مجلس نواب الشعب : جلسة عامة غدا الثلاثاء للنظر في اتفاق قرض بين تونس والبنك الإفريقي للتنمية    سعر "علّوش العيد" يصل 1800 دينار بهذه الولاية.. #خبر_عاجل    عاجل/ وزير اسرائيلي: نحن بصدد احتلال غزة وعلى الإسرائيليين تقبّل كلمة "الاحتلال"    الرابطة المحترفة الاولى : برنامج الجولة 29    سليانة: 2735 تلميذا وتلميذة من 22 مؤسسة تربوية يشرعون في إجراء اختبارات البكالوريا التجريبية    عاجل/ قتلى في اصطدام سيارة تونسية بشاحنة ليبية    عاجل/ حملة أمنية في سيدي حسين تُطيح بعناصر خطيرة مفتّش عنها    محمد رمضان يشعل جدلا على طائرته    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    تونس تتلقى هبة يابانية تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي    رفض مطلب الإفراج عن النائب السابق وليد جلاد في قضية فساد مالي    الدورة الاولى لتظاهرة 'حروفية الخط العربي' من 09 الى 11 ماي بالقلعة الصغرى    الرّابطة الثانية : برنامج مباريات الدُفعة الثانية من الجّولة 23.    دوّار هيشر: السجن 5 سنوات لطفل شارك في جريمة قتل    تونس تحصد 30 ميدالية في بطولة إفريقيا للمصارعة بالدار البيضاء منها 6 ذهبيات    الهند توقف تدفَق المياه على نهر تشيناب.. وباكستان تتوعد    بداية من الغد: اضطراب وانقطاع توزيع المياه بهذه المناطق..#خبر_عاجل    المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة في زيارة عمل إلى تونس بيومين    تصنيف لاعبات التنس المحترفات: انس جابر تتراجع الى المرتبة 36    وفد من هيئة الانتخابات في رومانيا لملاحظة الانتخابات الرئاسية    الإدارة العامة للأداءات تُحدد آجال إيداع التصاريح الشهرية والسنوية لشهر ماي 2025    قيس سعيّد يُجدّد دعم تونس لفلسطين ويدعو لوحدة الموقف العربي..    عاجل/شبهات تعرّض سجين للتعذيب ببنزرت: هيئة المحامين تُعلّق على بلاغ وزارة العدل وتكشف..    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    كل ما تحتاج معرفته عن ''كليماتيزور'' السيارة ونصائح الاستعمال    تقلبات جوية متواصلة على امتداد أسبوع...تفاصيل    مفتي السعودية يوجه رسالة هامة للحجاج قبل انطلاق الموسم بأيام    بطولة مدريد المفتوحة للتنس للأساتذة: النرويجي كاسبر رود يتوج باللقب    البطولة الفرنسية : ليل يتعادل مع مرسيليا 1-1    عاجل : دولة عربية تعلن عن حجب 80% من الحسابات الوهمية    محرز الغنوشي: حرارة صيفية الظهر وأمطار منتظرة    ترامب يأمر بفرض رسوم بنسبة 100% على الأفلام غير الأمريكية    الرحيلي: الأمطار الأخيرة أنقذت السدود... لكن المشاكل الهيكلية مستمرة    العثور على جثث 13 موظفا من منجم للذهب في بيرو    سوريا.. انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف ب"الهاون"    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    بوسالم.. فلاحون يطالبون بصيانة و فتح مركز تجميع الحبوب بمنطقة المرجى    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    بوشبكة.. حجز أجهزة إتصال متطورة لدى اجنبي اجتاز الحدود بطريقة غير قانونية    طقس الليلة.. أمطار رعدية بعدد من الجهات    ثنائية مبابي تقود ريال مدريد لمواصلة الضغط على برشلونة المتصدر بالفوز 3-2 على سيلتا فيغو    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    رفع اكثر من 36 الف مخالفة اقتصادية الى أواخر افريل 2025    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدنان منصر ل«الشروق» : الشعب التونسي أذكى بكثير من الطبقة السياسيّة وتحصين الثورة ليس إقصاء
نشر في الشروق يوم 09 - 11 - 2012

كيف يقرأ وضعه الحالي ؟ وما ردّه على عدد من الانتقادات الموجهّة له ولمؤسّسة الرئاسة ؟ وكيف ينظر إلى مستقبل الحياة السياسيّة ولمستقبل حزب المؤتمر الّذي أصبح أحد قيادييه؟..عن هذه الأسئلة وغيرها يجيبنا السيّد عدنان منصر الناطق الرسمي باسم الرئاسة وعضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة.

