موقع ولاية المهديّة المهم في إقليم الوسط الشّرقي يجعل منها المعبر الرّئيسي من كلّ الوجهات وهو ما يفترض أن يخلق حراكا اقتصاديا وتجاريا مميزا، إلا أن الواقع يبدو غير ذلك نتيجة عدة عوامل أعاقت عملية التنمية بالجهة. تتمتع ولاية المهدية بامتداد ساحلي على طول 75 كيلومترا من الشّواطئ، و4 موانئ للصيد السّاحلي وفي الأعماق، ووحدات فندقيّة يفوق عدد أسرّتها العشرة آلاف سرير، إضافة إلى ما توفّره مصانع التّحويل من إنتاجات الجهة التي يرتكز اقتصادها أساسا على الفلاحة والصّيد البحري كقطاعين يشغّلان حوالي 25 بالمائة من السكّان لتحتلّ المراتب الأولى على النّطاق الوطني في ما تنتجه من ألبان وزيت وسمك أزرق برغم هشاشة البنى التّحتيّة، وتهميش العاملين في هذه القطاعات نتيجة انعدام الحوافز والتّشجيعات، وعدم التّدخّل بما يقتضيه الواجب للإحاطة بصغار الفلاّحين والمربّين أمام ارتفاع أسعار الأعلاف والبذور، وحرمانهم من المنح المختلفة شأن الناشطين في قطاع الصيد البحري ممّن تداعت مراكبهم واهترأت معها الموانئ في تناس لهم على مدى عقود ما زال متواصلا إلى ما بعد الثّورة.
وقد شهد أكثر من زائر لها من الحكومة المؤقّتة بواقع التهميش الذي تعيشة المهدية وخاصّة رئيس الدّولة المؤقت محمد المنصف المرزوقي في زيارته الأخيرة للجهة برغم ما تعج به من كفاءات بشرية، وما تختزنه من ثروات طبيعية، وكأنّ الاعتمادات المرصودة بمئات المليارات هي حبر على ورق، ولا يدري الملاحظون ما السرّ في عدم تفعيلها، وتواصل التّهميش والإقصاء للجهة وتجاهل مطالب المواطنين الذين ضاعت أصواتهم رغم ما تمّ إقراره عند زيارة الوفد الحكوميّ للجهة من استثمارات تقارب قيمتها مليون دينار موجّهة للتّنمية خاصّة في المناطق الدّاخليّة لفكّ عزلتها، والحال أنّ بقايا من ميزانيّة 2011 تقدّر ب160 مليون دينار لا تزال مقبورة ومن شأنها أن تسهم في امتصاص بطالة 25 ألف عاطل نصفهم من حاملي الشّهائد العليا.
المشاكل العقاريّة تعطل مسار التنمية
يعتبر المشكل العقّاريّ لبعض المشاريع، ومحاولة إحداث المناطق الصّناعيّة العائق الرئيسيّ للتّنمية في جهة المهديّة، يضاف إلى ذلك ما تمثّله عوائق إسناد القروض التّكميليّة من بعض الفروع البنكيّة، وما يواجهه المستثمرون من تعطيلات في جهة ذات صبغة ريفيّة بمناطقها الدّاخليّة الفقيرة وغير المصنّفة ذات أولويّة للتّشجيع على بعث المشاريع وخاصة على مستوى ترهل البنية التحتية، ورداءة المسالك الفلاحيّة والطّرقات، والحال أنّه تمّ إقرار انجاز مئات الكيلومترات من الطرقات ضمن الميزانيّة التكميليّة لم يقع انطلاق أشغالها إلا في مناطق محدودة.
وعموما، يبقى تفعيل استغلال ما رُصد لفائدة ولاية المهديّة رهين التّدخّل العاجل والحازم لفكّ عزلة الجهة التي تحتلّ المرتبة قبل الأخيرة في انعدام التّنمية بشهادة وزراء ورؤساء أحزاب ورئيس الدّولة نفسه... فهل ستكون ولاية المهديّة الورقة الرّابحة لخوض الانتخابات القادمة باستغلال وضعها المتردي لكسب أصوات مواطنيها على وقع أوجاعهم بوعود لطالما أطلقها أعضاء المجلس الوطنيّ التّأسيسي المنشغلين بمسائل ثانوية بعيدا عن مشاكل جهتهم، وهموم المواطنين الذين انتخبوهم؟