تواصل ارتفاع الأسعار تسبب في عجز كثيرين عن توفير عدة مستلزمات ضرورية بما في ذلك الغذاء.. وضع قد يدفع بالمواطن إلى استنباط كل الحيل والطرق لتوفير مداخيل إضافية بما في ذلك السرقة والتحيل والرشوة، والمطلوب من الدولة التدخل. تعيش تونس منذ ثورة 14 جانفي 2011 تصاعدا متتاليا في نسق الاسعار يتذمر منه المواطن باستمرار و تعترف به الحكومة نفسها ، مُبدية عجزا شبه تام عن التصدي له. ويأتي هذا الالتهاب في الاسعار في الوقت الذي تشهد فيه المداخيل حالة ركود واستقرار ، سواء تعلق الامر بالمداخيل القارة ( الاجور ) أو بالمداخيل غير القارة المتأتية من الانشطة الحرة. كما أن اجراء التضييق على قروض الاستهلاك زاد في الضغط على المقدرة الشرائية للتونسيين بما أن كثيرين كانوا يستغلون هذه القروض ليس لتوفير نفقات الترفيه والكماليات (كما يذهب في الاعتقاد) بل لتوفير المال اللازم للنفقات اليومية العادية. وتبعا لذلك أصبح كثيرون يجدون صعوبات كبرى في توفير مستلزمات المعيشة اليومية فيما أصبح آخرون عاجزين عن توفير بعض الكماليات ومتطلبات الترفيه لعائلاتهم ولأبنائهم.
لم يتعودوا عليهأصبح عديد التونسيين غير قادرين على تحمل النسق غير المريح في المعيشة بعد أن تعودوا طيلة السنوات الماضية على مستوى عيش أفضل من حيث تكاليف الحياة والنفقات والأسعار ومن حيث المداخيل. ويتفق أغلب التونسيين أن تكاليف المعيشة في تونس أصبحت لا تُطاق فعلا ويتوقعون أن الامر سيتواصل على ما هو عليه في الفترة القادمة ما لم تتخذ الحكومة الاجراءات اللازمة للحد من التهاب الأسعار ولتحسين مداخيل الناس.
وإذا لم يحصل ذلك فان صبر المواطن قد ينفد أمام ضغوطات العائلة ومتطلبات الابناء من النفقات اليومية سواء كانت دراسية او غذائية أو ترفيهية ، فضلا عن المتطلبات القارة الاخرى مثل الملبس والتنقل و السكن والكهرباء والهاتف والسيارة..أيسر السبليقول خبير في مجال الاستهلاك أن الحاجة قد تدفع بالبعض إلى اختيار أيسر السبل لتوفير المال ولمجابهة غلاء المعيشة وتدهور مستواها منها على سبيل المثال السرقة والتحيل والرشوة والفساد المالي والاداري والاجتماعي. فالمواطن الذي يستنفد كل مداخيله الرسمية اليومية أو الشهرية في وقت وجيز دون أن يقدر على توفير مستلزمات معيشته سيكون مضطرا بلا أدنى شك إلى استنباط كل الحيل والطرق لتوفير مداخيل إضافية تساعده على تسديد نفقات بقية مستلزماته التي لم تكف مداخيله «الرسمية»« لتحملها.
وإذا كانت ظروف البعض تسمح بتوفير مداخيل إضافية في كنف القانون وبطرق معقولة و باحترام الاخلاق الحميدة واحترام الغير، فان البعض الآخر قد لا تتوفر له هذه الامكانية، مثل الأجراء او الموظفين الذين يمنع عليهم القانون ممارسة أنشطة أخرى بمقابل أو الذين لا تتوفر لهم مداخيل إضافية متأتية من مشاريع تجارية او فلاحية أو خدماتية خاصة. سرقة ورشوة وفسادأمام ضغوطات غلاء المعيشة قد يضطر البعض لاستعمال طرق غير قانونية وغير أخلاقية لتوفير المال على غرار السرقات بكل أنواعها سواء كانت باستعمال العنف أو الخداع وسواء تضرر منها المقربون (أفراد العائلة مثلا أو أصدقاء او زملاء في العمل أو المُشغل) أو غير المقربين.
وإضافة إلى السرقة توجد الرشوة ، حيث أن العاملين سواء بالقطاع الخاص أو العام قد تدفعهم الحاجة إلى طلب رشوة من الغير بمناسبة قضاء شؤونهم أو تسهيل قضائها ، وذلك حتى يوفروا مداخيل إضافية ، وسيترتب عن ذلك بكل تأكيد فسادا ماليا وإداريا قد ينخر المؤسسات العامة والخاصة ويصبح من الصعب التصدي له مع تقدم الايام. وكان عديد الملاحظين قد أكدوا مؤخرا أن ظاهرة الرشوة والفساد المالي في المؤسسات العامة والخاصة قد زادت بعد الثورة في تونس بسبب ضعف الرقابة وبسبب .الحاجة إلى المال.
كما أن غلاء المعيشة من شانه أن يساهم في انتشار شتى أنواع التحيل على الغير (أحيانا بطرق قانونية) من اجل توفير أموال إضافية تساعد على تحمل الزيادات المتتالية في الاسعار. وهناك من يذهب حد القول أن الحاجة إلى توفير المال قد تجعل البعض يسقط في ممارسات منافية للأخلاق الحميدة. تدخل الدولةيبقى الحل الضروري لمعالجة هذا الوضع ولوضع حد منذ البداية لهذه المخاطر التي تهدد المجتمع التونسي وتهدد الاجيال القادمة هو ضرورة تحمل الدولة مسؤوليتها كاملة في توفير العيش الكريم للمواطن وفي حمايته من كل المخاطر التي تهدد حياته لعل أهمها غلاء المعيشة وتردي المداخيل. فمثلا على الدولة أن تسترجع دورها التعديلي في السوق من خلال توفير كل ما يحتاجه المواطن من غذاء وسكن وملبس وغيره بتكاليف معقولة، وحتى إن لم تتدخل بشكل مباشر فعليها التدخل بشكل غير مباشر من خلال الردع والصرامة في تطبيق القانون على المخالفين والمحتكرين.
غير مبررمهما يكن من امر فان غلاء المعيشة لا يجب أن يكون بأي حال من الاحوال مبررا للمواطن حتى يُقبل على السرقة والتحيل والفساد والرشوة، إذ عليه أن يتحمل بدوره المسؤولية وأن يحاول التقليص من نفقاته خاصة غير الضرورية وأن يحمي نفسه بنفسه من الاسعار المرتفعة وأن يسعى إلى توفير مداخيل إضافية في كنف احترام القانون واحترام الغير وعدم التعدي على ممتلكات وأموال بقية المواطنين بأية طريقة كانت.فاضل الطياشي