جلسة عامّة يوم الاثنين المقبل لتوجيه أسئلة شفاهيّة لوزير الصّحة    لأول مرة في افريقيا: تونس تفتتح قسما لأورام العيون بمستشفى عمومي    التوقعات الجوية لهذه الليلة    الكاف: انطلاق فعاليات مهرجان مسرح الشارع في دورته السادسة    "حلوة" من ناصيف زيتون.. افتتاح صيف 2025 بأعمال فنيّة جديدة وشعار أكثر إشراقاً!    عاجل - المرسى : العثور على غسّان التونسي بعد اختفائه المفاجئ    قافلة الصمود لكسر الحصار عن غزة تصل إلى مصراتة وتنتظر رد القاهرة    تونس تحتضن المؤتمر الأول للصحة الواحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمشاركة 17 دولة و40 مسؤولا رفيع المستوى    أطفال موهوبون يشاركون في معرض فني يوم السبت 14 جوان بالمرسى لدعم جمعية مرضى داء الأبطن    تعزيزات لوجيستية وعلمية هامة لمدرسة علوم التمريض بجندوبة    طرق فعّالة لإزالة بقع الحبر من الملابس البيضاء باستخدام مكونات منزلية    تونسي تعيش في الخارج تحب تشري دار بالحاضر...تعرف على الخطوات    درصاف القنواطي وهدى عفين تمثلان التحكيم التونسي في كأس افريقيا للكبريات لكرة القدم المغرب 2025    ''الميكرووند'': شنيا يسخن فيه وشنيا خطير؟ دليلك الكامل للاستعمال الآمن    نابل: انزلاق حافلة صغيرة يسفر عن إصابة 9 أشخاص بجروح خفيفة    إستعدادا لمونديال كرة اليد: المنتخب الوطني للأواسط ينهزم وديا أمام منتخب الأكابر    يهم الترجي الرياضي: غيابات بالجملة في قائمة تشيلسي الإنقليزي المونديالية    عاجل/ رصد متحوّر كورونا الجديد في هذه الدولة..    كيف نجحت وزارة الصحة في الحد من أخطر موجات التسمم سنة 2024؟    عاجل/ مسيرة نصرة غزة: مصر توقف 200 ناشط من أميركا وأستراليا وأوروبا والمغرب والجزائر..    دار الثقافة السليمانية تنظم الدورة الثانية من مهرجان "في بلاد الأطفال" من 24 إلى 26 جوان 2025    الدورة الخامسة لمهردجان 'نظرات على الوثائقي' من 19 الى 21 جوان الجاري بمدينة الثقافة    جندوبة: وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية ياذن بفتح بحث تحقيقي اثر العثور على جثّة طفل باحدى البحيرات الجبلية    البكالوريا 2025: محطة فخر واعتزاز في مسيرة 13 عامًا من الجهد    الجزائر حاضرة بقوة في معرض صفاقس الدولي    الجيش الإيراني يبدأ سلسلة مناورات عسكرية مفاجئة    نابل: مؤشرات سياحية واعدة وعودة الأسواق التقليدية    تأجيل إضراب معهد صالح عزيز إلى يوم 18 سبتمبر 2025    عاجل - كارثة جوية في الهند: تحطم طائرة تقل 242 راكباً أثناء إقلاعها نحو لندن!    نفاد تذاكر مباريات ريال مدريد فى كأس العالم للأندية    عاجل/ انزلاق حافلة سياحية في قرمبالية..وهذه التفاصيل..    طفلة تفر من منزل والديها فحول وجهتها طفل واغتصبها !    ليبيا.. أهالي مصراتة يتوافدون لاستقبال قافلة "كسر الحصار على غزة"    تونس دون قطارات ليومين..    الوكالة الدولية للطاقة الذرية تصدر قرارا ضد إيران    كأس العالم للأندية: "كاميرا الحكم" لن تعرض الأحداث المثيرة للجدل    المنستير: عروض متنوعة في الدورة 13 لمهرجان محمد الحبيب ابراهيم للمسرح ببنبلة من 12 إلى 15 جوان    لا تفوتها ....معلومات مهمة عن كأس العالم للأندية 2025    الكاف: اليوم انطلاق موسم حصاد القمح الصلب والقمح اللين    عاجل: ''بورس'' ممولة بالكامل للطلبة التونسيين من 4 حكومات.. تعرف على الآجال، الشروط، والمستويات الدراسية    إعطاء إشارة الانطلاق لإعداد مخطط التنمية للفترة 2026- 2030 لقطاع التجهيز والإسكان    5 فواكه تُعزز عملية إزالة السموم من الكبد..تعرف عليها..    عدد القوات الأمريكية المنتشرة في لوس أنجلوس تجاوز عددها في العراق وسوريا    نبيل معلول يعود للتدريب في الكويت من جديد    كأس العالم للأندية : الإنقليزي غريليش خارج قائمة مانشستر سيتي    بالأرقام: هجرة 40 ألف مهندس من تونس...مالذي يحصل؟    ابن تامر حسني بالعناية المشددة ثانية    قافلة "الصمود" تواصل طريقها نحو معبر رفح وتفاؤل بإمكانية العبور إلى الأراضي المصرية    وزارة المالية: قائم الدين العمومي يتجاوز 135 مليار دينار نهاية مارس    غفت أمّة يعرب وطالت هجعتها    محمد بوحوش يكتب: في ثقافة المقاومة    البنك الدولي:الإقتصاد العالمي يتجه نحو تسجيل أضعف أداء له منذ سنة 2008 باستثناء فترات الركود    جندوبة: افتتاح موسم حصاد القمح    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    المخرج علي العبيدي في ذمة الله    المنستير: مواطن يذبح خروفه فوق السور الأثري يوم العيد...    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    