أجرى الحديث: خالد الحدّادتونس «الشروق»:كان من بين كتّاب جريدة الموقف الجريدة المعارضة الأولى أواخر حكم الرئيس السابق، وبرز بعد الثورة بكتاباته ذات النفس «الثوري» وساهم في أشغال الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ، ويتولّى حاليّا مهمّة الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهوريّة وهو كذلك عضو في حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة في أعقاب مؤتمره الوطني الأخير...في ما يلي نص الحديث مع عدنان منصر.

بداية، كيف تقيمون اليوم أداء مؤسسة الرئاسة؟ينبغي قبل الحديث عن أي تقييم أن ندرك جيدا الإطار الذي تتصرف فيه مؤسسة الرئاسة، وهو إطار سياسي متميز بخضوع الجميع للتنظيم المؤقت للسلطات العمومية الذي يقسم الصلاحيات بين مختلف السلطات من ناحية ويخضع الجميع للنظام المجلسي. هذا على المستوى النظري، أما على المستوى الفعلي فقد تحول النظام المجلسي تطبيقيا إلى نظام برلماني، وهذا أمر يعود إلى عدة عوامل من بينها كثافة العمل المناط بعهدة المجلس مما يمنعه من لعب دوره كاملا في سياق النظام المجلسي.

من جهة أخرى فإن توزيع الصلاحيات بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية يخضع أحيانا إلى الجو العام بين الرئاستين، مما يفرز أحينا بعض التوترات عندما يتغلب التأويل الحرفي للتنظيم المؤقت للسلطات، ويفرز أحيانا أخرى تجانسا عندما يتغلب منطق التوافق خارج حسابات الأبواب والفصول. هناك إطار آخر يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو الوضعية الانتقالية للسلطات قبل إصدار الدستور. نحن نعيش فترة انتقالية ثانية، وكان يفترض أن نعيش فترة انتقالية واحدة لا فترتين، مع ما يعنيه ذلك من إضاعة وقت ثمين على البلاد والاقتصاد وزيادة التوترات السياسية بمناسبة ودون مناسبة أحيانا.

أما ثالث أضلاع هذا الإطار السياسي العام فهو أن مؤسسة الرئاسة مرت في ظرف سنة ونصف من مؤسسة تحتكر كل شيء في عهد النظام السابق، إلى مؤسسة شبه شرفية في عهد السيد فؤاد المبزع، ونحن نحاول الآن شيئا جديدا حتى على الثقافة السياسية للتونسيين: أن تكون مؤسسة الرئاسة مرجعا للجميع خاصة عند الأزمات، وأن يكون الرئيس رئيسا للجميع بغض النظر عن الحزب الذي رشحه لهذه المسؤولية، وأن تنفتح مؤسسة الرئاسة على مختلف مكونات الطيف السياسي الوطني بعد أن كانت مؤسسة مظلمة لا يدري أحد ما يدور فيها.

لا أحد يريد اليوم في تونس أن نعود للنظام الرئاسوي، ولكن لا أحد يريد أن تكون مؤسسة الرئاسة مجرد مؤسسة شرفية، بل مؤسسة مرجعية تحافظ على التوازنات السياسية العامة وترعاها وتمثل الدولة التونسية في الخارج، وهو ما أعتقد أن الرئاسة بدأت تنجح فيه من خلال الموقف من بعض الأحداث الهامة وكذلك من خلال التصرف إبان الأزمات. لكن البعض يقول بوجود حالة من الاضطراب والتردد وانعدام رؤية واضحة في عمل المؤسسة خاصة في علاقة بالاستقالات؟ ينبغي أن نتفق أولا على أن ما ذكرته عن الاستقالات يعني أن الأمر يعود إلى انعدام رؤية واضحة في المؤسسة، وهذا غير صحيح.

