنية وبإرادة قومية عربية وبوازع ديني يمزج بين كافة الطوائف وبين جميع المذاهب والأديان.. كانت حرب تشرين حرب تحرير وكانت حرب تشرين حرب النصر لسوريا ومصر. ولأنها كذلك, فليس كل المحتفلين والمحتفئين اليوم بالنصر يحق لهم الانتشاء والانتماء لانتصار صنعه تحالف الإرادة الشعبية مع القيادة السياسية لكسر أجزاء من إمبراطورية جوهرها الثالوث المقيت «الإمبريالية والصهيونية والرجعية».
نعم, لا يحق للناقمين تاريخيا وسياسيا على جمال عبد الناصر وعلى الناصرية أن يحتفلوا بنصر صنعه تراث وإرادة ومقاربة وادبيات جيل من السياسيين المصريين والسوريين المتأثرين بناصر وبالناصرية.
لا يحق, لرافعي أعلام غير أعلام الوحدة السورية المصرية على ارض العرب وعلى ارض الشام أن يدعوا الانتماء السياسي والحضاري لانتصار شكلت باكورته الاستراتيجية الوحدة المصرية السورية المنبثقة أساسا على وحدة المصير.
لا يحق, لتلامذة برنار ليفي كما يسميهم الدكتور إبراهيم علوش من اللاعبين السياسيين, المستوطنين في الدوحة واسطنبول,العازفين على وتر هضبة الجولان المحتل قصد إحراج دمشق الشام والهمز بطرف خفي بأن سوريا لم تطلق رصاصة في الجولان منذ 1967 وما عرفوا أن سوريا خاضت حرب تشرين 1973 لتحرير الجولان ودخلت مع الكيان الصهيوني في حرب جوية عام 1982 وحرب برية في نفس السنة لدعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية, لا يحق لهؤلاء أن ينبسوا ولو ببنة شفة عن حرب التحرير ذلك أن تفكيرهم يحتاج إلى تحرير وإلى تنوير.
لا يحق, لرؤساء ما ينعت بالربيع العربي ولوزراء خارجيتهم من المتخرجين حديثا من مخابر الجزيرة ممن يرون في الجيش العربي السوري قوات احتلال داخلية وفي قادته العسكرية مجرمي حرب وفي فيالقه ووحداته العسكرية عصابات إجرامية وممن لا يقدرون على رفع العين في عين المسؤولين الأمريكيين وتصيب السنتهم عاهة التلعثم والتأتأة, أن يتطرقوا ولو بطريقة عرضية عن نصر صنعه حماة الديار .
ولا يحق ايضا, لمن ترتعش يده أمام استياء أمريكي فتجده يهدد بإعدام متسلقي سفارة أجنبية وسارقي محتوياتها فيما يغض النظر إن لم يكن من المحرضين على استباحة سوريا وتفجير مقراتها الأمنية والسياسية والثقافية واستهداف مباني السيادة من طرف رعايا تونسيين, لا يحق له ولأمثاله من المسؤولين أن يضعوا في قاموسهم السياسي عبارة انتصار القاهرة والشام.
ولا يحق كذلك, لمن يكبر ويهلل لسقوط صواريخ الطوماهوك المتقاطرة على طرابلس ولمن يكبر على عمليات ذبح أفراد الجيش السوري ولمن يهلل لأعمال طائفية مقيتة ولمن يبارك استهداف الكنائس ودور العبادة مجرد الاستحضار أن حرب أكتوبر سميت حرب رمضان وشعارها الممهور في وجدانها ووجدان ابنائها كان الله أكبر.
إيه... زمن جميل جدا كانت عبارة الله أكبر لا ترفع إلا في وجه الصهاينة والأمريكان.. كانت جملة الله أكبر لا تطلق إلا ضد أعداء الأمة والتاريخ والجغرافيا والحضارة.. كانت تكبيرة تردد على انغام خلي السلاح صاحي.. وعلى إيقاعات أغنية جيش الأعادي جاء يبغي مصرعي..
ولأنه زمن جميل بفنه وأدبه, بحربه وهدنته وحتى بمشائخه , فلايحق لكل من لم يعرف الفن والأدب, لكل من لم يعرف أن السلم يفرض بالاستعداد للحرب, وأن العلم بالتعلم, ولكل من يتصور أن الحرية تأتي من بنادق الناتو ومن قنوات البترودولار, أن يتذكر حرب تشرين, لأنها أكبر من ذكراه واوسع من ذكرياته.