بعد نحو سنة من تجربة الحكم كيف يمكن تقييم الأوضاع داخل «الترويكا» وكيف تبدو العلاقة بين الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحاكم وأي أفق لاستمرار هذا الائتلاف إلى ما بعد هذه المرحلة الانتقالية؟ حركة «النهضة» تبدو راضية على تجربة الائتلاف الحاكم وحريصة على استمرارها حيث صرّح رئيس الحركة راشد الغنوشي مرارا بأنّها تجربة فريدة وضعت حجر الأساس للديمقراطية في تونس وأنه لا بديل عن «الترويكا» في الانتخابات القادمة.
تقييم إيجابي
واعتبر القيادي في حركة «النهضة» العجمي الوريمي أنّ الدخول في ائتلاف «الترويكا» كان خيار الأحزاب الثلاثة وليس خيار حزب واحد وكانت الأطراف الثلاثة مقتنعة بالعمل الجماعي وبضرورة إنجاح المسار بتوافق وبتضامن وبعمل موحّد داخل الحكومة وداخل المجلس التأسيسي ولم تنشأ حتى الآن أي أزمة في الائتلاف سواء داخل الحكومة أو داخل المجلس.
وتنفي حركة «النهضة» الاتهامات الموجهة إليها بأنها أحكمت سيطرتها على «الترويكا» وجعلت من حزبي التكتل والمؤتمر مجرّد تابعيْن لها، وهو ما ينفيه أيضا الحزبان المعنيان.
وفي اجتماع عقده مؤخرا بالمنستير أكّد التكتل أنّ قراره مستقل وأنه ليس تابعا ل «النهضة» لكنه دافع عن خيارات«الترويكا» وتوجهاتها في هذه المرحلة.من جانبه قال القيادي في حزب التكتل المولدي الرياحي إن تجربة الائتلافات الحكومية تجربة صعبة تستوجب الكثير من التنازلات والمجهودات.واعتبر الرياحي أن تجربة الحكومة الائتلافية في تونس مرضية إلى حد الآن وعلينا توفير الظروف الملائمة لنجاح مثل هذه التجربة» ، وأكّد الرياحي أن «التكتل» عازم على مواصلة التحالف في «الترويكا» رغم عدم رضاه على أدائها في بعض الملفات.
من جانبه اعتبر الناطق الرسمي للتكتل محمّد بنور أنّ «الترويكا» ائتلاف حكومي وليس ائتلافا حزبيا، فلكل حزب برامجه موضحا أن الائتلاف جاء لأن الوضع الذي أعقب الانتخابات والمرحلة الحالية لا يحتمل استقطابا ثنائيا ولا يحتمل الصراعات والتوتّر وبالتالي كان لا بدّ من المرور بفترة توافق لوضع البلاد على السكّة».وأوضح بنور أنّه في الانتخابات القادمة سيدخل كلّ طرف بصفة منفردة وأنه من السابق لأوانه أن نقول كيف ستتصرف الأحزاب بعد الانتخابات القادمة لأن التصرف يكون على أساس واقع سياسي.
وأكّد بنور أنّ المراقبين والمحللين في العالم يعتبرون أنّ تونس هي البلاد الوحيدة من بين البلدان التي شهدت ثورات التي تشهد انتقالا ديمقراطيا ويتميز فيها الوضع بالعقلانية وأنّ العنصر الأساسي في ذلك هو الائتلاف الذي حصل (الترويكا).
شروط وضوابط
أمّا المؤتمر من أجل الجمهورية فيبدي بعض التحفظات على أداء «الترويكا» ويضع شروطا لاستمرار التحالف وربما يستبعد تواصل تجربة «الترويكا» بعد الانتخابات المقبلة.
وأكد توزيرة المرأة وشؤون الأسرة والعضو في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سهام بادي أنه رغم العثرات الموجودة في ائتلاف الترويكا، إلّا أنها مع تواصل هذا الائتلاف ومع توسيعه مع قوى أخرى في مرحلة ما بعد الانتخابات.
وعبرت سهام بادي عن أملها في أن تتواصل تجربة الائتلاف في المرحلة المقبلة لكن بضوابط يكون فيها حزب المؤتمر طرفا أكثر فاعلية.وأوضحت الوزيرة قائلة «إذا أصبح الائتلاف خانقا لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية فلن يقلقنا الخروج منه».
