ستون قائمة انتخابية رحلت بلا رجعة خذلتهم في الانتخابات فعاقبوها بالنسيان أين رحل المائة حزب عن المدينة الثائرة ؟ غبار يسدّ الأنفاس.. رمال متحركة تغطي المعبّدات.. جدران صفراء وأخرى اصفرت بفعل الزمن.. وبقية باقية مهدّمة كأكوام حجارة في مقطع مهجور لا شيء يتشابه في البناءات الا التناقضات.. هكذا تستقبلك قفصة نهارا مكشوفة الوجه . مدينة الألف حكاية ورواية. أنثى مهملة الى حين.. طرقاتها هي تفاصيل وجهها وتجاعيده بفعل الأتربة الموسمية.. فبدت كالأميرة التي اختفت ملامح جمالها بفعل الرماد فلا تحتاج الا ان تغتسل من خطاياها..
أعرق مدن التاريخ أنثى الأربعون ألف عام.. .تقول الكتب والمراجع أنها كانت محاطة بأكثر من 100 قصر هو نفس عدد الأحزاب السياسية التي نشطت فيها قبل الانتخابات.. عاقبتهم قفصة بالخذلان فعاقبوها بالنسيان.. اختفى المائة قصر بمفعول الزمن ,,كما اختفت الاحزاب التي لم يتبقّ من اثرها الا محلات غيّرت من واجهاتها وتحولت الى مقاه للعب الورق .. ومقرات أحزاب مكشوفة لا يتعدى عددها اصابع اليد.
ستون قائمة انتخابية تقدّمت لطلب يد قفصة في عرس 23 اكتوبر.. بقدر عدد اجتماعاتهم بقدر عدد الوعود التي قطعوها على انفسهم.. لكنهم رحلوا في هدوء غير مدركين انها ربما كانت ستمنحهم فرصة أخيرة.. . لا شيء تبقى من حمّى الانتخابات وكل تلك المعلقات والكراسي والابواق.. الا جدران لوّطت بدهان اعوان البلدية لحجز مكان لمعلقة انتخابية.. وبعض الجدران الاخرى التي لم تطلها ايدي العابثين فحافظت على بعض الكلمات المحتشمة.. ذكرى لدماء سفكت هناك «شهداء وجرحى الثورة أمانة بين أيديكم».. «ثورة الكرامة».. «ثورة الشعب» بين الأمس القريب واليوم ما الذي تغيّر بعد عامين من الثورة ؟ من انتفاضة شعب قيل أنها عفوية..
«قبصة» في سجّل الكشوفات هي الجذر.. والجذر فرعه ثابت لا يتغّير لذلك رغم الاغتيالات المتتالية مازالت تحتفظ بماضيها الدفين.. .لكن «قفصة» يدوّنها تاريخ من يكتبون أنها عنوان «داء جلدي» وكأنما هي وليّة صالحة تصيب بالطفح كل من يحتك بأحلامها المؤجلة الى حين.. سنة ثانية ثورة.. ارتفعت فيها وجيعة الألم والمخاض وتضاعف عدد حفرها والمطبات وسط الطرقات. بقدر عدد الاعتصامات والاحتجاجات .حتى تخال نفسك تهتزّ بين الفينة والاخرى وتتعثر الى ما لا نهاية.
مدينة الثورة نائمة
كل شيء هنا ينام باكرا من الساعات الأولى بعد المساء.. فتحّتك ذاكرتك بقصّة الأميرة النائمة التي تنظر فارسا من غياهب الزمن.. ليمنحها قبلة أولى تعيد اليها والى المملكة الحياة.. لا متاحف تفتح للعموم.. كمن يخفي ثورته من اللّصوص.. .الترميل مغلق بفعل الترميم الذي لم تنته اشغاله من سنوات.. أو لنقل أشغال تدليس التاريخ بإخماد صوت الحجارة الثرثارة بالاسمنت الأصفر كما أخمدوا عيون المياه الجوفية قبل سنوات بعنوان صيانة الواحات.. .التي تعبرها اليوم لتشاهد العمّال يضرمون نارا الى أسفل نخلة.. لطبخ الشاي..
سنة ثانية ثورة حوّلت البرج البالغ من العمر 569 عاما الى مصبّ للفضلات..في حين أغلق تاريخ 8ألاف عام « الكدية السوداء» تلك الهضبة المغطاة طبيعيا بحجارة مشعّة لبقايا أغلفة الحلزون بأبواب حديدية.. أشبه بمن يحجب ملامح عروس.. .هو حياة انسان مرّ من هنا اسمه «الانسان الكبصي. لا شيء بهذه المدينة قابل للنسيان.. لا معلقات إشهارية تحمل عنوان «قريبا» الا محلات الملابس الجاهزة أو خماّرة وسط المدينة..
أين رحل المائة حزب عن المدينة الثائرة ؟ ولماذا تربكهم مدينة مظلومةمظلومة عبر الزمن ؟ لماذا حملوا أمتعتهم وغادروا وكأنها جوقة موسيقيةمؤجرة لموسم واحد ؟
تهمس قفصة أنها مدينة تعود للعصور الحجرية لذلك لا يحكمها الا من تفننّ في تفاصيلها وثناياها.. تاريخها حافل بالانتصارات على الورق فهي مهزومة عبر التاريخ.. نتيجة لعصيانها.. يفضح تاريخها عدد الهزمات التي عاشتها قبل 816 عاما بسبب عصيانها دولة الموحدّين.. .فهي المدينة المحكومة بالحرمان منذ أكثر من ثمانية عقود.
لا شيء حافظ على هيبته وتوازنه في هذه المدينة إلاّ مقابرها.. فهي المدينة الوحيدة في العالم التي تفتح قبورها مسبقا للغرباء.. وتعدّ لهم أماكن فسيحة.. تتساوى مع الأرض.. تسأل عن هذا السرّ شيوخ المدينة.. .يبتسمون لك في صمت لكنهم لا يمنحونك تفسيرا.. سوى إنها قفصة مدينة.