الإيقافات الأخيرة واقتحام دار المحامي: الدستوري الحر يُبدي موقفه    عاجل/ الممثل القانوني لإذاعة الديوان يتلقى استدعاء للمثول امام فرقة الأبحاث    رئيس الجمهورية يأذن بإحالة ملفات الشهائد العلمية المدلّسة على النيابة العمومية    وزير الفلاحة: مؤشرات إيجابية لتجربة الزراعات الكبرى في الصحراء    بنزرت: ضبط ومتابعة الاستعدادات المستوجبة لإنجاح موسم الحصاد    قفصة: الإذن بإيقاف شخصين من دول إفريقيا جنوب الصحراء من أجل شبهة القتل العمد مع سابقية القصد    صادم: سائق 'تاكسي' يعتدي بالفاحشة عل طفل!!    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    البنك التونسي ينفذ استراتيجيته وينتقل الى السرعة القصوى في المردودية    كأس تونس: برنامج النقل التلفزي لمواجهات الدور ثمن النهائي    إتحاد تطاوين: سيف غزال مدربا جديدا للفريق    سرحان الناصري : ''تونس بلاد يطيب فيها العيش و دار المحامي ليست حصنا''    المحامي : تم حجز هاتف و حاسوب مراد الزغيدي    قرطاج: القبض على أجنبي من أجل التبشير بالديانة المسيحية    رئيس لجنة الصحة: مشروع قانون المسؤوليّة الطبيّة سيعرض قريبا على أنظار جلسة عامة    عاجل/ حادثة 'حجب العلم': توجيه تهمة التآمر ضد هؤلاء    سيدي بوزيد: توقّعات بارتفاع صابة الحبوب بالجهة مقارنة بالموسم الماضي    المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات: الشركة التونسية للبنك تدعم مقاربة الدولة للأمن الغذائي الشامل    من هو وزير الدفاع الجديد المقرب من فلاديمير بوتين؟    الديوانة التونسية تضرب بعصا من حديد : حجز مليارات في 5 ولايات    عاجل : الكشف عن وفاق اجرامي يساعد الأجانب دخول البلاد بطرق غير قانونية    بطولة فرنسا :تولوز يهزم باريس سان جيرمان 3-1    تصفيات أبطال إفريقيا لكرة السلة: الإتحاد المنستيري يتأهل الى المرحلة النهائية    مصر تسعى لخفض الدين العمومي الى أقل من 80% من الناتج المحلي    عاجل/ قوات الاحتلال تنفذ حملة مداهمات واعتقالات في عدة مناطق بالضفة الغربية..    إيران تعلن عن مفاوضات لتحسين العلاقات مع مصر    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية تاريخية    5 جامعات تونسية تقتحم تصنيفا عالميا    صفاقس: فتح تحقيق اثر وفاة مسترابة لشاب بطينة    تفاصيل جديدة بخصوص الكشف عن شكبة إجرامية دولية للاتجار بالمخدرات..#خبر_عاجل    مغني الراب سنفارا يكشف الستار : ما وراء تراجع الراب التونسي عالميا    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مسؤولة بالستاغ : فاتورة الكهرباء مدعمة بنسبة 60 بالمئة    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    رئيسة لجنة الشباب و الرياضة : ''لم تحترم الوزارة اللآجال التي حددتها وكالة مكافحة المنشطات ''    نائبة بالبرلمان : '' سيقع قريبا الكشف عن الذراع الإعلامي الضالع في ملف التآمر..''    راس الجدير: ضبط 8 أفارقة بصدد التسلل إلى تونس بمساعدة شخص ليبي..    بطولة ايطاليا: تعادل جوفنتوس مع ساليرنيتانا وخسارة روما أمام أتلانتا    طقس الاثنين: أمطار متفرقة بهذه المناطق    أرسنال يستعيد صدارة البطولة الإنقليزية بفوزه على مانشستر يونايتد    نتنياهو: نناقش "نفي قادة حماس.."    بين الإلغاء والتأجيل ... هذه الأسباب الحقيقة وراء عدم تنظيم «24 ساعة مسرح دون انقطاع»    المالوف التونسي في قلب باريس    مصر: انهيار عقار مأهول بالسكان في الإسكندرية وإنقاذ 9 أشخاص    دربي العاصمة 1 جوان : كل ما تريد أن تعريفه عن التذاكر    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مئات الحرائق بغابات كندا.. وإجلاء آلاف السكان    وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنات أفكار : بختي وإخوته: قصّة موت معلن !
نشر في الشروق يوم 20 - 11 - 2012

