على عكس التوقعات تفاقمت ظاهرة اضرابات الجوع في تونس ما بعد الثورة الى درجة تبعث على التساؤل والاستغراب حول أسباب لجوء فئة واسعة من التونسيين الى هذا الشكل من التعبير على الرفض او المطالبة بالحقوق. لئن كانت هذه الطريقة من النضال مفهومة زمن القمع فما الذي يبررها بعد ان تحققت ارادة الشعب والغريب ان هذه الظاهرة لا تقف عند المساجين او السلفيين الذين فقدوا مؤخرا اثنين منهم بسبب تواصل اضراب الجوع لأيام كما لم تقف عند أصحاب المطالب الاجتماعية ولا عند الصحافيين بل شملت ايضا أطرافا من السلطة عند اعلان عدد من نواب الشعب عن انخراطهم في اضراب جوع في الفترة الماضية للمطالبة بإطلاق سراح شبان من سيدي بوزيد تم ايقافهم في احتجاجات المطالبة بالشغل والتنمية... وقد بلغت هذه الظاهرة أقسى حالات العنف اثر وفاة سلفيين اثر اضراب جوع عنيف تجاوز 50 يوما.. ومواصلة أكثر من 100 سجين اضراب الجوع في السجون فهل تحولت هذه الوسيلة التي اعتمدها المناضلون السياسيون في النظام السابق في تونس كآخر الحلول للدفاع عن حرياتهم الى وسيلة للضغط على القضاء أم أنها تعبير عن اليأس من تحقيق العدالة في ظل غياب قنوات الحوار بين السلطة والمواطن وأنها تعود الى فشل السلطة في علاج الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟ «الشروق» تحدثت عن تفاقم هذه الظاهرة في تونس ما بعد الثورة وبلوغها مرحلة خطيرة الى رئيس رابطة حقوق الانسان السيد عبد الستار بن موسى والى مختص في علم النفس الدكتور عماد الرقيق لتحليل أسباب وأبعاد انتشار هذه الظاهرة.
ذكر السيد عبد الستار بن موسى رئيس رابطة حقوق الانسان ان اضراب الجوع لا يجب ان يكون وسيلة ضغط على القضاء او التأثير على مجرى الأحداث لكنه مع ذلك ليس اثما بل حق وسلاح يلتجئ اليه المواطن حتى يعبّر عن مطالبه اذا لم يجد من يستمع اليه. وأضاف المتحدث «في اعتقادي على السلطة ان تفتح حوارا مع المضربين.
اضراب الجوع ليس إثما
لكني لا أتحدث عن مضربي الحق العام ومطالبهم المتمثلة في اطلاق سراحهم) علما وان الحق مكفول لجميع المساجين في محاكمة عادلة وفتح السجون أمام المجتمع المدني وفتح حوار مع كل الأطراف للمساهمة في تعليق اضراب الجوع او التخفيف من حدته (شرب الماء والسكر...) حتى لا يصل الى مرحلة ازهاق الأرواح.. ومن حق المضربين في السجون المطالبة بعدم تأخير محاكمتهم لمدة طويلة رغم ما يعيشه القطاع القضائي من نقص عددي كما يجب احداث اصلاح شامل في خصوص الايقافات العشوائية وسرعة البت في القضايا ومراجعة مجلة الاجراءات وذلك بضرورة القيام بفحوصات طبية للسجين في بداية ونهاية الاحتفاظ حتى لا يتعرض للتعذيب داخل السجون وتمكين المحتفظ به من محام عند الرغبة منذ ايقافه.
وأضاف مصدرنا انه من غير المعقول ان يلجأ بعض اعضاء التأسيسي لإضراب الجوع للضغط على القضاء لكنه يبقى من حقهم القيام بذلك ومن غير المقبول أن تغلق السلطة أذنها عن مطالب الناس إذ عليها أن تستمع إلى مشاغلهم وتصارحهم دون إطلاق وعود خيالية على غرار ما انخرطت فيه الأحزاب السياسي خلال الحملة الانتخابية.
وطالب المتحدث بإحداث صندوق بطالة وتمكين العاطلين من التعبير عن غضبهم واحتجاجهم سلميا وتكوين قنوات حوار بين كل الأطراف. وختم بن موسى إلى أن ارتفاع نسق إضرابات الجوع يعود أيضا إلى فشل السلطة في معالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية معالجة صحيحة وفي اشراك المجتمع المدني ككل في هذا الاصلاح لخير الوطن... وحمل محدثنا مسؤولية وفاة شابين إثر إضراب الجوع إلى كل فئات المجتمع السياسي والمدني لكن بدرجات متفاوتة...وختم بأنه من غير المعقول أن تغلق السجون في وجه المجتمع المدني خاصة وأن الرابطة طالبت بزيارة السجون منذ سنة ولم يسمح لها بذلك إلا يوم أمس. حالة يأس؟
وفي تحليل نفسي لشخصية التونسي ووصوله إلى أقصى حالات الاحتجاج ذكر دكتور عماد الرفيق (مختص في علم النفس) أن المضرب عن الطعام يصل إلى هذا الإجراء إذ وصل إلى حالة يأس من وجود حلول وقد يكون سقف طلباته أحيانا أعلى مما يوفره له الواقع كما أن الوضعية السياسية العامة وضبابية المشهد الاجتماعي وعدم وجود قنوات حوار أو إبلاغ الصوت والمماطلة في الرد على المطالب من الإدارة أو السلطة تقاطع مع نفسية التونسي التي أصبحت أكثر حدة وأكثر تطلبا من السابق والذي لم يعد يؤمن بالسلطة نتيجة تنشئته في وسط عشوائي وتفكك أسري...هذه الشخصية لا تلتزم بالقوانين والنظام والانضباط والليّن وهي علامات مشتركة لدى فئة الشباب والمراهقين مما يجعل رد فعله قاسيا وعنيفا حتى مع نفسه فهي نفسية مؤهلة «للإنفجار» وعنيفة لم تتعود على التفكير كل هذا جعل إضراب الجوع يصل إلى حدّ الوفاة.