بين مخالب فقر مدقع يعيش أهالي منطقة سيدي أحمد ببن عمر التابعة لولاية بنزرت. هذا الفقر دفعهم إلى إطلاق صيحة فزع تنادي بأحقيتهم في التنمية فهل أن قدرهم أن يكونوا خارج خارطة المنوال التنموي ولو الى حين؟ للكشف عن ملامح التهميش الذي يرزح تحت عبئه أهالي منطقة سيدي أحمد ببن عمر زرنا المنطقة ورفعنا الستار عن حجم المعانات. ووجدنا الوضعية الاجتماعية المزرية تدوي في المنازل المفتقدة لأبسط الضروريات ولمنبع الحياة ألا وهو الماء إذ يضطر الأهالي إلى جلبه من حنفية عمومية يتهافت عليها الناس من كل صوب وفج ويقفون في طابور طويل في انتظار دورهم في قطرة ماء وكأنهم في سنة جفاف أو في سنة مجاعة ينتظرون خبزا وقد أكد لنا الأهالي أنه كثيرا ما يحصل صراعات ومشاحنات بسبب قطرة ماء فهذا مريض لا يستطيع الوقوف كثيرا والأخرى تريد أن تكون الأولى لأن ابنها الصغير ينتظرها والآخر يريد الماء بسرعة لأنه جاء أولا وما إلى ذلك من المشاجرات من أجل الماء والتي وجدناها مرسومة أمام حنفية عمومية وبعد ثورة الحرية والكرامة ورغم الوعود الوردية التي كانت وهمية. من بين ضحايا التهميش الفظيع في هذه المنطقة عائلة إبراهيم الساسي البالغ من العمر 67 سنة وهو مقعد يعاني من مرض السكر وضغط الدم وهو لا يحظى بأي دخل رغم سنوات العمل الطويل لدى فلاح بالمنطقة دون أي ضمانات ولولا تمتع زوجته البالغة من العمر 48 سنة بمنحة إعاقة تقدر ب100 دينار لما وجدت العائلة مورد رزق لكن هذا المبلغ لا يكفي لتدرس الابنة عائدة عمرها 17 سنة فانقطعت عن الدراسة. ومن منزل السيد إبراهيم ننتقل إلى ضحية أخرى من ضحايا التهميش ألا وهي عائلة بشير الساسي ومحمد الساسي أين قابلنا السيدة نادرة بن رمضان عمرها 25 سنة التي أكدت لنا أن ماء الحنفية كثيرا ما يتوقف كما أن سيلانه بطيء جدا وتعبر عن تعبها عند حمل قارورات ضخمة من ماء الحنفية العمومية على ظهرها لتعبئة أوان ضخمة في منزلها وتؤكد لنا بية الدريدي وعمرها 27 سنة كلام نادرة بن رمضان مضيفة أن ابنها عمره شهرين لا تستطيع أن تأخذه معها لتعبئة الماء فهو صغير لا يتحمل التدافع في طابور الماء ولا أشعة الشمس ولا الأمطار الغزيرة كما أنها تخاف أن تسقطه في الطريق المحفر.كما تفيدنا سيدة الكلبي وعمرها 47 سنة أنها تعجز عن تعبئة القارورات الضخمة فترسل حفيدتها الصغيرة لتعبئة كأس ماء لها وقلبها يتوجس خوفا عليها من أن تسقط في الحفر أو يخاصمها بعض الجيران وتبقى هكذا إلى أن يعود زوجها العجوز المريض من عمله ليملأ القارورات الضخمة. وزرنا منزل نجاة العبيدي وعمرها 39 سنة وهو منزل غير مكتمل فيه بعض الأغطية القديمة البالية الممزقة وبعض الملابس المهترئة التي تآكلتها السنوات العجاف والجرذان وقالت السيدة نجاة أن زوجها عامل يومي وهي أم ل3 أطفال خولة ومروان يدرسون في السنة السابعة أساسي وعبير لم تواصل تعليمها وانقطعت عن الدراسة من السنة السابعة بسبب فقر عائلتها وتقول الأم أنها ستخرج ابنيها من الدراسة لأنها لا تملك المال الكافي لشراء الأدوات المدرسية ولاستخراج اشتراكات في الحافلة وهنا تبكي خولة وتقول «أريد مواصلة دراستي ولو بالقليل مما عندنا». وكان أفظع مشهد شاهدناه في المنطقة هو منزل سميرة الفطناسي فهو بلا سقف وبلا باب وتؤكد لنا سميرة أنه نظرا لكون زوجها مريض بالأعصاب هي من تملأ قارورات الماء الضخمة متحملة المعارك في الحنفية العمومية وثقل القارورات.