لكل استقالة معناها وإطارها وشخوصها. بعض هذه الاستقالات يعود إلى عدم قدرة البعض على تحمل ضغوط العمل، في حين أن معظم العمل في المؤسسة يتعلق بتحمل الضغوط والتصرف في الأزمات. بعضها يعود أيضا إلى الخلط بين الرتبة الادارية والدور الفعلي داخل المؤسسة، فأن تكون لك رتبة مستشار مثلا لا يعني أن الرئيس يستشيرك، وإذا ما استشارك فإنك لا تستطيع أن تلزمه باختياراتك ورؤيتك للأمور.

هناك استقالات لأسباب عائلية أيضا، وأخرى لأسباب شخصية، وبالتالي فهذه الاستقالات لا تعني (بالضرورة على الأقل) ما ذهبت إليه.أما إذا أردت أن نتحدث حول ما أسميته «التردد والاضطراب وانعدام الرؤية الواضحة»، فهذا أمر نسبي، وكثير من الأنشطة التي تقوم بها الرئاسة لا تفهم إلا في الإطار العام الذي تحدثنا عنه سابقا ومرتبطة ببعضها البعض. المنصف المرزوقي لم يكن في ماضي حياته رئيسا للجمهورية ولا حتى وزيرا، بل كان حقوقيا ومعارضا وأستاذا في الطب، وبالتالي فإن أداءه يقوم بالضرورة على فهم واضح لدوره ولدور المؤسسة في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي. الأخطاء ممكنة، ومنتظرة، والمشكل ليس في الأخطاء وإنما في عدم تكرارها. أعتقد أن الرئيس المرزوقي استطاع أن يصبغ بعض صفات شخصيته على وظيفة الرئاسة، وأنه استطاع أن يقرب الوظيفة الرئاسية من التونسيين الذين كانت تتحكم في علاقتهم بها أحاسيس الخوف والغموض. قد لا يكون ذلك كافيا ولكنه ضروري للقطع مع العهد السابق.

هناك بالإضافة إلى الرئيس فريق رئاسي، وهذا الفريق كان يحتاج إلى وقت حتى يفهم سير المؤسسة وحتى يحقق أيضا درجة معقولة من التجانس بين أعضائه، وهنا أيضا فإن معظم الفريق الرئاسي هو فريق شاب، ومعظم أفراده لم تكن لهم مسؤوليات في الإدارة أو في المسؤوليات السياسية الرسمية قبل ذلك من هنا فإن عددا من الأخطاء التي تنسب للرئاسة قد تكون في الأصل أخطاء ناتجة عن قلة تجربة الفريق المحيط بالرئيس أو أحد أعضائه. في كل الحالات، فإن الأخطاء تبقى متوقعة، وعدم توقعها هو الغريب. تمت أخطاء، ولكن الجميع هنا يتعلم من أخطائه.

كيف تفسرون التناقض بين تصريحاتكم وتصريحات السيد رئيس الجمهورية، أفكاركم تأخذ منحى ثوريا اقصائيا خلاف مواقف الرئيس ومنها استقبال أمناء عامين لمختلف الأطياف السياسية ومنها مثلا كمال مرجان والباجي قائد السبسي؟ أعتقد أن الجمع بين المسؤولية الحزبية وبين المسؤولية في الفريق الرئاسي يمكن بالفعل أن ينتج بعض الخلط في فهم المواقف، لكني أحرص على ألا أتحدث في شؤون الحزب عندما أمارس عملي في الرئاسة، وألا أتعرض لشؤون الرئاسة في الحزب، وهو حتما تمرين شديد الصعوبة. رئيس الجمهورية ملزم بحكم دوره أن يكون رئيسا لجميع التونسيين، وأن يلعب دوره كاملا في حل الأزمات، وقد قام بذلك على نحو مرضي جدا في الفترة الأخيرة، وكان ذلك يتطلب الالتزام بجملة من الضوابط في عمل الرئاسة كمؤسسة رسمية.

