الثورة حمّالة آمال... بعد قنوط... والثورة جلاّبة حقوق بعد جور... الثورة في ظاهرها عنف واحتجاج من أجل القطع النهائي مع السائد... وفي باطنها حُلم وحِلم وتوْق الى مستقبل مشرق... هكذا يكون التونسي قد رأى ثورته منذ سنتين... وهكذا أيضا يكون التونسي قد فكّر في أهداف ثورته... مثله في ذلك مثل كل شعوب الدنيا التي تاقت أو أنجزت ثورة في تاريخها...
والحالة تلك فإن ما حصل في سيدي بوزيد أمس الاول مع الرئاستين (الجمهورية والمجلس التأسيسي) لا يجب تضخيمه ولا يتحمّل ذات الحدث اتهامات أو مزايدة... فقد كانت عملية الرشق بالحجارة ومظاهر الاحتجاج الشعبي ضد المؤسسة الحاكمة ولا نعتقد أنها كانت تستهدف الأشخاص...
فهذه آمال يراها الشعب الذي أنجز ثورته على طريقته المبهرة للعالم تتبدد أو هي تبدو كذلك... وهذه أحلام سكنت الناخب الذي تحوّل ذات يوم 23 أكتوبر 2011 من أجل واقع اجتماعي واقتصادي أفضل، يراها أصحابها تتبخّر دون أن يستطيع لها حولا ولا قوة...
قد تكون الحكومة المؤقتة وكل السلطات التي أنتجتها انتخابات 2011 لا تملك العصا السحرية لتحقيق أهداف الثورة... ولكن الوعود التي أمكن تسجيلها ابان الحملة الانتخابية كانت وعودا تتجاوز محنة إصلاح ما أفسدته المنظومة السابقة لتلامس ذات الوعود أحلاما وردية بلا نضال ولا أشواك ولا عقبات...
ما لم تفهمه الطبقة السياسية في تونس وفي بلدان مماثلة أنجزت ما أنجزه التونسيون بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، هو أن الثورات الحالية لا علاقة لها من حيث شكل الاحتجاج، وآلية الاحتجاج ومضمون الاحتجاج مع الثورات التي عرفتها الشعوب عبر التاريخ...
فهذه هزّات شعبية اجتماعية، غير مؤطرة بإيديولوجيا ولا تملك أهدافا فكرية تستهدف منظومة دون أخرى... وبالتالي فإن حاضنة الثورات ونقصد الوسائل السيارة للمعلومات، تتطلب من المسؤولين السياسيين وقد وعوا خطورتها على النظام السابق أن يحسبوا خطواتهم... ولا يلقوا بالوعود جزافا في حملة انتخابية تليها فترة من أعسر الفترات في تاريخ ممارسة الحكم من أي كان. و«بسيكولوجيا» الشعب تقتضي المصارحة والوضوح مع الناس... حتى لا تكون المحاسبة عشوائية.