يسجل مكتب التشغيل بولاية القيروان نحو 12 ألف عاطل عن العمل، منهم 8 آلاف من أصحاب الشهائد العليا.. مقابل ذلك تتعالى الأصوات مطالبة بالتنمية وبتوفير مواطن شغل رغم أنه توجد مشاريع معطلة بسبب نقص اليد العاملة.. فما الحكاية ؟ تستقطب آلية الحضائر والآليّات الظّرفية عددا كبيرا من طالبي الشغل. وتتحدّث جهات عن استحواذ «الحضيرة» على نسبة عالية من اليد العاملة. وتسبّبها في اختلال التّوازن بين العرض والطّلب في سوق الشّغل. فقد تتالت التّشكّيات من نقص اليد العاملة في قطاع البناء والعمل الفلاحي واليد العاملة الصناعيّة والخدمات والحرف. في الوقت الذي تتعالى فيه الاصوات المطالبة بالتشغيل. فأي شغل يقصد المعطلون وأي نقص يتحدّث عنه الأعراف.
ومنذ أيّام احتجّ العشرات من عملة الحضائر على عدم صرف رواتب شهر سبتمبر 2012. تبيّن أن سبب قطع المرتّبات هو التفطّن لعدد من هؤلاء، يملكون سجلاّت تجاريّة.
وقد عمدوا الى توقيفها لضمان استمرارهم في الحضيرة. وتخلوا عن أعمالهم في القطاع الخاصّ، بحثا عن «وظيفة».
تأخّرت أشغال توسعة المعهد العالي للفنون والحرف بالقيروان. كان يفترض أن يكون التّسليم في شهر جويلية وفق توضيح كاتب عام جامعة القيروان علي السّالمي. لكن المشروع تعطّل بسبب تعذّر المقاول بنقص اليد العاملة. وهو نفس التبرير الذي قدّم في بيان سبب تأخّر إحداث المركب الجامعي.
ويتداول المقاولون الحديث عن تهرّب الشبان والكهول من العمل في حضائر البناء. الصّحبي (موظف) قال إنّه شرع في بناء مسكنه لكنّ رغبته في إتمام الأشغال بسرعة، اصطدمت بنقص اليد العاملة. ولم يعثر على عمّال بشكل مسترسل.
في قطاع الفلاحة، يجد الفلاحون صعوبة في توفير اليد العاملة الفلاحيّة. وفي جلسة الإعداد للموسم الفلاحي، حذّر المولدي الرمضاني رئيس اتحاد الفلاحة بالقيروان، من نقص اليد العاملة الفلاحيّة.
وتحدّث عن تسبّب «الحضائر المفتوحة» في استقطاب اليد العاملة. متحدّثا عن عزوف من قبل الشبّان في مزاولة النّشاط الفلاحي. وقد تكرّرت أزمة اليد العاملة الفلاحيّة هذا الموسم.
البحث عن مختصّين
يطالب أبناء القيروان بالتّنمية وتوفير مواطن شغل. وينتظر أن يتمّ في القيروان إحداث 300 مشروع. وتحتاج إلى يد عاملة. في مقابل المطالبة بإحداث مؤسّسات تشغيليّة، سيكون من الغريب الحديث عن نقص في اليد العاملة.
عادل السّبوعي، صناعي ورئيس الغرفة الصناعية بالاتحاد الجهوي للصناعة والتّجارة، أقام مشروعه في المنطقة الصّناعيّة بالباطن. تعاقدت معه بلديّة القيروان من أجل صناعة 60 حاوية نظافة. لكن لم يتمكّن من صناعتها. فاشتكت البلديّة من بطء التسليم وقرّرت التعاقد مع مؤسّسة في العاصمة. ويبرّر السّبوعي سبب التأخير بنقص اليد العاملة. وقال إنّه اتّصل بالمكتب الجهوي للشغل بالقيروان ونشر عرض الشّغل، لكن لم يأته أيّ جواب. وهو يرغب في انتداب مهندسين في الميكانيك وتقنيين سامين في اللّحام الصّحّي.
