من المنتظر ان تتوقف بداية من الشهر القادم عمليات صرف أجور أعضاء المجلس التأسيسي التي حددتها 4 قرارات صادرة عن رئيس المجلس مصطفى بن جعفر وذلك بعد صدور قرار في الغرض عن المحكمة الادارية. أصدرت المحكمة الادارية منذ يومين قرارا بايقاف تنفيذ 4 قرارات أصدرها رئيس المجلس الوطني التأسيسي يوم 21 جويلية الماضي وصدرت بالرائد الرسمي يوم 3 أوت (انظر المؤطر). وجاء قرار المحكمة الادارية بناء على 4 دعاوى في تجاوز السلطة مرفوقة ب4 مطالب ايقاف تنفيذ رفعها رجل القانون المعروف الأستاذ ناجي البكوش نهاية شهر أوت الماضي ضد القرارات الأربعة لمصطفى بن جعفر.
4 قرارات
طالب الأستاذ ناجي البكوش بالغاء قرارات بن جعفر الأربعة استنادا الى القاعدة القانونية العامة المعمول بها في أغلب الدول الديمقراطية (أنقلترا أوروبا أمريكا) وفي بعض الدول النامية أيضا. وتقول هذه القاعدة أن اجراءات جمع المال العام واجراءات إنفاقه (مثلا صرف الأجور والمنح والامتيازات في القطاع العام) لا يمكن أن تتم الا بقانون يصادق عليه البرلمان وليس بمجرد قرارات فردية يتخذها مسؤولون مثلما ما حدث في قضية الحال التي تصرف فيها بن جعفر بطريقة مخالفة للأعراف القانونية الدولية وللقانون التونسي واتخذ بصفة فردية ومن تلقاء نفسه قرارات تهم انفاق المال العام.
بداية من نوفمبر
قال الأستاذ ناجي البكوش في تصريح ل «الشروق» إن المحكمة أصدرت الآن قرار توقيف التنفيذ في انتظار البت في الدعوى الأصلية التي ستقرر المحكمة على اثرها اما قبول الدعوى وابطال مفعول قرارات بن جعفر أورفض الدعوى والابقاء على تلك القرارات وبالتالي الابقاء على المنح والاجور والامتيازات التي يحصل عليها النواب . وأكد البكوش أن المحكمة الادارية تولت بنفسها مباشرة ابلاغ ادارة المجلس التأسيسي بقرار ايقاف التنفيذ، ومن المفروض أن يكون مفعوله فوريا وذلك بعدم صرف جرايات ومنح نواب المجلس التأسيسي لشهر اكتوبر الجاري وايقاف انتفاعهم بالامتيازات العينية التي يحصلون عليها (السيارات ووصولات البنزين ..) وذلك الى حين بت المحكمة في الدعوى الأصلية. لكن المتحدث اكد أن مفعول قرار الايقاف قد يبدأ من صرف الأجور وامتيازات ومنح شهر نوفمبر لأنه من الناحية التقنية وقع على ما يبدواعداد أجور أكتوبر وقد يكون وقع صرفها .
خرق قانون الصرف وقانون التقاعد
حول أسباب رفعه هذه الدعوى، قال ناجي البكوش إنه أقدم على ذلك بصفته مواطنا عاديا ( لكنه ظالع في القانون ) بعد أن اتضح له أن قرارات بن جعفر الأربعة فيها خرق واضح وصارخ لقانون الصرف ولقانون التقاعد.
فبالنسبة لقانون الصرف قال البكوش إنه يمنع أيّا كان من الحصول على حق تحويل كامل أجرته بالعملة الصعبة اذا كان يباشر عمله على التراب التونسي (وهذا ينطبق على نواب الدوائر الانتخابية بالخارج).
