لم تستطع السلطة الحاكمة اليوم إرسال إشارات مطمئنة تؤكد وضوح الرؤية وتحدد بشكل واضح مواعيد الاستحقاقات السياسية القادمة والخطوات التي سيمكن اتخاذها لتطويق ملامح الأزمة العامة ولإبطال مفعول حالة الخوف والغموض السائدة. فلا أحد يعرف حاليا موعد إجراء الانتخابات القادمة ولا الانتهاء من صياغة الدستور ولا حتى قانون الهيئة المستقلة للانتخابات، دون الحديث عن بقية القرارات و الخيارات التي تبقى محل خلاف، وكل ما تروج له الترويكا الحاكمة وبتشويق ممل هو تحوير وزاري يبدو جزئيا، وكأن بتغيير أشخاص نصلح الأخطاء و المقاربات الخاطئة.
ولا أدري لماذا تواصل السلطة هذا التمشي الذي أضر بصورتها و هيبتها لدى الرأي العام وهز من ثقة الشعب فيها، وهو أمر ينطبق على الحكومة وأيضا على المجلس التأسيسي صاحب الشرعية الأصلي، الذي أصبح محل تندر وانتقاد من جزء متزايد من التونسيين، ليس فقط من أجل الأجور والامتيازات العالية التي يتحصل عليها أعضاؤه، بل وأساسا لتمطيطه لآجال إعداد الدستور وإنهاء المرحلة الانتقالية الثانية، وكذلك «للميركاتو» الذي فتحه بعض أعضائه وإقرار فترة انتقالات حزبية مفتوحة لم تراع اختيارات الناخبين خاصة أن بعض هذه الانتقالات تفوح منها رائحة المال السياسي العفن.
والمؤسف أن كبار الساسة في بلادنا، في الحكم والمعارضة، يخيرون تقديم تفاصيل مدققة عن الشأن العام في بلادنا وما ينتظرها وما يهددها، في الخارج وليس داخل حدود الوطن، بل وتصدر هذه المواقف في غالب الأمر عن شخصيات سياسية لا تنتمي لا إلى الحكومة ولا إلى المجلس التأسيسي، بما يعطي الانطباع في الداخل والخارج، وكأنها صاحبة القرار والمتحكمة في مستقبل البلاد و بأدق التفاصيل.
إن قدرة المواطن التونسي على الصبر والتحمل بدأت تنفد، وهو يشاهد أهداف ثورته تتباعد ومقدرته الشرائية تتدنى إلى أسفل درجات التحمل ،وهو ما يتوجب على الحكومة تغيير خطابها معه للمرور من الوعود و التخفي وراء «أعداء الثورة» و«المتآمرين» على البلاد لتبرير ما حصل، واعتماد خطاب المصارحة والمسؤولية تحقيقا للاستقرار المنشود.