من المتعارف عليه في فقه السياسة أن اختيار الشعب لممثليه يقوم على « عقد سياسي واجتماعي أساسه الصدق» بالمفهوم العملي السياسي المدني لا بمفهومه الأخلاقي العام أي شفافية التمثيل وتبليغ مشاغل الناخب ومطلبه من جهة، ومصارحته بالحقائق ومعطيات الواقع من جهة ثانية. ومن المعروف كذلك إن معطيات الواقع الاقتصادي والسياسي ليست ثابتة، بل هي في تحول مستمر نتيجة للتفاعلات والضغوط الداخلية والخارجية مما قد يجعل الوفاء بالوعود الانتخابية وتنفيذ المشاريع التنموية «موضوع العقد الانتخابي « متعذرا إما جزئيا أوكليا، إضافة إلى احتمالات الوقوع في الخطإ الذي هو من لوازم الممارسة، فالذي لا يخطئ هو الذي لا يمارس ويكتفي بالوقوف على الربوة.
وفي هذه الحالة يجد النائب نفسه في مفترق طريقين..إما تغطية الحقائق وإخفاء التحديات والتهديدات وانتهاج سياسة التطمين والإيهام والهروب إلى الأمام أو اتخاذ القرار الشجاع بالمصارحة والاعتراف بالخطإ ونقد الذات.
فأين تتنزل الممارسة السياسية لدى حكامنا ونوابنا في المجلس التأسيسي؟
إن المتابع للوضع السياسي العام للبلاد يلاحظ أن ثقافة النقد الذاتي مفقودة لدى سياسيينا فبعضهم تتعلق به قضية سوء تصرف في الملك العام و«استعمال غير قانوني للسيارة الوظيفية» فإما أن يصمت أوأن يطلع علينا في وسيلة إعلامية محاولا تبرير خطئه عوض الاعتراف به والاعتذار عنه.
والبعض الآخر وهو يمثل أعلى هرم السلطة تتضارب قراراته في ملفات عالية الأهمية «ملف تسليم البغدادي المحمودي وإقالة محافظ البنك المركزي» ولا احد من هؤلاء يعترف بخطإ أو مسؤولية فيما حدث بحيث تضيع الحقيقة وتلملم بدعوى الحفاظ على وحدة القرار السياسي.
أما الملف الأهم في كل هذا فهو حجب الحقائق المتعلقة بالتنمية الجهوية والتشغيل خاصة وقد بدأ ينفد صبر الجهات المحرومة والمعطلين الذين بدأوا يتساءلون حول حقيقة الميزانية المرصودة في هذا الغرض وأجال تنفيذ المشاريع الموعودة.
فأي الطريقين ستختار الحكومة في هذه المرحلة الحرجة والحاسمة.. طريق المصارحة على ما فيه من مرارة وصعوبة واحتمالات لزعزعة ثقة الشعب في قيادته؟ أو المضي في الطمأنة وتغطية الحقائق مما قد يؤدي إلى ردود فعل غير محمودة العواقب على المدى المتوسط والبعيد.