اهتزت الثقة الموجودة في المعاملات بين التونسيين خلال شهر جانفي الجاري ويتجلى ذلك خلال قيام عديد المؤسسات التجارية من رفض التعامل مع الحرفاء ب «الشيكات» والبطاقات البنكية أو وصولات المطاعم وحتى بالنقود التي تقرر سحبها من فئة 50 و20 و30 دينارا. هذا ما ذكره رئيس مرصد إيلاف لحماية المستهلك والمطالبين بالضريبة عبد الجليل الظاهري. وأضاف ان غلاء المعيشة والتضييق على المواطن جعل 60٪ من التونسيين لا يتمكنون من التداين من أقاربهم وعائلاتهم نتيجة تراجع نسبة الفئة المتوسطة في تونس. مضيفا ان عمليات التداين اللاقانوني واللا شرعي المتمثل في التداين بفائض (ربى) بنسب هامة.
مع الإشارة الى أن نسبة المخاطرة لدى المستهلك التونسي ارتفعت خلال شهري ديسمبر وبداية جانفي الجاري ب 11.3٪ وذلك من خلال استعماله للصكوك والسحب في «الروج» لقضاء شؤونه رغم علمه أنه لا يملك رصيدا في حسابه، بسبب عدم قدرته على التداين من العمل أو الأقارب والمعارف ورغم تفاقم امتناع البنوك عن صرف التسبقات والسلفات او القروض الاستهلاكية.
ويرى رئيس المرصد ان الارتفاع الجنوني لغلاء المعيشة يجعل التونسي ينخرط في هذه المخاطرة في معاملاته المالية اليومية لسد حاجياته المعيشية. وأرجع مصدرنا المشكل ايضا الى دخول عديد المؤسسات الخاصة في حالة من البطالة الفنية.
تراجع الانتاج
من جهة أخرى تطرّق الظاهري الى تراجع مؤشر الانتاج والعمل بأكثر من 52.7٪ حسب دراسة حديثة أنجزها المرصد. وهذا التراجع شمل كل القطاعات الخاصة والعامة. ولاهتزاز ثقة المواطن في امكانية توفير الدولة للسيولة المالية اللازمة.
وخلال نفس الدراسة تبيّن ان غذاء التونسي في خطر مما قد يتسبب في ظهور أمراض ناتجة عن سوء التغذية من ذلك ان 47٪ من المستهلكين يأكلون اللحوم الحمراء بمعدل 2 كلغ للعائلة الواحدة فقط طيلة شهر كامل ولجوء فئة واسعة الى اللحوم البيضاء فحسب.
كما صرّح 17٪ من المستهلكين الذين تم استجوابهم أنهم محرومون من أي نوع من أنواع اللحوم (لا حمراء ولا بيضاء) وفي خصوص الأسماك فإن معدل استهلاك جل التونسيين لا يتجاوز مرة أو مرتين في الشهر للمناطق الساحلية وهي دون ذلك في بقية المناطق.
ونظرا الى تفاقم الغلاء ثبت أن 38٪ من المستهلكين يتسوّقون من الفضاءات التي تبيع المواد الغذائية من المنتج الى المستهلك مباشرة.
انخفاض الانتاج
ومن المؤشرات الخطيرة في اقتصادنا أن مؤشر الانتاج تراجع ب68٪ حسب نفس الدراسة وذلك نتيجة لامتصاص الاحتجاجات الاجتماعية عبر الانتدابات في الوظيفة العمومية دون تقييم المردودية أو منح رواتب للعاملين حسب الجهد المبذول ذلك أنه تصرف نفس الراتب والامتيازات للموظف الذي يجتهد والذي لا يبذل جهدا في العمل مما أثّر على الانتاج.
ركود في الاستهلاك
وفي خصوص تدنّي مردود القطاع الخاص ذكر مصدرنا أنه يعود الى انكماش الاستهلاك، مما جعل عدة مؤسسات تدخل في دوامة التوقف الفني بنسبة فاقت 43.9٪ نتيجة تراجع الاستهلاك الوطني وركود الأسواق الأوروبية التي تشهد انكماشا بدورها.
غياب التقشف
من جهة أخرى خلصت الدراسة الي غياب استراتيجية وطنية للتقشف في استعمال الطاقة، وقد تحصل المرصد على معلومات مفادها أن 564 مديرا عاما ومسؤولا يستعملون أكثر من سيارة وظيفية (إدارية) (واحدة للاستعمال العائلي وأخرى للاستعمال الشخصي) رغم ما يعانيه المستهلك التونسي من تفقير في الظروف الحالية، وقد تكفل المرصد بتقديم ملف في الغرض للقضاء.
كما اعتبر المرصد أن المرتبات الممنوحة للمسؤولين والوزراء ونواب المجلس مرتفعة جدا مقارنة بمعدل دخل التونسيين وبالظرف الذي تعيشه البلاد خاصة وأن فئة واسعة منهم لهم مؤسسات اقتصادية ويتعاطون مهنا أخرى تنشط (صيادلة.. شركات خاصة..) جزء منهم ينوب الشعب دون أن يتوقف عن ممارسة مهنة أخرى مما فسّره مصدرنا بتواصل منظومة الفساد. ويقوم المرصد بجمع كل هذه الحالات لتقديمها الى القضاء.
ولحماية حقوق المستهلك راسل المرصد المجلس التأسيسي قصد إدراج مشروع يهدف الى حماية الدولة للقدرة الشرائية للتونسي وتعديلها في حالة انخرامها وذلك ضمن الدستور في انتظار الحصول على ردّ حول هذا المطلب.