تونس الأسبوعي تواصلا مع النهج الذي اختارته «الاسبوعي» في تسليط الضوء على مشاغل ومشاكل المناطق الريفية بمختلف ولايات الجمهورية التي تجاهلها نظام الرئيس المخلوع ،زارت مؤخرا بعض ارياف ولايتي القيروان و بنزرت لتقف على معاناة بعض المناطق التي ظل أهلها طيلة عقود يتذوقون مرارة التهميش والإقصاء في غياب ادنى الضروريات من ماء صالح للشراب وكهرباء وخدمات صحية دون الحديث عن عدم توفر مواطن الرزق التي تضمن لهم في هذه الربوع الكرامة والعيش الكريم .وفي ظل هذه الأوضاع المتردية سجلنا صيحات الفزع التي اطلقها هؤلاء لعلها تجد صدى لدى السلط الجهوية والحكومة المؤقتة. في أرياف بنزرت الجنوبية: الماء الصالح للشراب «للعمدة ورئيس الشعبة» فقط...
قد يتبادر إلى الذهن أن المرء يحتاج إلى أن يوغل في أعماق أرياف ولاية بنزرت ليقف على مظاهر التهميش والأوضاع الاجتماعية المزرية، وأن عليه أن يزور مناطق شبه منعزلة من معتمديات غزالة و جومين وسجنان ومن قرى بازينة والطواجنية والهواملية ومثيلاتها كما يردد البعض، ولكن الحقيقة أننا وقفنا على مثل هذه المظاهر بقرى لا تبعد عن مركز الولاية أكثر من 20 كلم مثل بني عمر و بوحديد من معتمدية بنزرت الجنوبية اللتين تعانيان من الكثير من المشاكل التي لا تخطر على بال أحد. فعندها تجبرك وعورة الطريق بالمسالك الفلاحية التي عرت الأمطار والسيول بعض صخورها الناتئة على ترك السيارة يبدأ الإحساس بالقليل مما يعانيه المتساكنون هناك خاصة عند السير بضع مئات من الأمتار على المسلك الفلاحي لبلوغ بعض الدور بحي بني عمر3 . «مشكلتنا الرئيسية تتمثل في وعورة هذا المسلك الفلاحي الذي تراه.» هكذا بدأ أحد متساكني ذ لك الحي وهو لطفي الدريدي( يبلغ 36 سنة من العمر)،أعزب، لم تسمح له ظروفه المادية بالتزوج، قبل أن يضيف : «تصوروا كيف يكون هذا المسلك في فصل الشتاء، و تصوروا معاناة الأطفال وهم يقطعونه للوصول إلى الطريق المعبّدة، و منه إلى المدرسة التي تقع بقرية «عميلة» أي على بعد 3 كلم تقريبا، تصوروا ما يقاسيه الأطفال عند العودة من المدرسة في فصل الشتاء من الأوحال والأمطاروالظلام فضلا عن بعد المسافة. هذا المسلك يصل قريتنا بقرية المرازيق، وما من شك أن تعبيده سيحل الكثير من مشاكل هذه الدورالمتناثرة هنا وهناك.». المشكلة نفسها تعيشها عائلات أخرى بحي بني عمر1 الذي يقع على الجانب الآخر من الطريق اذ يقول نورالدين بن سلامة :»هذا المسلك يصبح خطرا جدا في الشتاء، خاصة على الأطفال بعد امتلائه بالماء، و أشار إلى أخاديد عميقة على طول المسلك أخاديد شبيهة بالسواقي العريضة والعميقة تركتها عجلات الجرارات الكبيرة».
آبار تجف صيفا.. والحل في الصهريج.
