موفى أفريل: تسجيل فائض بالميزان التجاري الغذائي بقيمة 1.350 مليار دينار    وزير الرياضة يعلن عن قرار هام..#خبر_عاجل    قفصة: تسجيل رجة أرضية بالسند    مجلس عمداء المحامين يدعو رئيس الجمهورية إلى اتخاذ اجراءات    الترجي والإفريقي في نهائي بطولة تونس لكرة اليد    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    عاجل : منحرف خطير يروع المارة في قبضة أمن الملاسين    في ذكرى النكبة: تونس تجدّد دعمها اللامشروط للشعب الفلسطيني    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    يشكّل تهديدا للنمّو.. الصين تسجّل فائضا قياسيّا بملايين المساكن    الكشف عن شبكات إتّجار بالمواد المخدّرة تنشط بولايات تونس الكبرى    قابس : عدد أضاحي العيد غير كاف والحل في التوريد    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    بسبب لقطة غير لائقة من الجمهور في مباراة الترجي والنجم: التلفزة التونسية تفتح تحقيق..    مكثر: وفاة شاب واصابة 5 أشخاص في حادث مرور    رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو يتعرّض لإطلاق نار بعد اجتماع الحكومة    نابل: الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلط وجبر الأضرار جراء تضرر الصابة    القصر: وقفة احتجاجية على خلفيّة حادث وفاة تلميذتين    وزير السياحة يؤكد لمستثمرين كويتيين الاستعداد لتقديم الإحاطة اللازمة لتطوير استثماراتهم في تونس    فاجعة: جريمة قتل شنيعة تهز هذه المنطقة..    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    عاجل/ متابعة: هذه التهم الموجهة لبرهان بسيس والزغيدي والعقوبة التي تنتظرهما..!!    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    القلعة الخصبة: انطلاق فعاليات الدورة 25 لشهر التراث    الدورة ال3 لمهرجان جربة تونس للسينما العربية من 20 إلى 25 جوان 2024    ينتحل صفة موظف للداخلية و يجمع التبرعات لفائدة شهداء المؤسسة الأمنية ...ما القصة ؟    في هذه المنطقة: كلغ لحم ''العلّوش'' ب30 دينار    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    الترجي الرياضي: تواصل التحضيرات .. وكاردوزو يفرض "الويكلو"    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة الخامسة إيابا من مرحلة تفادي النزول    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    أصحاب المخابز يُطالبون بصرف مستحقّاتهم لدى الدولة    في مسابقة طريفة بصفاقس.. صناع الخبز يتنافسون على نيل شرف أفضل صانع خبز !    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغنوشي ل«الشروق» : عنف السلفية سيستمر لسنوات... ولا مصلحة ل«النهضة» معهم
نشر في الشروق يوم 04 - 11 - 2012

رأيه في واقع المشهد السياسي اليوم، وكيف يستشرف ملامح المرحلة القادمة؟ وماذا أعدّت النهضة والترويكا للتفاعل مع مستجدّات الأوضاع السياسيّة والأمنيّة والاجتماعيّة؟ وكيف يردّ على بعض الاتهامات لحركته بازدواجية الخطاب والتساهل مع التيار السلفي؟...عن هذه الأسئلة وغيرها يتحدّث السيّد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة.

أجرى الحديث: خالد الحدّاد
تونس «الشروق»:
الانتظارات ما تزال كبيرة بخصوص سيناريوهات تطوّر الحياة السياسيّة في تونس بعد انتهاء الجدل حول الشرعيّة وتوجّه مختلف الفاعلين السياسيين إلى التباحث حول مضامين الدستور الجديد وخارطة الطريق لبلوغ الانتخابات ومرحلة الحكم الدائم والمستقر بما تقتضيه من ضبط للهيئات وتحديد للمواعيد والآجال.
ومن المؤكّد أنّ الاستماع إلى رئيس حركة النهضة أحد مكونات الترويكا الحاكمة والطرف السياسي الأبرز اليوم على الخارطة الحزبيّة والسياسيّة يقدّم بعض الملامح حول ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع والعلاقات بين مختلف الأطراف...في ما يلي نص الحديث مع الأستاذ راشد الغنوشي.
ماذا بعد معركة 23 أكتوبر ؟