أما بالنسبة لمواقفي الخاصة فأعتقد أن ما أصرح به بصفتي الحزبية وما كتبته وصرحت به سابقا قبل الانتماء لمؤسسة الرئاسة (منذ حوالي التسعة أشهر) ولحزب المؤتمر(منذ حوالي الثلاثة أشهر) لا يختلفان مطلقا. لو كان الأمر غير ذلك لما تمت دعوتي للوظيفة الحالية في المؤسسة، ولو كان الأمر غير ذلك أيضا لما منحني المؤتمريون ثقتهم لأكون في المكتب السياسي وفي المجلس الوطني للحزب. يكفي أن يعود بعض قصار الذاكرة إلى ما كتبته سابقا، وسيرون أنني نفس الشخص. وفي خصوص ما أسميتموه «مواقف اقصائية»، فلا أعتقد أن التوصيف دقيق.

منذ 14 جانفي وأنا أنادي بتحصين الثورة وحماية الديمقراطية الناشئة من خطر عودة النظام القديم، ونشرت ذلك في جريدة «الشروق نفسها». إذا كان هذا الموقف اقصائيا، فينبغي أن نندم على الثورة وعلى نضالات المعارضة التونسية ومنها الحركة الطلابية طيلة عقود من الزمن. وحتى إن كان هذا الموقف «اقصائيا» فهو أخلاقيا أفضل ألف مرة من تسويق النظام القديم، وهو الأمر الذي ينخرط فيه اليوم جزء هام من النخبة السياسية الحالية، وبعضها للأسف ممن كان لها دور في مقاومة الاستبداد.

وبالعودة إلى ما بدا لكم تضاربا في المواقف، فالرئيس يستمع إلى آراء عديدة، وهو الذي يقرر في النهاية الموقف الذي يتخذه، بل أكاد أقول إنه في معظم الحالات تتم صياغة الموقف بطريقة جماعية بين الرئيس ومستشاريه السياسيين. أعتقد أن وجود تقييمات مختلفة في محيط الرئيس أمر جيد ويسهل صدور قرارات تراعي الحساسيات المختلفة، وهي حساسيات معبرة في معظمها عما يعتمل داخل الساحة السياسية الوطنية.عدنان المنصر المفكر والباحث هل أصبح رهين المواقف السياسية والحزبية ؟ أثناء الثورة، وعند بدأ المشهد الإعلامي في الانفتاح، تركت جانبا الاهتمامات الأكاديمية وانخرطت في الشأن السياسي، آنذاك وجه لي نقد شديد من بعض الجامعيين، وكان ذلك النقد يتمحور حول فكرة أساسية وهي أن على الأكاديمي عموما وعلى المؤرخ خصوصا أن يبقى على ربوته يراقب الساحة من بعيد حتى يستطيع الخروج في نهاية الأمر بقراءة علمية للواقع.

قلت لهم «لا شكرا» ! أعتقد أن ذلك الموقف، رغم حلة التحفظ الأكاديمي التي كان يرتديها، هو في نهاية الأمر موقف سياسي أناني في أدنى الحالات إن لم يكن منافقا وناتجا عن جبن كبير. عبارة «البقاء على الربوة أسلم» لا وجود لها في قاموسي، وقد كتبت ذلك في كتابي «موسم الهجرة إلى الكرامة» الذي احتوى عشرات المقالات كتبت من داخل الثورة وفي نسقها. كثير من المواقف الأكاديمية هي مواقف مغشوشة لأنها في معظم الحالات، وخاصة إبان أحداث الثورة، كانت مواقف أكاديميين في حالة انتظار لتغير اتجاه الريح، وهي في الأصل مواقف محافظة ومهما حاول أصحابها تغليفها برداء الموضوعية فانها تبقى مواقف لا ترقى للوظيفة التي يجب أن تكون للمثقف عموما وللأكاديمي خصوصا في فترات التحول الكبرى.

