التمديد في غلق موسم صيد الأخطبوط بشهر آخر    صفاقس: انطلاق موسم جني الزيتون يوم 29 أكتوبر الجا ري وسط توقعات بصابة قياسيّة تناهز 515 ألف طن    حجز أكثر من 11 طنا من الأغذية الفاسدة: وداعا «للإرهاب الغذائي» بداية من السنة الجديدة    النادي الافريقي يفوز وديا على موج منزل عبد الرحمان 3-1    بعد تهديد ترامب بنقل مباريات في المونديال.. الفيفا يعلق    المنستير : عروض فنية مختلفة وثرية في "أكتوبر الموسيقي" بالمنستير من 18 إلى 31 أكتوبر    جائزة «أبو القاسم الشابي» للأدب العربي .. 7 روايات تونسية في القائمة الطويلة من بين 20 رواية عربية    بهدوء: السّعادة في الوهم!    محمد بوحوش يكتب:صورة الأرامل في الأدب والمجتمع    صندوق الضمان الاجتماعي: تمديد أجل إيداع التصاريح بالأجور وخلاص الإشتراكات للثلاثية الثالثة لسنة 2025 إلى الاثنين 20 أكتوبر    هطول كميات متفاوتة من الامطار خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    انتبه: رياح قوية تصل سرعتها إلى 60 كم/س مع السحب الرعدية    الليلة ستشهد انخفاضا في درجات الحرارة    الوسلاتية: سرقة 39 رأس غنم على ملك شقيقين    القصرين تستقبل 27,500 دعسوقة    السعودية تطلق مشروع ''بوابة الملك سلمان'' لتحويل مكة إلى وجهة عالمية...شنوا الحكاية ؟    "لا معنى لوضع المعاهدات والصكوك الدولية في غياب الردع والمحاسبة"    المهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع" يفتتح دورته الثالثة من ولاية توزر    عبد المجيد بلعيد بعد صدور الإستئناف: أين ملف علي العريّض؟    مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس: إنقاذ طفل ال 12 سنة بعد تعرّضه لتوقف قلبي مفاجئ    باحث تونسي يتصدر قراءات العالم الأكاديمية ويحصد جائزة «Cairn / الفكر 2025»    في بالك : 15 أكتوبر هو اليوم العالمي لغسل اليدين ...شوف الحكاية كاملة    البرتغالي كريستيانو رونالدو يصبح الهداف التاريخي لتصفيات كأس العالم    بإشراف وزير الفلاحة ووالي جندوبة: خبراء يبحثون آفاق زراعة اللفت السكري    عاجل/ يهم التصاريح الجبائية: وزارة المالية تعتمد هذا الاجراء الجديد بداية من نوفمبر..    الإعلان عن مبادرة سياسية جديدة تحت عنوان "التزام وطني"    عاجل/ نشرة متابعة للوضع الجوي لبقية اليوم..أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ الجيش اكد انها ليست لرهائنه: ما قصة الجثة التي حيرت إسرائيل..؟    روسيا رداً على ترامب: إمدادات البنزين في السوق المحلية مستقرة    تركيا ترسل فريق "بحث تحت الأنقاض" إلى غزة    في ذكرى الجلاء .. مجلس نواب الشعب يحث على "الاقتداء بنضالات وتضحيات شهداء تونس"..    تنبيه/ هذا آخر أجل لإيداع التصريح الشهري و التصريح الثلاثي..    رئيس الجمهورية يشرف على موكب إحياء الذكرى 62 لعيد الجلاء    لأول مرة في التاريخ.. 7 منتخبات عربية في نهائيات كأس العالم    النادي الإفريقي يتعادل وديا مع النجم الخلادي    مستشفى الرابطة: يوم مفتوح لتقصي هشاشة العظام في هذا الموعد    نسور قرطاج في مواجهة قوية قبل كأس العرب: البرازيل والأردن في الطريق!    عاجل ولأوّل مرة في تونس: مشروع وطني لإنتاج أمهات الدواجن    مرصد الطقس والمناخ يُحذّر: المنخفض الجوي يقترب من الأجواء التونسية!    شنوّا صار في تونس نهار 15 أكتوبر 1963؟    رياض دغفوس: تسجيل حالات كوفيد-19 محدودة ولا تهدد النظام الصحي    بين الأسطورة والذكاء الاصطناعي: قصة جواز سفر من دولة لا وجود لها تهزّ الإنترنت    الزهروني : الاطاحة بعصابة السطو على المنازل    بداية من اليوم..انطلاق حملة التلقيح ضد "القريب"..    عاجل : أمريكا تلغي تأشيرات دخول ل6 أجانب من هذه الجنسيات    خلف القضبان.. ماذا ينتظر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي؟    ترامب: تحدثت إلى حركة حماس وطالبتها بالتخلي عن سلاحها ووافقوا وإذا لم يلتزموا سنتكفل بذلك    صندوق النقد الدولي يتوقع ان تبلغ نسبة النمو في تونس 2،5 بالمائة سنة 2025    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يجدد فوزه على نظيره العراقي وديا 3-0    غدا الاربعاء: الدخول مجّاني الى هذه المواقع.. #خبر_عاجل    تكريم الدكتور عبد الجليل التميمي في نوفمبر المقبل خلال حفل تسليم جائزة العويس للثقافة    عاجل/ بشرى سارة بخصوص صابة زيت الزيتون لهذا العام..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    وزارة التربية تصدر روزنامة المراقبة المستمرة للسنة الدراسية 2025-2026    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعليم بلا تربية ، وتربية بلا أخلاق؟
نشر في الشروق يوم 29 - 11 - 2012

كلّ الشعوب والأمم حريصة من خلال برامجها في مختلف مراحل التعليم على مقاربة نموذج لانسان ضمن اختيارات سلوكيّة استراتيجيّة، اذ لا تكفي المعرفة والمهارة عند التنشئة، بل لابدّ أيضا من التشبّع بمجموع قيم، تلك الّتي تفارق ايجابا بين الفرنسيّ والألمانيّ والأمريكيّ واليابانيّ والصينيّ، على سبيل المثال لا الحصر.