حين كان أحد أئمّة السلفيّة يستعرض خطّته في «مناصحة» الغلاة ومحاورتهم بين يدي رئيس الجمهوريّة المؤقّت وضيوف (حوارات قرطاج)، كان المشيّعون عائدين من جنازة الشابّ «محمد بختي» الذي أسلم الروح عقب إضراب جوع وحشي تواصل إلى ما يفوق الخمسين يوما في السجن المدني بالمرناقيّة. وبموته الفاجع، يلتحق «بختي» برفيقه «البشير القلّي» الذي فارق الحياة قبله بيوميْن لنفس الأسباب.

أمام حدث الموت، ليس أبشع عندي من شماتة ذوي النفوس الواهية في موت الموقوفيْن المحسوبيْن على السلفيّة إلا صفاقة من خرج من قمقمه مطالبا بدم «بختي» ودم أخيه مّمن «حرّض على السلفيّة صباح مساء». تبّا للسياسة حين تعني الركوب على الموجة، وتشتبه بالقبح والربح والشطارة والتجارة !

نعم. أمام حدث الموت، وبهذا الشكل الفاجع القاسي ليس أمامنا إلاّ الخلاصة التالية: مازال التونسيّون، بعد الثورة، يموتون برصاص وطني. مازالوا يموتون تحت التعذيب. ومازالوا يموتون وهم يخوضون إضرابات الجوع. أجل. ولقد صار التونسيّون من الشعوب التي يموت فردٌ فيها دهسا أو سحلا تحت الأقدام !

لا وقت لتسجيل هدف في مرمى الخصم. لا كلام الآن إلا الإقرار بأنّ شابّين من شبابنا قد ماتا جوعا في تونس الثورة، وأنّ هذا الموت - فضلا عن كونه مأساويّا - هو مجّاني في كلّ الأحوال. عندما يتّهم من في الحكومة أو من يناصرها المعارضين وأصحاب الرأي بأنّهم مَن جيّش ضدّ السلفيّين صباح مساء وأنّ موت الشابّين في سجن الإيقاف في رقبة هؤلاء «المحرّضين» فاعلمْ أنّ هذا الّلغو لا يليق بالموت، بل ولا يليق، أيضا، بأخلاق السياسة. الدولة تُنْفِذ القوانين على الجميع وتحتكر، وحدها، تلك السلطة بحكم دورها وصميم وظيفتها لا أخذا بالخاطر أو لسواد عيون زيد أو عمرو. وحين ينبري بعض تجّار الموت إلى مهاجمة كلّ صاحب رأي أو قلم حذّر من العنف ومن التعصّب - وهما منسوبان إلى حدّ اللّحظة إلى السلفيّة – مطالبا بديّة «القتيليْن» فاعلم أنّ هذا هو العيّ والهراء والانتهازيّة والمِراء.

أمام موت «بختي» ورفيقه ليس لنا إلاّ أن نلتقط الرسالة والعبرة. الرسالة مُلِئت نقاطَ استفهام وفراغات والعبرة شابها غموض والتباسات: لماذا مات «بختي» ورفيقه؟ من الذي قادهما إلى هذا المصير الحزين؟ أيّ فكر يحمل معتنقيه على طلب الموت والشوق إليه؟ هل يمكن الحديث عن كسب من موتهما؟ ماذا ربح أشياعهما وأنصارهما وقادتهما بهذه «الشهادة»؟ ماذا تحقّق لتونس ولشعبها؟
ما يجِد الشهيد من القتل إلاّ كما يجد أحدكم من مسّ القرصة! إقرار خلّفه «عبد اللّه عزّام» أحد قادتهم أيّام الجهاد الأفغاني. ولكنّ ميتة هذيْن الشابّيْن تحت سقف الوطن لا علاقة لها بالجهاد ولا بالشهادة ولا بدفع الصائل ولا بعمل غلام الأخدود، أيضا.

