نادلات يقدمن الخدمة في المقاهي الشعبية في مدن وقرى صغرى تعرف بغلبة الوجه المحافظ عليها... مشهد كان إلى حدود الأمس القريب أبعد ما يكون عن التحقق وها هو ذا اليوم ينتشر في أكثر من منطقة في ولاية المنستير. في مدينة صيادة وحدها توجد 8 مقاهي من جملة 14 مقهى «شعبي» يشغل نادلات والظاهرة لا تقل أهمية في قصيبة المديوني وبوحجر وبنبلة وإن كانت بنسبة أقل.يقول كل من جمال الدين الضيفاوي وحسين عبد العاطي والمنجي عمار وهم من أصحاب المقاهي في الجهة إنّ «ظاهرة تشغيل الفتيات نادلات في المقاهي الشعبية من الصنف 1 ابتدأت بالانتشار في مناطق ولاية المنستير منذ أقل من سنة وقد دفعنا إليها في البداية البحث عن تحسين المداخيل المالية في المقهى... وقد لاحظنا أن التجربة كانت إيجابية على جميع المستويات المالية والخدمية بل حتى على مستوى تحسن «المنسوب» الأخلاقي والعلائقي في المقهى».ويضيف حسين عبد العاطي ومنجي عمار وهما متصرفان في مقهى شعبي يقع وسط مدينة قصيبة المديوني : «في البداية أثارت المسألة استغراب الزبائن وعبر البعض منهم عن امتعاضه بل إن منهم من انتقل إلى مقهى آخر ... لكن تدريجيا وبمرور الزمن أصبح الأمر عاديا بل لقد زاد إقبال الحرفاء علينا من مختلف الشرائح الاجتماعية».ولدى استفسارنا عن سبب هذه الزيادة في عدد الزبائن أجابنا محدثونا بأن كثيرا من رواد المقاهي الشعبية يستلطفون أن تخدمهم نادلة.
وبسؤالنا عن التبعات الأخلاقية لحضور النادلات في المقاهي الشعبية كان الجواب بأن نتيجة التجربة إيجابية إلى درجة لم يتوقعها أحد فمستوى الأخلاق ارتفع وقل الكلام البذيء المسموع والتجاهر لفظا بما يخدش الحياء فضلا عن المردودية المالية.
وفي هذا السياق يقول عادل بطيخ وهو نادل في مقهى من الصنف 2 في مدينة قصر هلال: «لاحظنا أن زبائننا يحترمون النادلات بل لقد شجعهم حضورهن على اصطحاب عائلاتهم ومعارفهم من النساء».
أمّا النادلات اللاتي التقيناهن في المقاهي التي زرناها لم يخالفن المواقف والانطباعات السابقة إذ تقول فتحية بريك وهالة الدخلي ومروى «إن علاقة الاحترام والملاطفة تسود بينهن وبين حرفائهن وإن ما قد يحصل من خلاف ذلك لا يعدو أن يكون من قبيل النادر الذي لا يقاس عليه وفي كل الأحوال تبقى شخصية النادلة وحسن تصرفها محددة في المسألة».
النادلة مروى تستطرد في الكلام لتضيف: إن بعض حرفاء المقهى ممن يسمون ب «السلفيين» لا يبدون امتعاضا من وجودها بل على خلاف ذلك تماما تقول المتحدثة إنهم يعاملونها باحترام ولطف.
كلام مروى يؤكده مهدي مرزوق الذي يقدم نفسه باعتباره شابا متدينا وهو يرتاد مقهى شعبيا بمدينة صيادة تعمل به نادلات وهو لا يرى حرجا في المسألة ما دامت الأخلاق العامة في المكان محفوظة.
وعموما بدا لنا من خلال مواقف من حادثنا أن اشتغال النادلات في المقاهي الشعبية يقيَم إيجابيا وأن الأمر مرشح للانتشار أكثر في المدة القادمة في مدن وقرى ولاية المنستير وغيرها على نحو لا شك أنه يكشف عن عمق التحولات الديمغرافية التي تشهدها المنطقة والمجتمع التونسي عموما.