اصعد فعند حدود الرّوح أروقة خلالها عبر العشّاق والتحفوا وأشرفوا من سماء البوح في ظلل ضجّت بهم همهمات اللّيل فاعترفوا وحينما ازدحمت أسرارهم نفذوا حتّى تفايضت الأرجاء والسّجف سكينة اللّيل قد أفشت سرائرهم وخفقة الضّوء أخفت كلّ ما كشفوا آه ، هواللّيل ... لا ... بل ربّما لعبت أصابع الفجر حين الضّوء يرتجف وإذ يحوكون من أنوارهم حجبا تطلّ من بينهم الذّكرى فنأتلف ...
رويّ القصيدة فاء بحركة مضمومة تستلزم شفتين ممدودتين تصنعان طاقة لأمرين في وقت واحد . أمّا الأمر الأوّل فيطيّر به الشّاعر « فراشات الكلم» أرواحا تجوب أزمنة في عداد القدم . وأمّا الثّاني فيؤجّج الحرف جمرا ولا عجب أن يكون الفؤاد موقدا .
وما دام الطّيران طبيعة إلى فوق وما دامت شرارة اللّهب من أسفل إلى فوق ، توسّل بل قل تعمّد الشّاعر العربيّ جمال الصليعي مخارج للحروف بعينها دفعا لا جذبا فكانت «الفاء» طواحين شفاه ينتهي إليها الرّيح ، تصرفه فوقا إذ تحقّق جوابا لأمر بالصّعود .
هي القافية إذن تصل عندها خيوط حشوسلّها الوجع فذابت توقا ومدّت أجنحة طيّعة لفاء متلفّظ يمارس طقوس اسكان الحروف أرواحا مجنّحة تتوق نحوالأعلى . وهي نفس تلك الفاء حاضرة بكثافة حرف تخرجه الشّفتان مهموسا ، رخوا ، مستفلاّ منفتحا مذلقا يرقّق معه الصوت ويضعف التّصويت إذ يجري نطقه جريان النّفس .
« فعند » «التحفوا» «اشرفوا» ، «فاعترفوا» «نفذت» ، «تفايضت» «السّجف» «افشت» «كشفوا» :«الفجر» «يرتجف» فنأتلف» .. إنّه الهمس تراه وتسمعه ما دام جمع تلك الفاء ينتشر. بل أنت تتلذّذه مذاق تفّاح بالأذن قبل الفم . فاء تذوب بطيئة كقطع السّكّر ثمّ تتفشّى خبيب ذاكرة يجعلك تطرب على طربك إذ تحضرك كلّ فائيّة منسيّة عفا عليها زمن التّلقّي . كأن تستحيل كورالا مصريّا مردّدا: «علّموه كيف يجفوفجفا». وإذّاك لا تملك أن تكون غير ريشة خلّفها كلف جناح ، منسيّة تميل متى الرّيح مالت وتستقرّ حيثما الرّيح استقرّت .
لهوالشّاعر يصف بأذنيه كأنّه رقّ للعشّاق «فاعتلّ اشفاقا»إذ لم يكد يوغل في القصيدة حتّى تداعى إليهم وتماهي بهم حينما تمازج ضمير المخاطب المفرد «أنت» بضمير الجمع الغائب «هم» ليتحوّل متكلّما جمعا محاكاة لانصهار زائر«مقام الصّعود»بهؤلاء العشّاق أصحاب المقام ذاتهم وعندها يسترسل الجميع في طقوس التّذكّر وهوالفعل المحقّق للائتلاف والطّرب .