تتزامن تطورات الأحداث الوطنية وما رافقها من تصريحات ومواقف مع عملية خلط واسعة لمختلف أوراق اللعبة السياسية لا يعلم احد حد اللحظة على اي الصور والمربعات ستستقر.أحداث سليانة التي كانت مسبوقة بواقعة السفارة الأمريكية وأحداث دوار هيشر واحتجاجات السلفيين داخل السجون ووفاة اثنين منهم بعد إضراب جوع وحشي ، هذه الأحداث بحصادها الأليم يبدو أنها أنهت مرحلة من مراحل الانتقال الديمقراطي في بلادنا وتتجه ضرورة الى فرض واقع جديد والتبشير بمرحلة جديدة يكون هدفها خفض حالة الاحتقان الاجتماعي ومد جسور التوافق الوطني وإيجاد خارطة طريق واضحة وواحدة ونهائية للوصول إلى مرحلة الحكم الدائم والمستقر. وضعت الأحداث الأخيرة حكومة السيد حمادي الجبالي في موضع صعب ومعقد لا تحسد عليه وهي المدعوة اليوم وأكثر من أي وقت مضى ان تتحلى بالشجاعة اللازمة لإنقاذ الأوضاع مما تردت فيه وفتح امل جديد في القدرة على توفير مستلزمات المواعيد الانتخابية القادمة وإجرائها في أفضل الظروف وقبل ذلك كله توفير الأمن والاستماع الجيد إلى نبض الشارع وحاجيات الناس وحسن التفاعل معها.كما أتاحت نفس الأحداث للمعارضة بمختلف أطيافها فرصة سانحة لإعادة التموقع في المشهد السياسي وكسب نقاط في صراعها مع الترويكا الحاكمة وفي مسك مستجدات مهمة في مسلسل التفاوض والحوار وما يقتضيه من تنازل في هذا الاتجاه او ذاك.
لكن خلط الأوراق والذي تجاوز هذه المرة مربع التجاذب بين السلطة وأطراف المعارضة ليمس عمق الائتلاف الحاكم عبر خطاب رئيس الدولة الذي وجه فيه خطابا شديدا للحكومة وطالب فيه بحكومة وحدة وطنية وكفاءات خارج المحاصصة الحزبية بما يعنى تلويحا بالتراجع عن أحد أسس ومرتكزات تشكيل الترويكا منذ قرابة العام وبداية العد الحقيقي لتفككها.السياسيون في مختلف المواقع يحسنون لعبة خلط الأوراق ويصلون في خاتمة المطاف إلى رسم مربعات جديدة في كل محطة ، ولكنّ الخطير هذه المرة أنّ التجاذب بدا عميقا ومُحيّرا في آن واحد ، فالأنظار ستتوزع هذه المرة وعكس المرات السابقة إلى أكثر من جهة في اتجاه تأكيد او نفي وحدة الترويكا وتماسكها وفي اتجاه معرفة مآلات لي الأذرع بين أبرز أحزاب السلطة أي حركة النهضة ومعارضيها والموقع الذي سيحتله ثالث الائتلاف الحاكم أي حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات في مسار التشكّل المرتقب للمشهد السياسي.هي بكل المقاييس مؤشرات لمرحلة جديدة بعناوين مغايرة وبموازين قوى أخرى ، والسؤال المهم في مثل هذه اللحظة : هل يتخلّى الفاعلون السياسيّون عن حساباتهم الضيقة لفائدة المصلحة الوطنيّة العليا والاستحقاقات الكبرى للبلاد؟.