وقد مثلت استقالة الوزير المكلف بالإصلاح الإداري محمد عبو الذي يتولى حاليا الأمانة العامة لحزب المؤتمر منعرجا في علاقة الحزب بحركة «النهضة» تحديدا حيث اتهم عبو آنذاك حركة النهضة بأنها لم تستشر شريكيها في الحكم في عديد القرارات والإجراءات التي اتخذتها واعتبر أن حزبه لا يمكن أن يتحمّل مسؤولية قرارات لم يستشر فيها .
وقال عبو مؤخرا إنّ مشاورات تجري لتعديل وزاري وتغيير طريقة تسيير شؤون الدولة مضيفا أنه «في حال عدم أخذ مقترحات المؤتمر بعين الاعتبار فان حزبه سيضطر إلى الخروج من الترويكا».
أية تداعيات؟
المحلل السياسي سالم لبيض اعتبر أن «التجربة السياسية المشتركة أماطت اللثام عما كان يعتقد انه اتفاق والتقاء في المواقف السياسية وبينت عمق الخلافات حولها، لكن ذلك قد لا يؤدي إلى تفكك الترويكا لأنها قائمة على تحالف بين النهضة والمؤتمر والتكتل، في حين أن المرزوقي لم يعد رئيسا للمؤتمر بل رئيسا للدولة، ومن هذه الزاوية لم يصدر من المؤتمر ما يشير إلى تقويض التحالف».
ورأى المحلل السياسي أن من الطبيعي أن تظهر التصدعات بين أطراف الترويكا لأن هناك قضايا خلافية في المستوى السياسي وهناك قضايا أخرى ستعمق الخلافات على مستوى الدستور.. وهذه المعطيات تجعل من إمكانية التواصل بين النهضة والمرزوقي كحلفاء أمرا عسيرا في حين يمكن للنهضة إن مارست تأثيرها على المؤتمر أن يبقى حليفها المؤقت إلى حين الانتهاء من صياغة الدستور».
وتبدو الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات فإذا ما فشلت «الترويكا» في توسيع الائتلاف الحاكم ستكون فرص استمرار التحالف الثلاثي قوية خاصة أنّ الأحزاب الثلاثة (النهضة والتكتل والمؤتمر) تتفق على أنّ حزب حركة «نداء تونس» ليس شريكا في البناء الديمقراطي وهو «حزب أعداء الثورة» حسب توصيفات بعض الاطراف في الترويكا وبالتالي فهو خصم للترويكا برمتها وليس لحركة «النهضة» فحسب وهذا ما يعزّز من احتمالات تمسك «الترويكا» بتحالفها.
أهم محطات «الترويكا»
وقّع رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي وأمين عام حزب التكتل مصطفى بن جعفر وأمين عام حزب المؤتمر من أجل الجمهورية المنصف المرزوقي عقب انتخابات 23 أكتوبر 2011 اتفاقا تمّ بموجبه توزيع الرئاسات الثلاث ووضع تصوّر مشترك للمرحلة الانتقالية الحالية وبرنامج اقتصادي واجتماعي لمواجهة تحديات المرحلة. 22 نوفمبر 2011 عقد المجلس التأسيسي أول اجتماع له وانتخب في الجلسة المسائية مصطفى بن جعفر رئيسا له. 12 ديسمبر 2011 تم انتخاب المنصف المرزوقي رئيسا للجمهورية 14 ديسمبر 2011 كلّف الرئيس المرزوقي أمين عام حركة «النهضة» حمادي الجبالي بتشكيل الحكومة الجديدة. 24 جوان تسليم رئيس الحكومة الليبي السابق البغدادي المحمودي إلى السلطات الليبية يُحدث هزة كبيرة داخل «الترويكا» بسبب أزمة الصلاحيات التي فجرت خلافات عميقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة قبل عقد لقاء بين المرزوقي والجبالي وتجاوز الأمر. 30 جوان 2012 شهدت حكومة «الترويكا» أول استقالة حيث أعلن وزير الإصلاح الإداري آنذاك محمد عبو استقالته موضحا أنّ أسباب الاستقالة هي أنّ حكومة الجبالي لم تستجب لطلبه في بعث لجنة لمراقبة الأداء الاداري ومقاومة الفساد. 27 جويلية 2012 أعلن وزير المالية حسين الديماسي استقالته، ولم يتم إلى اليوم تعيين وزير جديد للمالية حيث يتولى الوزير بالنيابة سليم بسباس إدارة شؤون الوزارة.