تعليم بلا تربية ، وتربية بلا أخلاق؟
نشر في الشروق يوم 29 - 11 - 2012

كلّ الشعوب والأمم حريصة من خلال برامجها في مختلف مراحل التعليم على مقاربة نموذج لانسان ضمن اختيارات سلوكيّة استراتيجيّة، اذ لا تكفي المعرفة والمهارة عند التنشئة، بل لابدّ أيضا من التشبّع بمجموع قيم، تلك الّتي تفارق ايجابا بين الفرنسيّ والألمانيّ والأمريكيّ واليابانيّ والصينيّ، على سبيل المثال لا الحصر.

يتعلّم التونسيّ كلّ شيء، تقريبا ، فيحصل على معارف وعلوم شتّى، بل يحشى دماغه بالمعلومات طيلة أعوام التحصيل، ويبدأ في مضانكة الأدوات المدرسيّة يحملها وهو طفل على ظهره، ويقضيّ الساعات في الدراسة والدروس الخصوصيّة، ويستمرّ هذا الوضع على ما هو عليه في المرحلة الثانويّة، ويتأكدّ هذا المنهج التلقينيّ في التعليم العالي. والنتيجة ان طرحنا أسئلة على البعض من أبنائنا من مراحل التعليم الثلاث فاستخلصنا: قطيعة شبه كاملة بين المؤسّسة التعليميّة والمجتمع، وعدم التمكن من أيّ لغة، بما في ذلك اللّغة الأمّ (العربيّة) ونسيان المعلومات بعد اجراء الامتحانات مباشرة لكونها تحفظ للاستظهار بها ولا علاقة لها بالمحيط ومجرى الحياة اليوميّة، واستشراء ظاهرة العنف اللفظيّ والعضليّ وتفاقم هذه الظاهرة في الأعوام الأخيرة، ولنا في ساحات المدارس والمعاهد والكلّياّت وأمام هذه المؤسّسات أمثلة متعدّدة عن البذاءات التّي يلهج بها أبناؤنا وبناتنا على حدّ سواء، وغياب الفكر النقديّ والتسليم بالجاهز المعرفيّ، وتفاوت الفرص في النجاح ومواصلة التعليم الجامعيّ بين المنتمين الى عائلات غنيّة ومتيّسرة وبين أبناء العائلات الفقيرة بعد تراجع مجّانيّة التعليم وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصيّة والمحسوبيّة وغيرها، وبطالة حاملي الشهائد الجامعيّة الّتي أثّرت سلبا في طموح المتعلّم ودفعت الى اليأس والتمرّد داخل المؤسّسة التعليميّة وخارجها، بما شهدته الأعوام الأخيرة من انفلات وأحداث عنف داخل المدارس والمعاهد والكلّياّت.