الخير كل الخير، البلاد تتجه نحو الهدوء واستئناف السير بهمة اكبر نحو تحقيق أهداف الثورة سواء على الصعيد الدستوري أو بمباشرة العمل في مناقشة توطئة الدستور أو على الصعيد التنموي وكذلك على الصعيد الأمني بالتصدي لمظاهر الانفلات في بعض الأحياء من قبل باعة الخمور وبعض التيارات المتشددة التي لا تتردد في أخذ القانون بيدها باسم مقاومة المنكر تعديا على سلطات الدولة الشرعية.
مسار البلاد استعاد طبيعته والقاطرة تسير نحو محطة أساسية هي الانتخابات وذلك بعد إعلان الترويكا عن موعد إجرائها وبعد التوصل إلى وفاقات حول القضايا الكبرى المعلقة والتي كانت محل خلاف مثل النظام السياسي والهيئة العليا للانتخابات وهيئة الإعلام ، وهناك في نظري نوع من الارتياح وتنفيس لحالة الاحتقان خاصة بعد إعلان محافظ البنك المركزي عن خروج الوضع الاقتصادي من عنق الزجاجة وبحصول انتعاشا اقتصادية، ومن مظاهر ذلك أيضاً تحقيق الحكومة مائة ألف موطن شغل ووجود مائة ألف أخرى تنتظر من يشغلها، وذلك على الرغم من استمرار حالة البطالة بما لها من دلالة على وجود خلل بين نظام التعليم وحاجات سوق الشغل موروثة عن النظام البائد ورغم استمرار حالات من التذمر الاجتماعي بعضها طبيعي وبعضها مفتعل لتحقيق أغراض سياسية من قبل بعض التيارات التي لا تتردد من أجل إعاقة سير عمل الحكومة والتشويش عليها عبر تشجيع مظاهر الانفلات والتعدي على القانون والحث على الإضرابات العشوائية وحتى قطع الطرقات وحرق المؤسسات العمومية والخاصة .

ولكن الجميع ينتظر تجسيد الوفاق حول خارطة طريق للمرحلة المقبلة ؟
اتفاق الترويكا على مواعيد وتقديمها للأجوبة للمشكلات يفتحان الطريق أمام وفاقات وطنية نحن في حركة النهضة مستعدون لها، والمفارقة انه في الوقت الذي كانت عدة أطراف تنتقد الائتلاف الحاكم على عدم تحديده لموعد الانتخابات ومتهمة إياه بأنه يريد أطول مدة في الحكم وعلى الرغم من انه اقترح شهر جوان فان نفس الأطراف من المعارضين رفضوا ذلك واقترحوا شهر أكتوبر وكأنهم يطالبون التمديد بعد ان كانوا يطلبون التعجيل.

ونحن لا مانع عندنا من تقريب الموعد ليقترب من شهري مارس او افريل لكن بشرط إعطاء الوقت الكافي للمجلس الوطني التأسيسي حتى ينجز عمله على أفضل صورة وهو ما يعني تفرغه بالكامل لهذه المهمة بدل إشغاله وتلهيته بمسائل أخرى جانبية لا تتعلق بمهمته الأساسية التأسيسية.

الملاحظ لنقاشات المجلس التأسيسي لتوطئة الدستور وكأننا عدنا إلى المربع الأول حول الجدل بخصوص قضايا محسومة مثل الشريعة ومدنية الدولة ؟

هو نوع من افتعال الخلاف، نحن جميعا متفقين على هوية هذا البلد وهذه الدولة سواء من حيث العروبة والإسلام او من حيث مدنية الدولة والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة في المواطنة وما تبقى فهو مجرد تفاصيل فان يطالب نائب او نائبان بالشريعة وفي المقابل يطالب آخرون بحذف الإسلام فهذا أمر لا يضير المجرى العام او التيار الوسطي الواسع الذي لا يرى تناقضا بين الإسلام ومفاهيم الحداثة.
وعلى كل حال فهذا النقاش في التوطئة سيوفر الكثير من الوقت عند نقاش بنود الدستور التي ستكون كلها او غالبيتها محل اتفاق في موضوع الحريات وكذلك نوعية النظام السياسي بعد ان قدمت النهضة ما يكفي من التنازلات لصالح الوفاق إيمانا منها بمسؤوليتها الوطنية والإسلامية على تحقيق الأرضية الكافية لتجميع الصف الوطني.

