يوم العيد تدخل الأضحية في طور اقتصادي آخر. جلود الأضاحي تحدث حركية اقتصاديّة من خلال سوق بيع الجلود وتجار يتجوّلون بين المنازل. لم تحافظ العائلات على عادات الاحتفاظ بالجلد ودباغته. فتحوّلت الجلود إلى المصانع. قبل سنوات كانت الأسر تحتفظ بجلد الأضاحي. فتتم دباغته ثم صباغته بالحناء ليستعمل ضمن المفروشات التقليدية أو للديكور. وتحتفظ الذاكرة الشعبية بتقنيات وعادات الدّباغة. قشور الرّمان والعرعار المجففة المهروسة مع الملح وماء الزهر، ولمسات حاذقة تحوّل الجلد الطريّ إلى قطعة أثاث تزين المنزل فتعبّر عن الدفء. ولم تكن الجلود الصوفيّة تغيب عن جهاز العروس.
وفتح تراجع استغلال جلود الأضاحي، أسواقا واسعة مترابطة المراحل وقيمة الرّبح بداية من جمع الجلود إلى تصنيعها. حيث يستغل التجار رغبة العائلات في التخلّص من جلود الأضاحي، فيتسابقون إلى الحصول عليها. فيتنقلون على متن شاحناتهم الخفيفة وعرباتهم اليدوية أو المجرورة بدابّة. أصواتهم تملأ الأنهج طالبة تسليم جلد الأضحية. معظمهم من الشبان والوسطاء الموسميين. كما يستغل الأطفال هذه الحركية فيسعون إلى جمع الجلود المجّانية من أجل بيعها. ورغم الفتوى فإنّ بعض العائلات تريد الحصول على المقابل رغم أن الثمن لا يتجاوز دينارين.
بدورهم، يستغل أعوان النظافة عملهم صبيحة العيد، وتضحيتهم لتحقيق أرباح طفيفة من خلال الحصول على جلود الأضاحي مجانا وبيعها. بعض الأسر تلقي بالجلود مع القمامة فيأخذونها ويبيعونها. وسيدخل ثمنها جزءا من الفرحة على أسر العمال وجلهم فقراء.
أمام مخزن كبير يعرف بتجارة الجلود بالقيروان قرب مقر «الكنام، تجمّعت عصر يوم الأضحى شاحنات وعربات مختلفة الأحجام. صخب أحدثته المناقشات و»الدلالة».
شاحنات تفرغ الجلود وأخرى تشحن. يقول السوّاق إنّهم متجهون نحو مصانع دباغة الجلود (خارج القيروان). وهناك ستتحوّل إلى مواد أولية تصلح لشتى أنواع المنتوجات.
أحد الأطفال وجدناه قرب المحلّ، قال انه تمكّن من ربح 10 دنانير. يحصل على الجلد مجانا ويبيعه ب1500 مليم أو دينارين وأحيانا يشتريه بدينار واحد. في هذه العمليّة، تختلف الأرباح حسب حجم التجار. الطريف ان بعض الأطفال «يسرقون» جلود أضحيتهم ويبيعونها، هكذا يتعلمون المتاجرة.
رقم المعاملات في نقطة البيع هذه ليس هيّنا فهو تقريبا بحسب عدد الأضاحي التي ذبحت في القيروان. ويمكن أن تتجاوز الأرقام مئات آلاف الدنانير ستتوزع بين مختلف الأطراف المتدخّلة.
أشياء طريفة تحصل هنا. الخرفان التي كانت تتبختر في الأسواق ويتباهى بها الفلاح ويفاخر بها أصحابها ويرابح فيها السمسار، تتساوى جلودها في هذا المكان. المقياس الوحيد الذي يحدّد قيمة الجلد هو سلامته من جراح جزار هاو. أما الجلود الممزقة فلا قيمة لها حتى وان تجاوز ثمن الأضحية 500 دينار.
مقابل ضياع بعض العادات الأصيلة التي تحتفي بجلود الأضاحي أصبحت هناك حركية اقتصادية أدخلت الجلود في طور التصنيع. وهذه الحركية التجارية وحركية التنقل في القيروان تفرض إحداث مدبغة او مصنع للجلود في القيروان. علما وان القيروان توجد بها عدة مسالخ بلدية. ويوجد بها اكثر من 100 جزّار. وتتوفر على ثروة حيوانية معتبرة. ويمكن ان تزوّد المصنع بالمواد الأولية. كما توجد في القيروان سوق البلاغجية التي تتم فيها صناعة الأثاث والأحذية الجلدية التقليدية واصبح هناك مصنع للأحذية موجه للتصدير.
وهذا من شأنه ان يوفر مواطن شغل في الجهة. علما أنه يوجد في مدينة حاجب العيون معمل لغزل الصوف يمكن أن يستفيد من صوف الجلود. ويمكن أن يحصل ترابط بين مختلف المؤسسات والحرف.
أمام حجم الجلود والأضاحي، بقيت نقطة أساسية تتعلق بإهدار الثروة الحيوانية. فهل تفكر الجهات المعنية في تخصيص راحة بيولوجية لقطاع الماشية ومراقبة عمليات الذبح العشوائي لتجنب انعكاسات حمى الاستهلاك. فربما تضطر الدولة إلى توريد 200 ألف رأس غنم السنة المقبلة بدل 100 الف لهذا العام. وهو أمر لا يستقيم.