رضا الزّهاني مدير مركز التكوين الفلاحي بالوسلاتية تحدّث عن ضعف الإقبال على مركز التّكوين. وأشار إلى حاجة مراكز التّكوين المهني إلى تأهيل وإلى دعم. والى مزيد الإهتمام من قبل وزارة التّكوين المهني والتّشغيل. وهي نفس الفكرة الّتي عبّر عنها مصطفى الجوّادي مدير مركز التكوين والتّدريب بحفوز (القيروان) الذي تحدّث عن غياب المبيت وغياب وسيلة نقل خاصة بتلاميذ المركز وهو ما نفر الشبان، رغم أهمية التكوين.
النائب في المجلس التأسيسي رمضان الدغماني عبّر في تصريح ل«الشروق» عن عدم قناعته بآليّة الحضيرة. وقال إنّ الدّولة تخصّص لعملة الحضائر أكثر من 100 مليون دينار شهريّا. كما تبيّن أنّ عمليّة الانتداب طبعتها بعض التّجاوزات. وهناك تشكّيات من انتداب عمّال حضائر هم في الأصل يعملون في الخارج.
موضوع «اليد العاملة» يختلط فيه ما هو سياسي بما هو اقتصادي. المعارضة تتحدّث عن غياب مواطن الشغل وغياب التنمية والحاجة إلى إحداث مؤسّسات صناعيّة في القيروان. والأطراف الحكوميّة تتحدّث عن نقص اليد العاملة المختصّة والتهافت على آليّة الحضيرة.
وقد تحدّثت وسائل إعلاميّة عن طلب تقدم به رجال أعمال من أجل السّماح لهم بتوريد اليد العاملة. وترى كوثر العيادي، أنه لا يعقل لأصحاب الشهائد العليا أن يشتغلوا في الفلاحة وفي المصانع، وتعتبرها إهانة في حق شهائدهم العلميّة.
آلاف بلا إنتاجيّة؟
النّائب في المجلس التّأسيسي محمود قويعة (حزب النهضة) تحدث في خطاب علت فيه نبرة صوته عن «فساد منظومة الحضائر التي تسبّبت في إفراغ القطاعات الحيويّة من اليد العاملة مقابل غياب الإنتاجيّة».
واعتبر الحديث عن نقص اليد العاملة المختصة في مجال البناء والفلاحة والحرف والاختصاصات الصّناعيّة مقابل التهافت على آلية الحضيرة من شأنه أن يتسبّب في اختلال التوزان بين العرض والطلب لسوق الشغل. وأشار إلى أن المعطلين عن العمل يطالبون بالعمل في الحضيرة لكون مرتبها مضمونا لكنه قال إنّ معظم عمال الحضائر لا يشتغلون. وتحدّث عن مؤسّسة يتوفّر بها ألفا (2000) حارس يشتغلون على حساب الحضيرة. كما تحدّث عن وجود 44 سائقا مسجّلين للعمل على متن جرّار واحد !
وفي المقابل، يتواصل الطلب على الشغل وهو ما يعتبر معضلة. واعتبر قويعة «إنّ البلاد مهدّدة بالغرق بسبب عدم احترام قيمة العمل، والحصول على مرتّبات من الدّولة دون تقديم المردوديّة المطلوبة. وقال «من حق العاطلين مطالبة الحكومة ومن واجبها أن تفي بمطالب الشّعب ولكن أيضا من واجب المواطنين أنّ لا يضيّعوا فرص العمل المتوفّرة». داعيا إلى «خدمة البلاد بصدق».
المطلوب من الحكومة الحاليّة ومن مختلف القوى الفاعلة إيجاد حلول عاجلة للأزمة. لأنّه من المخجل أن تستورد بلاد المليون عاطل عن العمل، 100 ألف من اليد العاملة المختصّة. ومن المخجل الحديث عن ثورة دون الحديث عن بناء وعن عمل وعن إنتاجيّة. خاصة وأنّ المشاريع المعطّلة هي من بين مطالب التنمية ومن شانها فتح فرص إضافية للتشغيل. هناك مسألة لابد من مراجعتها وهي الأجور التي تقدمها بعض الشركات إضافة إلى هشاشة عقود العمل وطرد العمال.