على اي صيغة سيستقر النظام السياسي القادم؟

هو نظام برلماني معدل نموذجه هو النظام البرتغالي الذي يعرف بأنه نظام برلماني ولكنه نوع خاص من الأنظمة البرلمانية حيث سيتحقق قدر من التوازن بين الحكومة ورئاسة الجمهورية، وهذا محل توافق داخل الترويكا ، حيث سيكون للحكومة السلطة التنفيذية وتكون للرئاسة سلطة الرقابة بشكل عام ويكون لها إمكان حل البرلمان عند الأزمات ولمرة واحدة خلال الدورة البرلمانية وان يكون لها أيضاً مشاركة في السياسة الخارجية والدفاعية.

يعني نظاما شبيها بما هو معمول به اليوم في إطار التنظيم المؤقت للسلط العمومية؟

قريب من الشكل الذي نعيشه الآن ولكن بفارق ان رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من الشعب وله سلطة حل البرلمان.

ولكن الجميع وقف عند الصعوبات والصراع الموجود بين الرئاسات الذي أفرزه النظام المؤقت الحالي؟

ليس هناك نظام سياسي مثالي، ونحن نعتقد أن النظام البرلماني هو الأصلح لبلادنا ولكننا لم ننجح في نقل هذه القناعة لشركائنا فرجعنا إلى ما هو ثابت في إستراتيجيتنا اي سياسة الوفاق.

تتحدثون عن وفاق داخل الترويكا وكأنه لا وجود لنية لتوسيعه إلى خارجها؟

الترويكا كافية لكي توفر لكل خيار الأغلبية الكافية ، ولكننا حريصون على أن لا يبنى الدستور الجديد على مجرد أغلبية وإنما أن يبنى على أوسع وفاق يصل او يتجاوز الثلثين ولذلك فنحن منفتحون على الحوار مع شركائنا الوطنيين.

لكن هذا الحرص لم يمنع بعد من تواصل حالة من التوتر بين الترويكا المعارضة؟

جانب من التوتر من طبيعة الديمقراطية في العلاقة بين السلطة والمعارضة لا سيما عندما تتجه القافلة نحو الانتخابات ، وجوانب أخرى من هذا التوتر مفتعلة من قبل فئات لا تراهن على إنجاح الثورة إنما على إعاقتها بل على النكوص بها إلى الوراء في نوع من الردة مستغلة منابر إعلامية تصب الزيت على النار وأموال فاسدة وتستغل أوضاعا اجتماعية مرهقة في مواطن من البلاد كما تستغل حداثة ديمقراطيتنا بحكم أننا لم نكد نحتفل بالميلاد الثاني لها.

الشريط المسرب مؤخرا أثار الكثير من الجدل حول الحوار مع السلفيين ووضعتكم في خانة ازدواجية الخطاب لدى البعض وآخرون يرونكم الوحيد المؤهل للعب هذا الدور وان غيابكم أو انسحابكم سيؤدي إلى انفجار الخلافات وتعمّقها حتّى داخل حركتكم؟

من يعرف تراثي الفكري لا يجد في الشريط المتحدث عنه جديدا لا سيما إذا وضع الشريط في سياقه الزمني أي في فترة نقاش الفصل الأول من الدستور وما دار من جدل وحوار حول مسألة إدراج الشريعة في الدستور.

ليس في الشريط ولا مسالة واحدة ولا شبهة تراجع عن اي مبدإ من مبادئ النهضة التي عرفت بها منذ التأسيس في مجال الحريات والمساواة بين الجنسين والالتزام بمنهج التغيير السلمي.

الشريط نقل حوارا بيني وبين مجموعة من مشائخ السلفية وكنت مدافعا عن وجهة نظر الاعتدال الإسلامي في هذه المسائل داعيا الأخوة الى الاندراج في الشرعية لما توفره لهم من فرص ضخمة للعمل باعتبارهم
جزءا من المجتمع التونسي فلهم كل الحقوق لتشكيل الاحزاب والجمعيات باعتبار الإسلام مقصدا عظيما من مقاصد الإسلام ومكسبا من أعظم مكاسب الثورة جدير بالمحافظة عليه.

مع ملاحظة ان هذا الحوار كان واحدا من جملة حوارات مع الاخوة السلفيين ، وهي حوارات دار أمثالها في بلاد إسلامية وعربية مختلفة من موريطانيا الى مصر والسعودية واليمن مرورا بالمغرب والجزائر وليبيا بين مشائخ التيارين بينما لم يعرف مثلها في تونس من قبل إذ كان ملف الإسلاميين معتدلين ومتشددين على حد السواء هو مجرد ملف امني.