يتعلّم التونسيّ كلّ شيء، تقريبا ، فيحصل على معارف وعلوم شتّى، بل يحشى دماغه بالمعلومات طيلة أعوام التحصيل، ويبدأ في مضانكة الأدوات المدرسيّة يحملها وهو طفل على ظهره، ويقضيّ الساعات في الدراسة والدروس الخصوصيّة، ويستمرّ هذا الوضع على ما هو عليه في المرحلة الثانويّة، ويتأكدّ هذا المنهج التلقينيّ في التعليم العالي. والنتيجة ان طرحنا أسئلة على البعض من أبنائنا من مراحل التعليم الثلاث فاستخلصنا: قطيعة شبه كاملة بين المؤسّسة التعليميّة والمجتمع، وعدم التمكن من أيّ لغة، بما في ذلك اللّغة الأمّ (العربيّة) ونسيان المعلومات بعد اجراء الامتحانات مباشرة لكونها تحفظ للاستظهار بها ولا علاقة لها بالمحيط ومجرى الحياة اليوميّة، واستشراء ظاهرة العنف اللفظيّ والعضليّ وتفاقم هذه الظاهرة في الأعوام الأخيرة، ولنا في ساحات المدارس والمعاهد والكلّياّت وأمام هذه المؤسّسات أمثلة متعدّدة عن البذاءات التّي يلهج بها أبناؤنا وبناتنا على حدّ سواء، وغياب الفكر النقديّ والتسليم بالجاهز المعرفيّ، وتفاوت الفرص في النجاح ومواصلة التعليم الجامعيّ بين المنتمين الى عائلات غنيّة ومتيّسرة وبين أبناء العائلات الفقيرة بعد تراجع مجّانيّة التعليم وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصيّة والمحسوبيّة وغيرها، وبطالة حاملي الشهائد الجامعيّة الّتي أثّرت سلبا في طموح المتعلّم ودفعت الى اليأس والتمرّد داخل المؤسّسة التعليميّة وخارجها، بما شهدته الأعوام الأخيرة من انفلات وأحداث عنف داخل المدارس والمعاهد والكلّياّت.

انّ موادّ التدريس كثيرة متنوّعة والامكانات متوفّرة من أجهزة وغيرها مقارنة مع بلدان أخرى في محيطنا الاقليميّ والبعض من البلدان الأخرى في العالم. الأّ أنّ اللاّفت للنظر غياب الخطّة العامّة، تقريبا، عند طرح سؤال الغاية من التعليم الّذي هوسؤال تربويّ أخلاقيّ في الأساس والمرجع.

فما المقصود تحديدا بالتعليم التونسيّ بعد أكثر من خمسة عقود؟ هل يراد به التنشئة على حذق اللّغة الأمّ ولغة أخرى أجنبيّة فأكثر أم الضياع بين اللّغات؟ وهل «التونسة» تعني الجمع بين مراجع ثقافيّة شتّى باسم الانفتاح الى أن تضمحلّ أيّ صفة للتفرّد، بها يكون الاختلاف المخصب؟

لا شكّ أنّ البرامج التعليميّة في تونس خضعت لمدّة عقود للارتجال والتجريب المؤذي اقتداء بإصلاحات التعليم الفرنسيّ وأضرّت بأجيال، فكانت مزيجا من الرّوح الاصلاحيّة المشوّهة والتوجيه بفكر واحديّ اقتضاه حكم كلّيانيّ انتصر للدولة على المجتمع، وللحزب على الدولة، وللزعيم الأوحد على الحزب. فأدّت بأجيال الى تعليم بلا تعلّم، والى معارف مجتزأة بلا ثقافة، ودليلنا على هذا الواقع الكارثيّ من عزوف الكثرة الوفيرة من حاملي الشهائد عن المطالعة والاستهانة بثقافة الكتاب والاعراض عن المسرح والسينما ومختلف حقول الفكر والابداع الفنيّ وشبه اقفار دور الثقافة وهشاشة المجتمع المدنيّ...

كذا تعليمنا، الى حدّ هذه اللحظة، هوتعليم بلا تربية لأنّه لا يدعوالى قيم ثقافيّة واضحة بما هوتراثيّ متعدّد وبما هوحداثيّ مخصوص. وان نصّص على التربية عنوانا لما هومتداول تسمية فهويراهن ضمنا على ما يتعارض مع قيم الحريّة والمواطنة والهويّة بمطلق الأخلاق، لا بمخصوصها عند التفكير الجادّ في ممارستها لصالح نفع الفرد والمجموعة الّتي ينتمي اليها، بما يتجسّد واقعا.

فالاصلاح القادم المنتظر في ظلّ الوقائع الجديدة الّتي شهدها مجتمعنا التونسيّ لا يكون الاّ بمراجعة استراتيجيّة لعلاقة التعليم بالتربية، ومفهوم التربية بمختلف مراجعها السلوكيّة لتخليص الفرد (التلميذ والطالب) من حالة الازدواج حدّ الفصام وتعيين التخرّج بالفائدة والأخلاق بالعمل، والتفكير بالحريّة، والحريّة بالمسؤوليّة، والهويّة بوضوح النواة- الأصل والتعدّد والانفتاح والفاعليّة والابداع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.