وبالتالي فانه لم يكن هناك أي موجب كي يُميز بن جعفر في القرارات التي اتخذها بين نواب الخارج ونواب الداخل وكان من المفروض ان يحصل جميع النواب على اجورهم بالدينار التونسي على قدم المساواة ثم يقوم كل نائب بالتصرف في ذلك الأجر حسب ما يختاره (اما تحويله بالعملة أوتركه بالدينار التونسي وانفاقه في تونس ..). وبالنسبة لخرق قانون التقاعد والقانون الجبائي، ارتكز ناجي البكوش في دعواه على ان القانون يفرض اخضاع كامل المبالغ والامتيازات العينية ( مثل السيارة والمسكن والوقود والهاتف ) التي يتقاضاها أي كان للضريبة على الدخل وللحجز بعنوان التقاعد، وهوما لم يحصل في قرارات بن جعفر والتي ميز فيها بين مبالغ خاضعة لهذا الحجز وأخرى غير خاضعة .
لا أخلاقية
علل ناجي البكوش دعواه أيضا على أسس موضوعية وأخلاقية. حيث اعتبر أن المبالغ التي يتقاضاها النواب حسب ما نصت عليه قرارات بن جعفر مبالغ مشطة ومرتفعة مقارنة بما كان يحصل عليه نواب البرلمان في العهد السابق والذي لم يكن يتجاوز 2200 د وبالنظر الى الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد والذي يتميز بظروف اقتصادية صعبة وبتراجع احتياطي العملة الصعبة. فمن غير المعقول ومن غير الاخلاقي في رأيه أن يرتفع اجر النائب بين عشية وضحاها الى حوالي 3500 د بالنسبة للنائب من داخل الجمهورية والى حوالي 7000 د بالنسبة للنائب من الخارج. ومن غير المعقول ومن غير الأخلاقي أيضا أن يتكلف أجر نائبة رئيس المجلس محرزية العبيدي حوالي 11 ألف دينار على ميزانية الدولة أي ما يعادل 38 مرة الأجر الأدنى واجر النائب الثاني حوالي 5 آلاف دينار دون اعتبار السيارة والوقود .. قدوة
أضاف المتحدث أنه كان على نواب التأسيسي وعلى رئيس المجلس ونائبيه أن يتحلوا بروح وطنية عالية وأن لا يستغلوا عملهم بالمجلس للحصول على أموال اضافية من المال العام بطريقة لا تستقيم لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الأخلاقية . وقال بالخصوص إنه كان عليهم ان يكونوا قدوة ومثالا لبقية الشعب في التنازل عن المطالب المالية المجحفة الى حين استعادة البلاد عافيتها وان يقبلوا بحد أدنى من الاجور (مثلا نفس قيمة الاجور التي كان يحصل عليها نواب مجلسي النواب والمستشارين قبل الثورة).
إلغاء
ختم ناجي البكوش حديثه بالقول إن قرار ايقاف صرف أجور نواب التأسيسي يُعد خطوة هامة في هذه القضية في انتظار بت المحكمة في اصل الدعوى وابطال القرارات نهائيا. وقال إنه يتوجه بشكر كبير للمحكمة الادارية التي اتخذت قرارها بكل جرأة واستقلالية وهو ما دأبت عليه طيلة السنوات الماضية. وأضاف انه لقي مساندة وتشجيعا كبيرين من حقوقيين ومن خبراء سياسيين تونسيين وأجانب بمناسبة رفع القضية، وان قرار المحكمة الادارية لقي صدى واسعا في تونس وفي الخارج مؤكدا أنه ليست له أية مشكلة مع أي نائب أو مع رئيس المجلس التأسيسي وكل ما في الامر هوغيرته على المصلحة الوطنية وعلى المال العام وتمنى ان يكون النواب ورئيس المجلس في مستوى الحدث وأن يتقبلوا قرار المحكمة بكل رحابة صدر وروح رياضية وان يعترفوا أنهم أخطأوا فعلا في حق الشعب والوطن ويصادقوا بأنفسهم في الفترة القادمة (عندما تلغي المحكمة الادارية قرارات بن جعفر) على قانون جديد ينظم أجورهم بطريقة معقولة ومنطقية .