السجال الذي جرى مؤخراً أحدث خلطا وتداخلت في رؤيتكم للظاهرة السلفية إلى حد أنّ البعض اعتبر ان هناك تبادل أدوار بينكم وبينهم ؟

الظاهرة السلفية ظاهرة مركبة تحتاج الى علاج مركب ، ظاهرة مركبة تشترك فيها عوامل سياسية وفكرية واجتماعية وأمنية فينبغي ان تعالج على كل هذه الأصعدة فهي من ناحية مستمرة في تونس لغياب مرجعية إسلامية في البلاد بعد ان دمرت حداثة مغشوشة قادتها دولة الاستقلال ذهبت إلى تدمير جامع الزيتونة بما ترك فراغا دينيا هائلا جعل من تونس أرضا متصحرة تهب عليها رياح التشدد من كل مكان في غياب جهاز علماني قادر على انتاج ثقافة دينية تونسية او لمناقشة التيارات الوافدة بكفاءة ودليل.

هذه الظاهرة واضح أيضاً انها ثمرة تنمية مختلة وآية ذلك انها تنتشر في الأحياء والمناطق الأكثر فقرا بما له دلالة واضحة على ان جزءا من العلاج هو علاج تنموي يوفر الشعل وظروف العيش الكريم، كما ان هذه الظاهرة نشأت في أجواء القمع ومعنى ذلك ان هناك بعدا سياسيا للظاهرة إنّما يعالج بنقيض الاستبداد اي الحرية.
إذن هي ظاهرة مركبة تحتاج الى علاج مركب، ونحن في حركة النهضة حاولنا ان ننهض بما يمليه علينا واجب وعلى الجهات الأخرى الرسمية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدني ان تعمل معنا ومن ذلك تنمية هذه المناطق وإدارة الحوار الإعلامي والديني مع هؤلاء ويبقى للأمن دوره اذا فشلت الأدوار الأخرى في النهوض بالمهمة ، فالقانون يجب ان يطبق على الجميع اما تحميل الأمن وحده مسؤولية ذلك بل تحريضه على ذلك فهو ظلم للأمن وظلم للبلاد وإمعان في الطريق المسدود، فالمراهنة على ضرب الكل بالكل وهدم البيت على رؤوس أهله امر مرفوض.

لكن الأحداث أثبتت أنّ الخطر السلفي قائم من مثل الأحداث الأخيرة في دوار هيشر ؟

لا ينتظر ان تختفي هذه الظاهرة بين عشية وضحاها ، فالظواهر الاجتماعية لا تموت بسرعة ، ونحن في تونس إزاء ظاهرة نشأت منذ التسعينات أي تجاوز عمرها العشرين سنة وجزء من هؤلاء تعرض لضروب من القمع والتنكيل، نحن إزاء ظاهرة اجتماعية ولسنا إزاء مولود عابر او طارئ.
نحن نحتاج إلى أن نُوطّن أنفسنا على رحلة قد تستمر بضع سنوات مع التشدد، نحن نرى مثلا في مصر التي كان التشدد يهز كيانها لمدة أكثر من عشرين سنة تفجيرا للفنادق وقتل السياح واغتيال كبار السياسيين ، نرى كيف ان السلفية المصرية اليوم تتأطر في أحزاب وتدخل معترك الحياة السياسيّة الشرعيّة والقانونيّة ولم نعد نسمع بالتفجيرات وعن ما يسمى بأنصار الشريعة في مصر أي السلفية الجهادية.

لقد تمت عملية بطيئة ولكنها رصينة ومحكمة استعادت بها مصر شريحة واسعة من أبنائها الى مربع الديمقراطية والاستقرار والتنمية والوحدة الوطنية، وحصل مثل ذلك في البلدان الغربية نفسها إذ انتقلت حركات يسارية من العنف الثوري الى الديمقراطية تم ذلك في ألمانيا وإيطاليا وفرنسا، فلماذا لا نراهن على حصول مثل ذلك في بلادنا ؟

لماذا يظل التحريض باستمرار فقط على الاعتقال والقتل وشيطنة هذه الظاهرة مع انها ظاهرة مركبة التيار العنيف فيها اقلي؟، ولماذا يستمر هذا التحريض على الصدام الشامل مع هذه الظاهرة بدل إستراتيجية تطبيق القانون الذي يتعامل مع الناس أفرادا لا تيارات أو أحزاب؟
الشرطي يوقف السائق الذي لا يحترم إشارات المرور ولا يسأله عن عقيدته ولا عن انتمائه السياسي او الحزبي، هكذا تعامل الديمقراطيات الغربية مع الإرهاب طبقت القانون وعالجت المشكلات الاجتماعية وفتحت الحريات امام من يريد العمل السلمي.