كان بإمكان كثير من الأكاديميين أن ينخرطوا في المسار الثوري وأن يساهموا في توجيه الثورة في الاتجاه الصحيح. هذه قراءتي الخاصة للدور الذي حاولت القيام به، وقد كنت أتعجب فعلا من الصدى الذي كانت تأخذه الكثير من مقالاتي في موقع «المشهد التونسي» أو في الصحافة أو على الشبكة مما بين لي بطريقة جد واضحة أن الناس كانت تقرأ، وكانت متعطشة لكل ما من شأنه أن يوضح لها الطريق.

ومن بين كل الأكاديميين كان بإمكان المؤرخين وعلماء الاجتماع بالذات أن يقدموا الإضافة. ولكن من سوء الحظ فإن عددا قليلا من هؤلاء فقط أنجزوا دورهم التاريخي، ولا يكادون يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، وأذكر منهم بالذات الأساتذة عميرة علية الصغير ومحمد ضيف الله وسالم الأبيض. البقية كان سلوكهم متحفظا، والموقف المتحفظ أثناء كل ثورة هو موضوعي، وبغض النظر عن التبريرات، موقف معاد للثورة.وانتماؤكم بعد ذلك لحزب المؤتمر، في أي إطار تضعونه؟نفس القراءة التي قدمتها في جوابي عن السؤال السابق هي التي أقدمها جوابا عن هذا السؤال: ترشحت للانتخابات في قائمة مستقلة كونتها بنفسي ثم انضمت إلى الائتلاف الديمقراطي المستقل بقيادة الأستاذ عبد الفتاح مورو. كان الاتفاق على أن الأمر يتعلق بتحالف انتخابي بين قائمات مستقلة، وهو ما كان بالفعل.

عندما صدرت نتائج الانتخابات كنت من بين أصحاب «الأصفار فاصل» موضوعيا، غير أنني اعتبرت نفسي منتصرا سياسيا، وهذا الموقف موثق في سلسلة مقالات بعنوان «تشريح الانتخابات التونسية» وكذلك في عدد من المحاضرات. وحتى عندما استدعيت في شهر جانفي لأكون جزءا من الفريق الرئاسي، فلا أحد طلب مني الخروج عن استقلاليتي ولم تمارس علي أية ضغوط. قرار الانتماء إلى حزب المؤتمر جاء لاحقا، وكانت هناك نقاشات مع بعض الأصدقاء اتخذنا إثرها قرار الانخراط في تاريخ رمزي وهو انعقاد المؤتمر الثاني للحزب. بالنسبة لجانب كبير من المؤتمرين كانت تلك فرصة ليعرفوا أنني لم أكن منتميا للحزب كما اعتقدوا، ولأناس آخرين أيضا.

حزب المؤتمر حزب مفتوح، وهو من أكثر الأحزاب ديمقراطية في البلاد إلى حد أننا نعاني أحيانا تخمة في الديمقراطية. المؤتمر الثاني كان عبارة عن مؤتمر مفتوح، وكان ذلك دليلا على أن حزب المؤتمر والمنتمين إليه لا يرون مانعا من تباحث شؤون حزبهم على الملإ وبحضور وسائل الإعلام، بما في ذلك عمليات فرز النتائج. كنت سعيدا جدا بالثقة التي منحت لي من قبل المؤتمرين، وهي ثقة تضع على عاتقي وعاتق زملائي مسؤولية أخلاقية كبرى. لقد دخلت المؤتمر للبناء، وأحسب أن ذلك كان هدف الجميع، ولن أكون مشتركا مع أحد في أية عملية هدم أو فرقة.

كنت قد كتبت بعد الانتخابات أن عصر المستقلين قد ولى، وأن تجديد الطبقة السياسية يفترض انخراط الجميع في بناء المؤسسات وإنضاج العمل الحزبي. في هذه المرحلة تبدو الاستقلالية، وأنا الذي كنت مدافعا شرسا عنها، ترفا وأنانية، وبقاء على الربوة. من المفروض على المثقفين أن ينتموا سياسيا لأنه في ما عدا ذلك لا يمكن تطوير الديمقراطية والرفع في مستوى الطبقة السياسية الناشئة.