انّ موادّ التدريس كثيرة متنوّعة والامكانات متوفّرة من أجهزة وغيرها مقارنة مع بلدان أخرى في محيطنا الاقليميّ والبعض من البلدان الأخرى في العالم. الأّ أنّ اللاّفت للنظر غياب الخطّة العامّة، تقريبا، عند طرح سؤال الغاية من التعليم الّذي هوسؤال تربويّ أخلاقيّ في الأساس والمرجع.

فما المقصود تحديدا بالتعليم التونسيّ بعد أكثر من خمسة عقود؟ هل يراد به التنشئة على حذق اللّغة الأمّ ولغة أخرى أجنبيّة فأكثر أم الضياع بين اللّغات؟ وهل «التونسة» تعني الجمع بين مراجع ثقافيّة شتّى باسم الانفتاح الى أن تضمحلّ أيّ صفة للتفرّد، بها يكون الاختلاف المخصب؟

لا شكّ أنّ البرامج التعليميّة في تونس خضعت لمدّة عقود للارتجال والتجريب المؤذي اقتداء بإصلاحات التعليم الفرنسيّ وأضرّت بأجيال، فكانت مزيجا من الرّوح الاصلاحيّة المشوّهة والتوجيه بفكر واحديّ اقتضاه حكم كلّيانيّ انتصر للدولة على المجتمع، وللحزب على الدولة، وللزعيم الأوحد على الحزب. فأدّت بأجيال الى تعليم بلا تعلّم، والى معارف مجتزأة بلا ثقافة، ودليلنا على هذا الواقع الكارثيّ من عزوف الكثرة الوفيرة من حاملي الشهائد عن المطالعة والاستهانة بثقافة الكتاب والاعراض عن المسرح والسينما ومختلف حقول الفكر والابداع الفنيّ وشبه اقفار دور الثقافة وهشاشة المجتمع المدنيّ...

كذا تعليمنا، الى حدّ هذه اللحظة، هوتعليم بلا تربية لأنّه لا يدعوالى قيم ثقافيّة واضحة بما هوتراثيّ متعدّد وبما هوحداثيّ مخصوص. وان نصّص على التربية عنوانا لما هومتداول تسمية فهويراهن ضمنا على ما يتعارض مع قيم الحريّة والمواطنة والهويّة بمطلق الأخلاق، لا بمخصوصها عند التفكير الجادّ في ممارستها لصالح نفع الفرد والمجموعة الّتي ينتمي اليها، بما يتجسّد واقعا.

فالاصلاح القادم المنتظر في ظلّ الوقائع الجديدة الّتي شهدها مجتمعنا التونسيّ لا يكون الاّ بمراجعة استراتيجيّة لعلاقة التعليم بالتربية، ومفهوم التربية بمختلف مراجعها السلوكيّة لتخليص الفرد (التلميذ والطالب) من حالة الازدواج حدّ الفصام وتعيين التخرّج بالفائدة والأخلاق بالعمل، والتفكير بالحريّة، والحريّة بالمسؤوليّة، والهويّة بوضوح النواة- الأصل والتعدّد والانفتاح والفاعليّة والابداع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.