هناك اتهامات لكم وللحكومة بالتساهل مع ظاهرة السلفيّة؟

النهضة تتهم باستمرار بالتساهل مع هذه الظاهرة في رغبة محمومة ودفع نحو الصدام الشامل مما يمثل تهديدا حقيقيا ويهدف الى الدفع ببلادنا إلى أوضاع صوملة او افغنة او إلى أوضاع مجاورة ، عندما يقود صدام في تطاوين مثلا هلاك شخص هو لطفي نقض رحمه الله مما يستحق الإدانة تعلوا أصوات الاحتجاج وهي محقة بينما عندما يقتل 4 او 5 شبان في حادثة السفارة الأمريكية ويقتل شابان في دوار هيشر وآخرين ببئر علي بن خليفة لا يتأسى لذلك كثيرون.
تونس هي التي خسرت في جميع الحالات عددا من أبنائها بوسائل مختلفة ولا ينبغي ان نفرح لها ويجب أن نتأسى عليها ونعمل على عدم تكرارها بل الواجب التوقي من الأسباب التي قادت إليها لان الجميع تونسيون.

فينبغي ان لا نحرض بعضنا بعضا على القتل تحت أي من المسميات، وأن لا نفرح لتونسي يقتل وأن لا نحرض على ذلك سواء أكان مواطنا او شرطيا او منتم لهذا التيار او غيره، يجب أن نترحم على الجميع ونعزي ذويهم ونعتبر أن هناك خسارة وطنية وان هناك أيتاما وأمهات ثكلى وآباء محزونين .

لم يكن هناك أي تهاون وحركة النهضة لم تستجب إلى الدعوة إلى الحرب الشاملة على هؤلاء، هؤلاء مواطنون ولهم كامل الحقوق مثل غيرهم ونكرر إنهم أبناء تونس مثل غيرهم لهم نفس الحقوق وتنطبق عليهم نفس القوانين.

والحكومة لم تتساهل إلا إذا كان المقصود أن تمارس مع هؤلاء ممارسة صيد الثعالب او اعتبارهم والتعامل معهم كما تعامل معهم بعض الجيران ككلاب ضالة .
من ذلك لما ضبط عدد من الشبان بصدد تهريب أسلحة واجهتهم الدولة في بئر علي بن خليفة وقتلت منهم اثنين واعتقلت آخرين، وأيضا في جهة سليانة قتلت عددا منهم ووقعت ضحايا وأيضا حينما تم الاعتداء على معرض العبدلية تم اعتقال البعض منهم والى الآن ما يزال البعض يحاكم وكذلك أثناء الاعتداء على البعثة الأمريكية مجموعة من الشباب قتلت وجرح ما يزيد عن السبعين وهناك 120 معتقلا وفي دوار هيشر مؤخراً قتل شابان واعتقل آخرون.

ماذا يريد الإعلام؟ يريدون مجازر... مع الأسف لم يستطيعوا التخلص من عداء بن علي للإسلاميين في المعتقلات والتعذيب والتشويه، وهؤلاء الذين يدفعون في هذا الاتجاه جاهزون بمخططاتهم الحقوقية والإعلامية وعندما تتحرك الدولة سيقولون انظروا إلى التعذيب والمحاكمات الصورية، هم في كل الحالات ميالون إلى الإثارة والتهويل وتوظيف الأحداث وصب الزيت على النار تشفيا ونقمة على الإسلاميين .

البعض يرى ان السلفيين هم الحديقة الخلفية لحركة النهضة وهم زادها الانتخابي وفي الضغط الشعبي؟

أبدا النهضة تقوم بواجبها تجاه التيار السلفي في الحوار ومحاولة إقناعهم بالشرعية وثنيهم عن العنف والتشدد.
وفي الحقيقة السلفيون نوعان، نوع مسالم وهذا له أحزابه ونوع محارب إن صح التعبير وعنيف وهؤلاء راضون للعملية الانتخابية نفسها، موقف النهضة بعيد عن الحساب الحزبي والانتخابي واقرب إلى الحساب الوطني.