تصريحاتكم تجاه شريككم في الترويكا حركة النهضة والحكومة أحدثت الكثير من الإرباك والتساؤلات، هل هي تجليات الصراع بين المفكر والمسؤول ام تبادل أدوار مع رئيس الجمهورية في إطار لعبة الشد والجذب بين المؤتمر والنهضة والمرزوقي والجبالي؟ كثير من المواقف التي أصدرتها بصفتي الشخصية أولا ثم بصفتي الحزبية وضعت الرئيس في حرج، وهو ما يعني أن تلك المواقف لم تكن تعبيرا عن مواقفه. كنت أعتبر ولا أزال أن مقياس المساندة أو النقد هو الارتباط بالأهداف التي وضعها التونسيون لثورتهم، وبالتالي فإنني كنت أجد أحيانا أنه من الضروري التنبيه إلى بعض المسارات الخاطئة، مثل المقال الذي نشرته على موقع «نواة» في خصوص القضاء والذي سبب زوبعة سياسية كبيرة.

التعامل مع هذه المواقف كان بالتبرم أحيانا، وباتهامي بأنني أكتب مواقف مملاة علي، وهذا أمر يمكن التأكد من دقته بالعودة إلى كتاباتي المنشورة. في حديث لإحدى القنوات الخاصة قال الأزهر العكرمي، في حفلة سباب رخيص، أنه لم يقرأ شيئا لي في السابق.

ليست مشكلتي إن كان أمثاله لا يكتبون ولا يقرؤون إلا «التقارير»، ولا يعذر جاهل بجهله. المفيد أنه عندما كان بعضهم مستشارا لوزير العدل بأجر «رخيص» والبعض الآخر ملحقا صحفيا لوزير العدل وعضوا في أكاديمية التجمع المنحل، كنت أنا في الموقع الصحيح، وأنه عندما كان هؤلاء لا يجرؤون على تصفح جريدة «الموقف»، كنت أنا أكتب فيها، وعندما كانوا يدينون المظاهرات كنت أشارك فيها، وعندما كانوا يتهربون من العرائض، كنت أمضيها. وبالعودة إلى المواقف، فإنها لم تكن شخصية، وأنا أكن كل الاحترام لمن يستحقه، والأمر يتعلق في نظري باختلاف في تقييم المسارات والسياسات. ربما نختلف في المواقف مع شركائنا في النهضة أو في الترويكا، ولكن الاحترام لا يمسه أي سوء، وجميعهم يعرفون ذلك لأن العلاقة بيننا ليست من بنات البارحة. كل حلفائنا يعرفون أنه في المواقف الرئيسية والحاسمة، لن نكون في المكان الخطإ.

دافعتم كثيرا عن الترويكا واعتبرتموها مثالا ونموذجا للتعايش بين المعتدلين من الإسلاميين والعلمانيين، وكأنكم تخليتم عن تلك القراءة؟ أين رأيت أنني قد أكون تخليت عن تلك القراءة؟ لا مطلقا، هذه القراءة تبنيتها وسأبقى متبنيا لها لأنها القراءة المنطلقة من فهم المسار التاريخي والثقافي والسياسي لبلادنا. أنا أعتقد بالفعل أن التحالف الثلاثي، بالإضافة إلى أنه كان نتاجا للإرادة الشعبية مثلما عبرت عن ذلك نتائج الانتخابات، فإنه أنقذ البلاد من كثير من المصائب وقدم لتونس صورة مشرقة في كل العالم. البعض يشكك في ذلك من منطلق سياسي بحت، وهم يسعون منذ الانتخابات لضرب هذا التحالف بالتصويب دائما نحو جناحيه، المؤتمر والتكتل. في كثير من الأحيان تحول الأمر إلى ابتزاز رخيص، ولكن الائتلاف عبر عن قدرته على الاستمرار. هم لا ييأسون، لأن كل إستراتيجيتهم تقوم على تفكيك الائتلاف. في الوقت نفسه، وفي حضور سلوك مخيب للآمال من جانب قسط هام من المعارضة، فإن الترويكا تجد نفسها تحكم وتعارض في الوقت نفسه، ومن لا يعرف كيف تتصرف الترويكا داخليا فعليه ألا يفسح المجال كثيرا لرغباته. هذا الائتلاف أنقذ البلاد، ورغم التعثرات والأخطاء فإننا نعتبره من أفضل ما أنجزته بلادنا في تاريخها السياسي حيث وضعها في الاتجاه الصحيح الذي سيقضي نهائيا على الاستقطاب الديني – اللائكي، وهو استقطاب يبشرنا البعض بإعادة تأسيسه مجددا. سيستيقظون مجددا على مفاجأة غير سارة بالنسبة إليهم. الأمر لا يتعلق بالأحزاب، ولا بالمؤتمر والنهضة والتكتل، وإنما باتجاه التاريخ الذي يحدده الذكاء الجماعي للتونسيين.