«بختي» ورفيقه قتلتهما عدميّة بعض صُنّاع الموت. من على المنابر، دعوهم يومَ الزحف إلى السفارة الأمريكية عقب الفيلم المسيء. ثمّ أدبروا عنهم، وتنكّروا، وعابوهم بفرط الحماسة والغلوّ في الغَيرة والحميّة.
أتّهم كلّ منْ زيّن لهما ولإخوتهما أفعالهم، ووسّع لهم في الطريق، وأشعرهم بأنّهم فوق المساءلة نكاية في الخصوم. وعند أوّل محنة تأتي، هذه المرّة، من تلقاء الولايات المتّحدة تركوهم سُدى!

من قتل «بختي» ورفيقه هي العدالة العمياء تُقبل وتُدبر بلون الحرباء. عدالة تلاحق أدوات التنفيذ من القواعد والشباب المغرّر به، وتغضّ الطرف عن الرؤوس المدبّرة والمحرّضة. وبهذا التهافت والتردّد، ينتفي عن العنف طابعه المنظّم والممنهج، ويستحيل مجرّد تصرّفات فرديّة معزولة.

لم يٌرفَع القلمُ عن «بختي» وإخوته. لا ولستُ من القائلين بإعفائهم من الملاحقة القانونيّة بحجّة أنّهم سفهاء غير راشدين ! معاذ الله. ولكنّي أدين المكاييل المزدوجة والعرجاء. لقد جرت التحقيقات مع الموقوفيْن المتوفّييْن - رحمهما اللّه - على خلفيّة رسائل يقال إنّها كانت بينهما وبين زعيم «أنصار الشريعة» «أبو عياض» وتضمّنت تعليمات وتوجيهات منه للزاحفين على السفارة الأمريكيّة. غير أنّ العدالة شاءت أنْ تُلقى بالشابّيْن وبعشرات المتّهمين بالاعتداء على السفارة وبنهب المدرسة الأمريكية في السجن ولمدة تفوق الشهرين بلا محاكمة فيما ينعم المدبّرون بالحرّية. ومن منبر إلى منبر، يستمرّون في التصدّي للخطابة وفي إعداد قوافل «الشهداء» !

الصمت، أيضا، أحد الجناة في قضيّة الحال. مرّ إضراب هؤلاء الشباب الموقوفين طيلة ما يزيد عن الخمسين يوما في الصمت. لم يتحدّث عنهم الإعلام، ولا فزعت إليهم جمعيّات المساجين وحقوق الإنسان.
«بختي» ورفيقه قتلتْهما الغفلة والهُوينى. لو أنّ النيابة العموميّة ثمّ القضاء تصرّفا، منذ البداية، بحزم ومبدئيّة ضد أعمال العنف السلفي أو المحسوبة على السلفية لما استفحل الأمر. لو أنّ النيابة والقضاء لم يتركا أصحاب الأعمال العنيفة بلا عقاب لما مات الموقوفان. مِن تمام حقوق الإنسان، أيضا، عقابُ الجانح والمجرم والجاني. والعقاب – في أحدث التشريعات المدنيّة - جزء من منظومة الإصلاح. لقد حمل «محمّد البختي» السلاح في «سليمان» سنة 2006، ثمّ تمتّع بالعفو التشريعيّ العام بعد 14 جانفي 2011. ومن بعدُ، قاد ورفاقه «اعتصام النقاب» في كلّية الآداب بمنّوبة. اعتصام أغلقت بسببه الكلّية في وجه آلاف الطلاّب لأكثر من شهر. ولكنّ «بختي» لم يوقَف ولم يقاض بانتظار الجرم المشهود. حادثة السفارة الأمريكية كانت، في عين العدالة، ذلك الجرم. لو تمّ إنفاذ القانون مبكّرا وفي أوانه ما كانت هذه النهاية الحزينة والمأساويّة.

خللٌ ما في النظريّة والتطبيق قاد «بختي» ورفيقه إلى هذا المصير. هو نفسه كان يتصوّر أنّ إدارة السجن والأطبّاء سيبدون من الحرص على حياتهما ما يبعد عنهما شبح الموت البطيء. ورغم ذلك، كان يوصي رفاقه المضربين عن الطعام باليقظة. برهةٌ زائدة في إضراب الجوع قد تؤدّي إلى فقدان الوعي والدخول في العتمة. للأسف، هذا ما وقع بالضبط: الموت الخطأ في الزمان الخطإ والمكان الخطإ.
رحمهما اللّه !
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.