للأسف هناك من يمارس السياسة بمنطق تجار الحروب او بالمنطق العدمي أي دفع الأوضاع إلى أقصاها، إذا لم يكن بد من إسقاط النهضة وإخراجها من الحكم غير الدمار والخراب فليكن، وهذا منهج خطير.

ولكن البلاد اليوم مهددة فعلا بظاهرة العنف؟

دعني أقول لك ولقراء صحيفتكم وهذا أمر أصبح معلوما الآن، العنف أنواع هناك عنف إجرامي أي حق عام من نوع المحترفين للأجرام وهناك عنف باسم الدين واغرب ما في الأمر ان كلا النوعين يستخدمان من قبل بعض القوى السياسية المعارضة للتشويش او الإخلال بالوضع العام في البلاد فتصرف أموال على هؤلاء وتقدم لهم الإغراءات ويحرضون على حرق المؤسسات العامة ومواجهة أجهزة الأمن لإعطاء صورة عن تونس أنها مضطربة لا أمان فيها بما لا يبقي مجالا لجلب الاستثمار او تنشيط السياحة بل يصل الأمر إلى دفع البلاد إلى الفوضى العامة لفرض الأمر الواقع على الجيش بالتدخل لوقف الفوضى العامة التي اصطنعوها على أمل ان يوفر لهم ذلك فرصة لكي يكونوا وزراء عند الجيش وقد فاتتهم فرصة التزوير من خلال صناديق الاقتراع.

الذين كانوا في الخمسينات والستينات والسبعينات دعاة للحزب الواحد ومدافعين عن الرئاسة المؤبدة ومثلهم الذين كانوا في الستينات والسبعينات دعاة للعنف الثوري وللمادية التاريخية رافعين شعار لا حرية لأعداء الحرية ، للأسف هم الآن يريدون إعطاء دروس في الديمقراطية وأنكى من ذلك توظيف الأوضاع الاجتماعية الموروثة وما أفرزته من جماعات هامشية لضرب التنمية والاستقرار في البلاد وإجهاض الوليد الديمقراطي في البلاد.

هذا لا يعني بطبيعة الحال وضع كل المعارضين في كيس واحد ولا يعني إننا ولدنا ديمقراطيين ولم نتغير وأنّ الآخرين لم يتطوروا ولكنه وصف لأوضاع مؤلمة لا مناص من العمل على تجاوزها للمصلحة الوطنية.

إننا جميعا محكوم علينا أن نبحر في مركبة واحدة هي تونس العزيزة ، فلا مناص لنا من التدرب وتوطين النفوس على أن نتعايش فيها ولكن دون أن نغرقها بل ان نعمل على وصولها سالمة إلى شاطئ الأمان شاطئ الديمقراطية والتنمية والكرامة.

هجومكم على حزب نداء تونس كان مكثفا وفرض استقطاب سياسي ثنائي في البلاد، هل اخترتم وبصفة مسبقة منافسكم في الانتخابات القادمة؟

لا لسنا نبحث عن خصوم او عن أعداء ولا نفتعل المعارك او الصراعات الجانبية او الهامشية ، ولكن من حقنا أن يكون لنا موقف من التكوينات السياسية الموجودة في البلاد فنقبل المشاركة مع البعض ونرفضها مع البعض الأخر.

نداء تونس حصل من الحكومة على الترخيص مثل غيره من الأحزاب ولكن هذا لا يعني اننا سنكون بالضرورة في تحالف معه لأننا ببساطة ننظر الى المؤشرات التي تدل على انه اي نداء تونس عنوان من عناوين التجمع المنحل والثورة المضادة، وهذا من حقنا.

تقطعون بكلامكم وموقفكم هذا أي أفق لتطور العلاقة مع هذا الحزب؟

لا وجود لأي أفق لتطور العلاقة مع نداء تونس، ونحن نرى في انتصاره نكوصا عن الثورة .

وماذا عن مستقبل العلاقة مع حليفيكما المؤتمر والتكتل في ظل التصريحات غير المنضبطة لبعض قياديي الحزبين ومنها ما طالكم شخصيا؟

الترويكا عمرت حتى الآن ، احتفلت الترويكا بعيد ميلادها الأول واحسب أنها ستحتفل بمثله في مناسبات أخرى.