التونسيون أذكياء جدا، وهم على الأقل أذكى من جزء كبير من الطبقة السياسية التي تدعي أنها ستقودهم إلى الجنة إذا ما اتبعوها. نحن نشفق عليهم من صدمة جديدة !صورة تونس في الخارج شابها الكثير من التشويه ، ويحملكم البعض كناطق رسمي باسم رئاسة الجمهورية مسؤولية إخفاق السياسة الإعلامية لتسويق هذه الصورة في الخارج؟ لا أدري من حملني هذه المسؤولية وأين ومتى! على الأقل أنا لم أقرأ ذلك بغض النظر عن تقييمكم لصورة تونس في الخارج. بالإضافة إلى أن سؤالكم يقوم على سوء فهم، فأنا لست مسؤولا عن السياسة الإعلامية للرئاسة وإنما لي دور فيها كناطق رسمي ومستشار للرئيس. صورة تونس في الخارج، رغم ما شابها في الفترة الأخيرة من تشويه جراء تصرفات البعض وتعمدهم السقوط في كل الفخاخ التي تنصب لهم أو ينصبونها لأنفسهم، هي صورة جيدة. نلمس ذلك في المهام التي نقوم بها في الخارج، مع صناع القرار الدولي وأثناء استقبالنا لهم. هذه الصورة هو صورة النموذج الذي لا ينبغي أن يفشل، لأن البديل عن ذلك سيكون حتما الفوضى.

الأمر لا يتعلق هنا بمن يحكم ومن يعارض، بل بهذه القدرة الخلاقة لدينا جميعا كتونسيين على التعلم من أخطائنا وعلى حسن الاختيار بين المسارات. كما أن العقلية التي تسود اليوم مؤسسة الرئاسة ليست عقلية تسويق، وإنما عقلية عمل. إذا كان هناك عمل فإنه سيسوق نفسه بنفسه، وهناك فعلا عمل. تفكيك الأزمات جزء من هذا العمل، وأعتقد أن الرئاسة نجحت في ذلك إلى حد كبير. على مستوى العلاقات الخارجية، يمكن أن نقول اليوم أنه ليست لنا توترات مع أية دولة في العالم، ما عدا إسرائيل طبعا. وبمناسبة الحديث عن إسرائيل، فالعلاقة معها اليوم «صفر»، وهي لم تكن كذلك في أي مرحلة سابقة. نحن أوفياء لمواقفنا الوطنية والقومية، ونمارس السياسة الخارجية بناء على تلك المواقف.

نسعى لإعادة تونس إلى مكانتها في عدة فضاءات، هذه الفضاءات هي دوائر انتمائنا الحضاري الطبيعية، سواء كانت مغاربية أو عربية أو افريقية أو إسلامية أو متوسطية. نسعى للمحافظة على صورة النموذج التي تقدمها الثورة التونسية لبقية العالم، وإلى استثمار ذلك لفائدة مصالحنا الوطنية، بما فيها المصالح الاقتصادية. تونس اليوم، بفضل ثورتها وبفضل الخطوات التي قطعتها على سبيل الديمقراطية، قوة أخلاقية كبيرة في العالم، بل قوة أخلاقية عظمى، وهذا نجاح لنا جميعا كتونسيين، وهو ملكنا جميعا، ولا علاقة للأمر مرة أخرى بمن يحكم ومن يعارض. هل لكم تخوفات من تغير موقف المجموعة الدولية وخاصة أوروبا والولايات المتحدة من مسار الانتقال الديمقراطي في تونس؟ أوروبا والولايات المتحدة وما أسميته «المجموعة الدولية» ليست تكتلا منسجما. الموقف العام هو موقف مساندة للانتقال الديمقراطي، وهذا واضح جدا في المواقف الرسمية. بعض الأحداث أثارت تخوفات وتحفظات، مثلما كان الأمر بعد أحداث السفارة الأمريكية، ولكننا استطعنا تطويق جزء هام من انعكاساتها.

