"مواطن الشغل متوفرة بالبلاد"، على حد قول أحد المواطنين وأيضا عدد من المسؤولين كذلك أصحاب الأعمال والمصانع والحضائر الفلاحية وغيرهم، ولكن الإحصائيات الأخيرة حول ارتفاع نسبة البطالة تتعارض مع هذا الموقف آلاف من "البطّالة" وفي المقابل أيضا الآلاف من مواطن الشغل في قطاعات حيوية كالمقاولات والبناء والصناعة والتصنيع والفلاحة دون يد عاملة. معضلة كبيرة وإشكالية جوهرية تدفع إلى التساؤل عن الحلول وبدرجة أولى عن الأسباب والحيثيات عن هذا الإرتفاع وعن التناقضات التي أضحت تسيطر على المشهد اليومي التونسي، فالشكوى من جهتين، "البطال" يتذمر من "البطالة" والمشغلين "يعانون من نقص في اليد العاملة" وبين هذا وذاك يبقى البحث عن الحلول مشكل في حد ذاته فإما اللجوء إلى اليد العالمة الإفريقية كلف الأمر ما كلف أو الإنكباب بمكاتب المسؤولين والسلط المعنية لإيجاد حلول عاجلة على غرار إنقاذ صابة الزيتون من الهلاك. "الصباح" حققت في الموضوع وتجولت بين حضائر البناءات والمقاولات الكبرى كما اتصلت بالعديد من الأطراف وبحثت بين الإحصائيات والأرقام، فكان التقرير التالي: إحصائيات وأرقام المتمعّن في الإحصائيات والأرقام سواء الصادرة عن وزارة التكوين المهني والتشغيل أو عن المعهد الوطني للإحصاء الذي أصدر مؤخرا نشرية إحصائية خاصة بالتشغيل والبطالة للثلاثي الثاني 2012، يستنتج أن نسبة العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد العليا البالغة 26.6 % تقل عن نسبة العاطلين عن العمل مستواهم تعليم ثانوي وابتدائي ودون ذلك (لاشيء) البالغ مجموعها إلى حدود ماي 2012 حوالي 40 % من جملة 17.6 % من نسبة البطالة، وللسائل أن يتساءل إذن ألا تفي هذه النسبة لسد الشغور من اليد العاملة بالقطاعات الحيوية. الإجابة واضحة في ذهن الكثيرين، فحسب عثمان الكراي مواطن تونسي، " مواطن الشغل متوفرة بالبلاد لكن العاطلين عن العمل وخاصة الذين ليس لديهم اختصاص مهني يخيرون الجلوس بالمقاهي أو الترصد للقيام بأعمال مشبوهة للحصول على بعض الأموال وتماشيا مع توجهات بعض الأحزاب السياسية التي تطالب الحكومة بالتشغيل" مضيفا "أصبح الشاب البطال يصرّ على تشغيله في المؤسسات العمومية أو الحكومية ويرفض الشغل بالقطاع الخاص بحيث أن العديد من المؤسسات الخاصة تعاني من فقدان اليد العاملة التونسية فتضطر إلى "استيراد" العمال الأفارقة بطرق لا قانونية لتذليل صعوباتها في مجال انتداب اليد العاملة وضمان الإنتاج والإنتاجية رغم أن التشريع التونسي لا يسمح بتشغيل الأجانب". أي إطار قانوني؟ وهنا مربط الفرس، فقد لاحظت "الصباح" في جولتها بعدة حضائر بناء ومشاريع مقاولات بتونس الكبرى تشغيل أفارقة لا يتواجدون فقط بهذه الاماكن، وإنما أيضا ببعض المقاهي والمطاعم ومحطات البنزين وغيرها وان لم تكن بالكثافة التي رصدت "بشوانط البناء"، علما وان اجرتهم اليومية تتراوح بين 15 و18 دينارا. ولكن تحت أي إطار قانوني يشتغلون وما أسباب تواجدهم؟ "رولان"، "جون فرانسوا"، "كوفي" وغيرهم تتراوح أعمار بين 18 و25 سنة من الكوت الديفوار، منهم، على حد قولهم، طلبة ومنهم من جاؤوا كلاعبين بأندية رياضية صغيرة، تخوف شابهم عندما تحدثت إليهم "الصباح" ولكنهم مضطرون حتى وان كانوا طلبة للعمل، ولكن ما الذي يجبر أصحاب الحضائر على تشغيلهم. الإجابة كما راجت وانتشرت نقص في اليد العاملة وان لم نقل "انقراضها" كما عبر "الشاف شانطي" (طلب عدم ذكر اسمه) باحدى حضائر البناء بأريانة الجديدة حيث قال "مستعد لتشغيل العشرات يوميا فالعمل متوفر وسنحتاج في هذا المشروع إلى المئات في المرحلة الأخيرة ولكن في المقابل عجزنا عن ذلك بالرغم من اتصالنا بوالي الجهة الذي لم يبخل علينا ببعث المئات منهم لم يبقى منهم سوى 3 % رافضين الأجرة التي قُدمت إليهم فلن يرضوا بأقل من 600 دينار شهريا وبصفة قارة وهو ما جعلهم يلتجؤون إلى الأفارقة المتهافتين على العمل وفي نفس الظروف". هذه الحضيرة لاحظت بها "الصباح" تواجد الأفارقة أكثر من العمال التونسيين، نفس الإشكالية مطروحة بحضائر أخرى فمن بين ثلاثين عاملا تونسيا يوجد ثمانية أفارقة من نفس الجنسية وهي الكوت ديفوار يعملون بمعدل يوم أو يومين في الأسبوع بالنسبة للطلبة وكامل أيام الأسبوع بالنسبة للبقية. عوائق ومصاعب حضائر في البناء تشهد تأخيرا كبيرا في التسليم بسب عزوف العمال التونسيين عن العمل وقلة اليد العاملة المختصة كما بين فهمي شعبان رئيس غرفة الباعثين العقاريين في اتصال هاتفي ب"الصباح"، مما انجر عنه مشاكل وتعقيدات على جميع الأصعدة بما في ذلك علاقة الشركة العقارية مع الحريف من جهة ومع البنوك من جهة أخرى. هذه المسألة أكدها من جهته شكري الدريسي رئيس جامعة المقاولين التونسيين ولكن في المقابل القطاع برمته يعيش في ظروف غير مهيكلة على جميع المستويات من ذلك تحديد الأجر الأدنى لليد العاملة وتقنينها وتطبيقها للتحفيز لجلب اليد العاملة مع ضمان التغطية الاجتماعية إلى جانب توفير مقومات السلامة المهنية والتكوين اللازم لهذا القطاع الذي يجب أن يتغير في محتواه وأساليبه وطرق التعليم به. يبدو ان هذه الإشكالية لا تنسحب على قطاع المقاولات والبناء فحسب، وإنما أيضا على مجال الفلاحة، حيث كان هناك عجز في توفير حاجيات موسم جني الزيتون 2012 - 2013 من اليد العاملة، فانعقدت جلسة عمل يوم الاثنين 12 نوفمبر الجاري للنظر في تحديد أوجه وآليات تدخل وزارة التكوين المهني والتشغيل في توفير اليد العاملة الضرورية لجمع صابة الزيتون التي تفوق 122 ألف عامل لمدة اربع اشهر، أكثر من41 ألف 700 منهم بالجنوب و36 ألف عامل بولايات الساحل و24 ألفا بالشمال و19 ألفا بالوسط. الحلول والإجراءات فما الحل للتقليص من حدة النقص في اليد العاملة في عدة مجالات حيوية؟ رأى كل من عثمان الكراي مواطن تونسي ونبيل بن مخلوف "شاف شانطي بحضيرة بناء"، أن الخروج من هذا المأزق قد يكمن في إصدار قانون يسمح بتشغيل اليد العاملة الأجنبية على أن تكون الأولوية لليد العاملة التونسية وبالتالي أمام "هذه الحلول قد يضطر الشباب العاطل عن العمل وخاصة من ليس لديهم اختصاص مهني للنهوض من سباتهم والاندماج في الحياة الشغلية" وزارة التكوين المهني والتشغيل رأت بدورها أن البحث عن محفزات من شأنه أن يشجع على الإقبال على جني الزيتون، وبين هذا وذاك تبقى جل هذه الحلول وقتية مرتبطة بظروف قاهرة لحل إشكاليات عاجلة وعاقلة وهي الحد من ارتفاع ظاهرة البطالة من جهة والحد من عزوف اليد العاملة المختصة من جهة أخرى وقد يكون توفير مقومات العمل اللائق من أبرز الإشكاليات العاجلة التي يجب أن توضع على طاولة نقاش الأطراف المعنية.