مشكلة أخرى أثارها شقيقه مجيد بن سلامة وتتمثل في انعدام التزود بالماء الصالح للشراب، و تتدخل زوجته لتشير إلى اضطرارهم إلى الشرب من ماء البئرالتي كثيرا ما تسبب الأمراض عندما يتعذرعليهم جلب الماء من الحنفية العموميةالبعيدة.هذا الراي أيده جارهم محمد الدريدي الذي أكد ان ابنة جارهم صالح بلعيد التي تبلع 27 عاما أصيبت بسبب ذلك بمرض الكلى ،وأضاف مجيد بن سلامة قائلا :»ها أنت ترى أن 20 بيتا يعيش أهلها في شبه عزلة لانعدام الماء ووعورة المسلك، ولما أردنا ربط بيوتنا بشبكة ماء الصوناد طلب منا دفع 42 مليون. كيف لنا توفيرذلك ؟ونحن عمال يوميون أو موسميون نعمل يوما و نعطل أياما و خاصة في فصل الشتاء. المساكن التي على الطريق موصولة بشبكة الصوناد ومنها دار العمدة ورئيس الشعبة «اللّي خدموا أرواحهم». مشكلة الماء كذلك أثارها سكان حي بن عمر 3، بما أنهم يشربون من ماء البئرالتي كثيرا ما تجف صيفا ويتكلفون المشاق لجلب الماء الصالح للشراب من الحنفية البعيدة كما أكد لنا ذلك لطفي و سمير و حمادي الدريدي مشيرين إلى العربة والصهريج الذين يعتمدونهما لتخزين الماء.
غرفة صالحة لكل زمان ولكل الأدوار
الوضع السكني الذي تعيشه الكثير من العائلات التي زرناها يعكس البؤس. فشبه المطبخ الذي تملكه عائلة عبد القادر بن سلامة مسيج بالقصب ،وأما ما تسميه عائلة العايش العباسي البائسة بحي بوحديد مطبخا فمسقف بالطولة تتخلله ثقوب كثيرة تحرص زوجته نعيمة الهيشري على سدها بورق أكياس الأسمنت الفارغة وما شابه ذلك. تقول الزوجة نعيمة :»عندما ينزل المطر يتحول المطبخ إلى بركة ماء فأضطرإلى الطبخ بالغرفة الوحيدة التي ننام فيها جميعا.» دخلنا الحجرة فبدا أثاثها البسيط القديم والمتآكل يغني عن كل تعليق. قال زوجها:» هناأنام أنا وزوجتي وشقيقتي العانس وأبنائي الثلاثة. الخزانة الوحيدة التي نملكها هي عبارة عن هيكل ثلاجة قديمة حصلنا عليها على وجه الفضل. عجزت عن تحمل المصاريف الدراسية لابني محجوب وعلي في المرحلة الإعدادية فانقطعا عن الدراسة، وأما ابني الصغير محمد علي فهو يدرس بالخامسة ابتدائي.أنا عامل يومي أعمل عند فلاح، و كل نهارو قسموا.» أرجوأن تتم مساعدتنا على تحسين السكن، و حتى أقدر على أن يكمل ابني تعليمه. أحد أجواره و هو شريف العباسي 40 سنة، متزوج و له ولد و بنت أدخلنا بيته، و أرانا المطبخ المسقف بالطولة، وقال:» من يستطيع أن يتحمل حرارة هذا المكان الضيق وحرارة الشمس التي تتضاعف «بالطولة». لقد اضطرت زوجتي في فصل الصيف الطبخ بالليل طعام الغد اتقاء لذلك العذاب. و بما أنني عامل يومي فقد عمدت إلى تربية بعض الدجاجات داخل الدار حتى أحصل على القليل من النقود التي لا تغني ولا تسمن من جوع».
لم يعرفوا طريق المدرسة
بحي بوحديد التقينا الشاب بلحسن بالطيب العباسي الذي جال بنا في بيتهم المتواضع الذي يؤويه ووالدته وأخواته الثلاث. لم يكن بالمنزل لأنهن خرجن بحثا عن الرزق في الحقول كما قال. و أضاف:» مرض والدي وأنا صغير فاضطررت إلى الخروج إلى العمل مبكرا في الحقول. لم أطرق باب المدرسة لا أنا ولا أي واحدة من شقيقاتي. لا أحد منا يعرف الكتابة والقراءة ولا حتى كتابة اسمه.أختي الكبرى عمرها 30 سنة والأخريان 15 سنة و 16 سنة، وأنا عائلهم الوحيد؛ همنا توفير لقمة العيش، لذلك صعب علينا تحسين بيتنا رغم حاجتنا الملحة إلى ذلك.» . مشاكل أخرى عديدة أثارها من تحدثنا إليهم من حي «بني عمر»و»بوحديد» بمعتمدية بنزرت الجنوبية كالحاجة إلى وحدة صحية بما أن المستوصف القريب يوجد ب»القصرالأحمر» و» الحويشات».