غير أنّ طرب التّلقّي في «نجيبة» الشّاعر العربيّ جمال الصليعي هذه ليس حبيس الذّكرى والتّذكّر وعذوبة ممارسة سحر «الفاء» سمعا ونطقا فحسب وانّما هو أيضا في ارباك جمهور بمجاز أعاد به الرجل رسم العلاقات بين الموجودات على نحوذابت معه «سكينة اللّيل» «بسكينة العشّاق». ولانت «همهمته» للين همهمتهم ودقّ محسوسهم عن مجرّده. أهمو العشّاق مهبط اللّيل؟ أهمو أنامل النّجم؟ أهمو حائكو الحجب والسّحر؟ أم هو الشّاعر العربيّ جمال الصّليعي يرسم عالما ثانيا غير العالم الذي نعهد. يرسمه ما بين «همهمة اللّيل» و«خفقة ضوء» ما قبل الفجر ؟
«اصعد» انشاء بمعناه الحقيقي. اِلزام من أعلى الى أسفل تنطاع له أجنحة متلقّ فتهفو بدورها من نفس ذاك الأسفل الى نفس ذاك الأعلى. ولكن من الآمر ؟ أيكون صوت من وراء الحجب وصاحب «الطّور» مأمور؟ أيكون الشّاعر يأمر في ثقة وقد استأنس طرق الاسراء والعبور؟ أم هو الحرف مطيّة اعتلاها الباثّ وحين اطمأنّ أشار لها بالعروج ؟ كان الآمر من كان. وليكن المأمور من يكون. فالمقام مقام انطلاق. والسّبيل سبل انعتاق. انعتاق ذهن عن جسد كبّله الرّاهن فانبرى يطوي في تيه دفاتر الدّهور . انّ راحلة الشّاعر العربي جمال الصّليعي حرف، كما راحلة المتنبّي ناقة.
مطيّتان لشاعرين بمنسم واحد. غير أنّ مناسم ابل المتنبّي لثمت أديم أمكنة خولة. بينما تلثم مناسم أحرف الصّليعي كثبان أزمنة تمتدّ الى ما قبل زليخة وعند الطّور وحين يوسف وأثناء وما بعد خليفة العبّاس هارون. وما من عجب فالأزمنة في ثلاثيّة الشّاعر ديار أنس هجرتها كرها أجساد الأحبّة مرّة فعادت مرفرفة اليها أجنحة أرواحهم ألف ألف مرّة .
انّ ناظم «ثلاثيّة الطّور» يعمل أن يعدّ أرضا للتّلقّي. على ذلك رأيته يستلّ الحروف «سلّة سلّة» ويزرعها في فؤاد متقبّل «سلّة بسلّة». يوجعه بلفظ عذب عذوبة موشّح أندلسيّ ويوغل في ايجاعه «بخفقة» ستائر دمشقيّة حيث قصر فرعونيّ وعطور أطياف نجع هلاليّ. حتّى اذا ما قضى الوجع في موجوعه أمرا، ذابت الأجساد وحلّقت أجنحة أرواح مثنى وثلاثى ورباعى مهلّلة بكشف شعريّة اضحى معها الانسان والزمان والمكان ثلاثة في واحد يعيش مقامات حبّ حضرها يوسف وزليخه وعنترة وعبلة وعروة والعفرا وجميل وبثنه وحضر قيس وليلى.
وحضرت «أرواح وسجف وأسرار وسرائر وحجب» واعتماد وابن عبّاد. حضرت خيمة الزّناتي خليفة وهرم آمون وحضر قصر غرناطة. انّها القصيدة: حقب قصّ الأنامل عشقا : حقبتا الجازية وزليخة وما بينهما حقبة ولاّدة. فاسعد يا شاعر الطّور. قد طاب زمان العشّاق عندك وطاب المكان فمن يقول : «مالك قد تخلّفت ؟ هيّا اصعد يا ابن زيدون». (يتبع)