وعلى كل حال البلاد تحتاج إلى حكم وفاقي ليس لليوم فقط بل للغد أيضاً أي على الأقل خلال المرحلة التي ستلي الانتخابات القادمة ، وهذه قناعة النهضة مهما كانت النسبة التي ستحصل عليها حتى ولو حصلنا على الأغلبية ، وإذا أمكن للآخرين ان يحصلوا على الأغلبية دوننا وما اعتقد ان ذلك سيحصل فسنكون مستعدين للعمل معهم وإذا استبعدونا فسيحكمون البلاد بائتلاف وليس بأفراد مما يقطع بان الحكم الائتلافي سيستمر في تونس على المدى المتوسط.

اعتذرت لكم صحيفة الاندبندت البريطانية وزاركم مراسلها روبرت فيسك لإجراء حوار بعد تهديدكم بمقاضاته، وليست هذه المرة الأولى التي تربحون فيها مواجهة مع الأخبار الزائفة في شأنكم ، وسؤالي لماذا هذا التركيز على استهداف راشد الغنوشي وهل هو في نظركم عفوي أو موجه؟

ليس هناك في السياسة شيء عفوي ، وهذه الهجومات وحملات التشويه ثمرة استنتاجات وتقييم خاطئ وصبياني يعتقد ان النهضة هي الغنوشي فلو دمرنا هذا الرمز فستتفكك النهضة وتضمحل، وهي رؤية سطحية وساذجة لان النهضة حركة تديرها مؤسسات وهي واقع صمد أكثر من 40 سنة في مواجهة أعتى حكام المنطقة ورغم ما لحقه من ملاحقات ومطاردات وما تعرض له من محاكمات ورغم انه توزع بين عشرات السجون والمنافي ولكنه صمد بحول الله مما يؤكد انه مشروع جماعي أكثر منه مشروعا شخصيا او فرديا، مشروع خلاصته هو إعادة الاعتبار للمشروع الإصلاحي للحكم الذي ولد في بداية القرن التاسع عشر والذي حمل حلم التوافق بين الإسلام والحداثة أو الدخول إلى العالم الحديث بالإسلام او المسلمين واستئناف دور الأمة على أرضية الإسلام.

ومن أهداف هذه الحملة علينا وعلى شخصي استخدام منهج التفكيك داخل النهضة بزعم الانقسام إلى معتدل ومتطرف او داخل وخارج ، وأيضا تفكيك الترويكا للانفراد بالنهضة وتصويرها على انها حركة متشددة أصولية متساهلة مع السلفيين لانها جزء منهم ، وتفكيك علاقة النهضة بالنخبة الثقافية والسياسية والطبقة الوسطى وتفكيك علاقة الحكم بمحيطه العربي على انه حكم أصولي ومحيطه الغربي والدولي على انه صورة من صور الأصولية والإرهاب ، هذه خلاصة الإستراتيجية التي تستهدفنا.

وماذا أعددتم من استراتيجيات للرد على ما يستهدفكم؟

إستراتيجيتنا هي الثبات على مبادئنا والتعريف بها ورفع راية الحوار والاعتدال والوطنية والمصلحة العامة وهذه مهمة من مهمات الإسلام الذي إنما جاء لتحقيق صالح العباد في الدنيا والآخرة.

هناك شبه إجماع على ان المقدرة الشرائية للمواطنين في تراجع وان الضغوط على معيش الناس اليومي أصبحت متفاقمة من يوم إلى آخر؟

أنا أريد التونسيين بكل فئاتهم وجهاتهم وأقلياتهم أن يطمئنوا أنّ سفينة البلاد تمضي إلى أهدافها في تحقيق أهداف الثورة واستحقاقاتها في الكرامة والحرية والتنمية والعزة تحت قيادة أمينة والرائد كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام لا يخون أهله .

ونحن ندرك جيدا أنّ هناك صعوبات وهناك أوضاعا اجتماعية صعبة وغلاء للمعيشة ولكن كل هذه الأوضاع مريحة لاستكشاف طرق وآليات العلاج المثالية إذا نحن أقبلنا بجد على العمل وبذل أقصى الجهد في كسب الرزق باعتبار العمل كل العمل الحلال عبادة وهو ثقافة يجب أن تترسخ فينا جميعا ، العمل الناصب هو الطريق الوحيد للظفر بالسعادة في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلاّ مَا سَعَى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى}، صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.