الحرب على غزّة تراجيديا بكلّ مقاييس ومكوّنات التراجيديا، هي تراجيديا لأن شعبا ضعيفا أعزل يُقتّل بأبشع الطرق وأشدّها تقدّما وتفنّنا في الإبادة ويدفع أطفاله تحت أنقاض بيوته التي لا تنفك تقصفها أحدث طائرات القتال. وهي تراجيديا لأن هذا الشعب المصاب في أرواح أبنائه وممتلكاتهم إنما لا يريد غير حقه ولا ينشد غير استرداد أرضه المسلوبة. وهي تراجيديا لأن إخوة بين ظفرين هذا الشعب الغزاوي من الخليج الى المحيط لا يقدرون له شيئا غير المشاعر الفيّاضة والخطابات الحماسية الرنانة رغم كل ما يمتلكه هؤلاء «الاخوة العرب» من عُدّة وعتاد وأموال.
وهي تراجيديا لأن أقوياء هذا العالم لا يريدون أو لا يستطيعون فعل شيء لهذا الشعب القتيل. فأما الولايات المتّحدة الامريكية فإن رئيسها الذي أعيد انتخابه برّر هذا العدوان السافر على غزة بحجّة حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها مبرّءا بذلك المعتدي الصهيوني ومثبتا لمن بقي له بعض الشك أن لا فرق بينه وبين سلفه جورج والكر بوش لأن هذا الأخير لم يكن على الأقل يخدع الناس بوعود وكلام معسول. ولا نحتاج هنا لذكر الاتحاد الأوروبي فقد أعلن عجزه عن التدخّل منذ سنين وهو يكتفي اليوم بدعوة اسرائيل وحماس الى «التعقّل وضبط النفس» مسويّا بذلك بين الباغي والضحيّة.
وهي تراجيديا لأن هذه الحرب هي حرب رجل نتانياهو يريد بها تحقيق أهداف سياسية وحصد أصوات الناخبين الاسرائيليين عندما يحين موعد الانتخابات بعد حوالي شهرين ونصف الشهر وتكون حينها الآلة العسكرية الصهيونية قد أنهت «المهمّة» وقتّلت ودمّرت في غزّة الشهيدة ما يكفي ليجعل من الوزير الأول الاسرائيلي بطلا يستحق أن يُنتخب لمدة جديدة.
وهي أخيرا تراجيديا لأنها تزيد من توسيع الفرقة بين أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وترهن مستقبله كشعب واحد له الحق في دولة مستقلة حرة موحّدة. فإلى متى هذه التراجيديا؟