الموقف الأمريكي من مساندة الديمقراطية في تونس لم يتحول وإن شابه في البداية بعض القلق. أريد أن أؤكد على عنصر هام هنا، وهو أنه كلما بدونا متحدين إزاء القضايا الهامة، كلما أرسل ذلك إشارات إيجابية لأصدقائنا في العالم، وكلما انعكس ذلك ايجابيا على كثير من المسائل بما فيها السياحة والاستثمار. المصالح العليا للبلاد لا يمكن أن تكون موضوع مساومات ومزايدات، وهذه أول علامات النضج السياسي. لا يمكن أن نعبر عن سعادتنا ببعض الأحداث الأمنية ونفرح لأن ذلك سيؤدي إلى تباطؤ الاستثمار ثم ندعي الوطنية ، هناك أمور لا يجب أن تخضع للتجاذبات لأنها تتعلق بالمصلحة الوطنية العليا، وأحسب أننا يمكن أن نختلف في كل شيء، إلا في هذه النقطة.لكم ولحزبكم موقف قاطع وحدي من مسالة إقصاء التجمعيين، هل ستواصلون التمسك بنفس النهج ؟ وما هو تقييمكم لأداء الحكومة؟ لا شيء يقول إننا لن نواصل التمسك بهذا النهج، وهو ليس موقف إقصاء وإنما موقف تحصين للثورة وللديمقراطية. الأمر لا علاقة له بأية حسابات انتخابية لأنه كان موقفنا منذ 14 جانفي ولأنه ينخرط في قراءة أوسع. نحن نعتبر أن تلخيص ما يحدث في بلادنا في عبارة «انتقال ديمقراطي» لا يوفي الواقع حقه. هناك مراوحة بين مسار الثورة ومسار الانتقال، وجزء هام من الصعوبات يعود إلى مشاكل التوفيق بين المسارين. ما عشناه هو ثورة أدت لانتقال ديمقراطي، الثورة إذا أقدم، والانتقال يجب أن يخضع لمقاييسها وتطلعاتها، لأنها تطلعات من أنجزوا الثورة.

القطع مع النظام السابق يجب أن يكون كاملا، ولو استغرق انجازه بعض الوقت. وبالنسبة للحكومة، فأعتقد أن المجهود الذي تقوم به كبير، وإن لم تظهر نتائجه بالكيفية التي نريدها جميعا. هذه الحكومة، ورغم شرعيتها الانتخابية، عملت وتعمل في ظروف شديدة الصعوبة. يبقى أن كل من في الحكم اليوم هم حديثو عهد به، وبالتالي فالأخطاء متوقعة. إحدى الضمانات الحقيقية هو أن الأمر يتعلق بمناضلين وليس بوزراء وظيفيين.

لذلك فمنطق حكومة التكنوقراط في هذا الظرف، كمفهوم، لا معنى له. سقف التوقعات من الحكومة كان عاليا جدا، ووقعت مطالبتها حتى بتحديد نموذج التنمية البديل، ولكن مع التأكيد، بمناسبة وبغير مناسبة، أنها حكومة مؤقتة لا يجب أن تمس من التوازنات الكبرى السائدة. يجب أن نعرف ما نريد حتى نستطيع لوم الحكومة. هذه الحكومة تتصرف في تركة ثقيلة جدا، وفي جو يكاد يكون عدائيا، في الإدارة وفي الإعلام، مع انتشار نكتشف عمقه كل يوم لشبكات الفساد المهيكلة جيدا والتي لم تترك قطاعا واحدا لم تعفنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.