المدرسة في حاجة إلى الإسعاف العاجل
تحملنا الأقدام لزيارة المدرسة الابتدائية بالمنطقة باعتبار المدرسة رمز العلم والمعرفة فوجدناها هي الأخرى في حالة يرثى لها وكأنها مرتع للأغنام وليست مؤسسة تربوية فالطريق المؤدي لها رديء والساحة غير مبلطة ولا يوجد بها ماء ناهيك عن الطاولات والكراسي والشبابيك المهترئة وخاصة البوابة الخارجية الآيلة للسقوط المتآكلة مع العلم أنه يوجد 4 قاعات فقط رغم تعاون الأهالي في بناء قسمين آخرين لكن البناء لم يكتمل لقرار خفي بعدم السماح بتدريس التلاميذ فيهما وعلاوة على هذا تفيد المعلمتين آمال الدريدي ونجلاء البجاوي والعامل بالمدرسة عبد القادر النوالي أن القاعات يدخلها الماء والرياح في فصل الشتاء فيتجمد التلاميذ في أماكنهم خاصة الفقراء الذين لا يرتدون معاطف وأحذية جيدة تدفئ أقدامهم الصغيرة كما هناك عديد التلاميذ نظرا لفقرهم يكتبون بقلم واحد مكسر وبضع أوراق متآكلة وبلا كتب.
الحي السكني للفقراء والأراضي يستأجرها شخص لمدة 99 عاما
وفي لقاء مع العمدة محجوب السعيداني أفادنا بأن الحي السكني «سيدي أحمد» بمنطقة العميلة قام سنة 1986 إثر قرار بوضع الفقراء فيه كما ينفي المجرم في منطقة نائية عن الكائنات البشرية وقد أكد لنا العمدة حقيقة معاناة أهالي هذا الحي بسبب فقرهم وخاصة بسبب عدم وصول الماء إلى منازلهم وبسبب افتقار المدرسة للضروريات الأساسية التي يجب أن تتوفر في كل مؤسسة تربوية ويدعو العمدة إلى النظر بعين الاعتبار لهذه المدرسة كما يقول بأن الماء لم يصل إلى المنازل بسبب التكلفة المرتفعة التي لا يملكها الأهالي. ويرفع العمدة الستار عن حقيقة في هذا الحي وهي أن كل الأراضي الشاسعة حول هذا الحي هي لملك طبيب جراح مختار ختاش الذي له مصحة سيدي صالح بالمرسى الذي يستغل هذه الأرض منذ سنة 1990 على وجه الكراء لمدة 99 عاما ويدعوا العمدة إلى أنه «يا حبذا أن يعطي الطبيب منطقة رعي جماعي للأهالي ليتمكنوا من تربية أحمرة لحمل قوارير الماء الضخمة من الحنفية العمومية إلى منازلهم وليتمكنوا من تربية بعض الخرفان لمقاومة الخصاصة التي يعيشونها».بعد جولة طويلة وحديث مطول تبينا حقيقة مأساة أهالي منطقة سيدي أحمد ببن عمر الذين اكتووا بنار التهميش والتجاهل لمطالبهم لكن الألم زرع في قلوبهم أملا لتجديد مطالبهم ولدعوة المسؤولين للنظر بجدية لها.