مثلت مبادرة رئيس الجمهورية لتجميع كل الفرقاء السياسيين حول طاولة حوار واحدة بداية انفراج في المشهد السياسي وطرحت عدة أسئلة منها هل يتم التخلي عن «قانون تحصين الثورة» في سبيل إنجاح الحوار؟. وتعتبر اللقاءات التي اجراها رئيس الجمهورية المؤقت الدكتور منصف المرزوقي مع عدد من رؤساء الأحزاب السياسية انطلاقة جديدة لحوار تعطل في مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل بسبب رفض كل من حركة النهضة وحزب المؤتمر لحضور أحزاب يرون انها لا تخدم المسار الديمقراطي في البلاد حتى انهما اقترحا مشروع قانون لإقصاء المسؤولين التجمعيين من الحياة السياسية فما هي انعكاسات المشاورات الاخيرة على مقترحات ومواقف الاقصاء.
وفي هذا الاطار قال الاستاذ الهادي بن عباس الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر من اجل الجمهورية انه ليس للمبادرة الرئاسية اية انعكاسات على «مشروع قانون تحصين الثورة» وان كل مشروع على حدة مشيرا الى ان مشروع التحصين يهم أشخاصا وليس أحزابا وانه من الممكن ان يكون المعنيون به موجودين في كل الأحزاب.
لا علاقة للمبادرة بالإقصاء
واوضح بن عباس كذلك ان دعوة الرئيس دعوة وجهت الى الاحزاب وليس الى الأشخاص ومعتبرا انه من حقه تجميع الطيف السياسي دون استثناء ومن حق كل الاحزاب ان تحضر فيما اكد ان مشروع «تحصين الثورة» متعلق بالناس الذين تحملوا مسؤوليات وهم موجودون في عديد الاحزاب وحتى كمستقلين.
ومن ابرز العناصر او المحاور التي يمكن ان يخرج بها الحوار الذي دعا اليه رئيس الجمهورية المؤقت قال الناطق باسم المؤتمر «على الاقل هناك نقطة هامة وهي الاتفاق على روزنامة وهذا يهم الجميع دون استثناء ونأمل ان تخرج المبادرة بنتيجة في هذا لأنه في باقي المحاور هناك اختلاف بين الجميع».
وحول مدى اهمية تمرير مشروع «قانون تحصين الثورة» بمعزل عن مشروع قانون العدالة الانتقالية قال «هما مشروعان مختلفان مشروع تحصين الثورة لا ينفي مشروع العدالة الانتقالية ووقعت جدولة مشروع التحصين في المجلس الوطني التأسيسي وستتم مناقشته قريبا والعدالة الانتقالية هي كشف الحقائق لكنهما مساران مختلفان الاول تحصين سياسي للثورة والعدالة الانتقالية هي كشف للحقائق ورد لاعتبار الضحايا».
ولعل ابرز التصريحات التي اعطت لمبادرة رئيس الجمهورية ابعادا اخرى منها المصالحة الوطنية وامكانية تجاوز الخلافات خاصة مع الاطراف التي يرى كثيرون انها «تجمعية» كانت تصريحات رئيس حركة النهضة الاستاذ راشد الغنوشي الذي قال «النهضة تدعم تجميع العائلة التونسية حول المواعيد السياسية الاساسية كما تدعم عدم إقصاء أي طرف» وذلك ردا عن سؤال وُجّه اليه حول مشاركة نداء تونس في مؤتمر الحوار الوطني.
وبالرغم من ان الكثيرين فهموا من هذا التصريح خاصة انه هناك بادرة لتجاوز احترازات بعض الاطراف على أطراف أخرى منها حزب حركة نداء تونس الا ان قيادات الحركة سرعان ما ردوا على هذا التصور بالنفي حيث قال رئيس مجلس الشورى المهندس فتحي العيادي ان موقف حركة النهضة من النداء لم يتغير وانها لن تجلس الى طاولة حوار هو فيها كما قال زهير الشهودي مدير مكتب الاستاذ الغنوشي ان الاخير لم يذكر نداء تونس في تصريحه اي انه لم يتحدث عن ذلك الحزب على انه ضمن الاطراف التي يمكن ان تتحاور معها النهضة.
الاقصاء واليسار
كما اكدت الحركة في وقت سابق انها لن تعدل عن مساندتها لمشروع «قانون تحصين الثورة» الذي سيمرر قريبا على الجلسة العامة في المجلس الوطني التأسيسي واذا اضفنا اليها ما سبق يتأكد ان الساحة السياسية ستظل على ما هي عليه منذ أشهر حتى يتم الحسم في التأسيسي في مسالة الاقصاء السياسي.
وفي الاثناء اعتبر عدد من المختصين منهم الاستاذ عياض بن عاشور والأستاذ غازي الغرايري وآخرون في ندوة حضرها الاستاذ الصحبي عتيق رئيس كتلة حركة النهضة في التأسيسي ان «مشروع تحصين الثورة» اجراء وجد لحسم نتائج الانتخابات قبل اجرائها كما اشاروا الى انه قد يكون نقطة انطلاق للتشكيك في نتائجها بحكم انها قامت على اقصاء مواطنين في تعارض مع القوانين والمواثيق الدولية طبعا حسب قولهم.
وعلى النقيض من ذلك تعتبر حركة النهضة وانصار هذا المشروع ان الاقصاء سيعطي نتائج عكسية لما عبر عنه بن عاشور والخبراء كونه سيقصي من زوروا الانتخابات لعقود ورموز الفساد السياسي في البلاد كما تعتبر انه سيمكن من كانوا محرومين من النشاط السياسي من العمل في ساحة سياسية نظيفة من الفساد والمفسدين وبين هذا الراي وذاك تبقى امكانية تغير المواقف واردة في أية لحظة خاصة مع بدء اقتراب موعد الانتخابات الذي لن يتجاوز حسب تصريحات أحزاب الترويكا شهر اكتوبر المقبل.
وللتذكير فان اليسار التونسي هو الذي طالب قبل الانتخابات الماضية هيئة تحقيق أهداف الثورة بإقصاء التجمعيين وقد دافع عن هذا المقترح حتى تمت إضافته في شكل الفصل 15 من قانون الانتخابات لكن اليوم وبعد ان أصبحت المسالة تقاس بالربح والخسارة اكتشف اليسار انه كان الخاسر من تلك العملية فالتزم الصمت تجاه «مشروع تحصين الثورة» ربما خوفا من ان يكون تمريره بردا وسلاما على مرشحي النهضة ومزيد تعميق لازمة الأحزاب اليسارية.