لأن الثورة لم تحقق أهدافها رغم مرور سنتين بل وصل الأمر حد حصاد التراجعات في عديد المجالات فإن الاحتفال بذكراها الثانية كان حسب المختصين بلا طعم. أفاد الأستاذ بشير العواني أخصائي في علم النفس أنه تبين بخصوص شخصية التونسي بعد عامين من الثورة أنه يفتقر إلى ثقافة الحوار البناء وما صدر أمس هو نتيجة لذلك لأن التونسي ليس أمامه آفاقا.
وبناء عليه يجب أن يتحرك المجتمع المدني بتشريك النخب للتهيئة إلى المصالحة الوطنية. وأوضح أن التونسي عندما يتضح طريقه وآفاقه ومستقبله سوف يهدأ لأنه معروف بالصبر الإيجابي والحكمة واكبر دليل على ذلك الثورة التونسية كانت نموذجية في تاريخ البشرية من حيث سلميتها.
وأفاد في تقديري لم يفهم المجتمع السياسي التونسي الحالي كيف يحول طاقات حاملي شهادات التعليم العالي الذين طالت بطالتهم من مشكل إلى حل وكان يفترض استشارة النخب في جميع القطاعات في الإعلام في السياسة في الاجتماع في التربية ...إلخ لخلق جو إيجابي يجعل الجميع يحاور بصراحة ويقترح الحلول».
تقييم
وقال: «بعد عامين تراجعنا ففي عهد بن علي على الأقل كان يوجد الأمن لكن اليوم حتى الأمن ليس مضمونا وصرنا نخاف على بناتنا وعلى أبنائنا وعلى أنفسنا». وأشار أيضا إلى مشكل ارتفاع الأسعار وانسداد الأفق خاصة بالنسبة للشباب الذي أصبح يفكر في حرق نفسه أو الحرقان .
واضاف ان الخطاب السياسي المتداول الآن يوحي بالتذبذب والتشنج بمعنى أن ما لا يقبل به السياسي اليوم يقبل به بعد مدة وجيزة وهو ما يفضي إلى انسداد الأفق بالنسبة إليه.
وذكر أن أحداث العنف والعنف الخطير تهدد حتى مؤسسات الدولة لأنه عندما يملك المواطن «الكلاشنكوف» فإن الوضع يتأزم والمستثمر يعزف عن القدوم إلى تونس فيزداد الوضع سوءا تباعا.
وأضاف أن هناك مآزق قانونية تعترض المجتمع السياسي الحالي بمجرد المصادقة على الدستور وإذا لم يحصل توافق حقيقي قد نجد أنفسنا أمام محاكم دولية. وبناء عليه دعا النخب والمجتمع المدني والمجتمع السياسي والمؤسسات الإعلامية إلى التهيئة لتيسير هندسة مشروع المصالحة الوطنية وليفكر كل واحد منا في أسس المصالحة ومبادئها وكيفية التواصل بين الأجيال وبين جيل التأسيس جيل الثورة.
ورأى أن الاحتفال دون طعم لأن التونسي لن يشعر بطعم الاحتفال إلا بعد الاطمئنان على مستقبل تونس ومستقبل أبنائها وبناتها بعد إقامة مؤسسات قوية لا تخضع لاملاءات الأفراد إنما تخضع لقانون .
وأشار إلى أن العنف كان يوم 17 ديسمبر ضد رموز الدولة وأعضاء المجلس التأسيسي الذين يجب أن يفهموا أن التونسي ذكي وليس مغفلا والتشنج ومحاولات العنف التي حدثت يوم أمس دليل على أزمة تواصل حقيقية وأزمة خطاب سياسي يحتاج إلى الكثير من التجديد والواقعية. وختم ليس كل ما حدث في عهد بورقيبة أو بن علي سيء والجميع يجب أن يفهموا اننا لن نبني على فراغ .
بأي حال عادت الذكرى؟
وقال الدكتور في علم الإجتماع بلعيد أولاد عبدالله ورئيس الشبكة التونسية للإقتصاد الإجتماعي .
يعتبر الإحتفال أولا عملية تقييمية للمرحلة الفارطة انطلاقا من مجموعة من المشكلات التي كانت سببا وراء هذه الثورة وستبقى هذه المشكلات هي مقياس لعملية الاحتفال بهذا اليوم مثلا البطالة والتنمية وخاصة المحلية والجهوية والحوكمة والتصرف في البرامج والمؤسسات العمومية وكذلك دلالات ومؤشرات الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي للأفراد وخاصة المناطق الداخلية .
واشار إلى أن الاحتفال هو عملية تقييمية استنادا لما سبق كما قال الشاعر بأي حال عدت يا عيد ؟
وفسر بأن الأفراد الذين يعانون من المشكلات السابقة سيقيمون بأي شيء أتى هذا العيد بما مضى أي أنه حافظ على كل المشكلات أم بأمر فيه تجديد أي بمعنى احتفال النشوة والانتصار للحرية والعدالة والشفافية والاختيارات التنموية الصائبة والتسميات والتعيينات القائمة على الكفاءة وليست المحاصصة السياسية .
واستنتج قائلا: «إذا 14 جانفي سيبقى للأجيال درسا من خلاله يسألون عما قام به المنتخبون أو الذين فوضوا لهم الأمر ويتساءلون عن دورهم في المرحلة القادمة بين الرافض والمؤيد وقد يكون الصراع أيضا داخليا أي في ذات الفرد لأنه أحيانا يقدم إنتماءه السياسي عما حققته الثورة فيقول لقد نجحنا في إدارة الشأن العام أما في باطنه فيقر أن دار لقمان على حالها أما الرافض فإنه قد لا ينطلق مع مؤشرات موضوعية لانه في الأصل معارض للشيء ويسعد بأخبار الاخرين ويحاول توظيفها لمكسب وغنيمة سياسية ويبقى المواطن الذي عانى الأمرين في مرحلة تاريخية استمرت مئات السنين يراوح في نفس المكان وأحيانا قد يتحسر على ما قد سبق بل احيانا قد يصل إلى درجة الدعاء للناهبين بان يرحموه والدعاء إلى السياسيين بأن يتركوا الكرسي ويلتفتون لحاله.
وبالنسبة للمستقبل كي نحتفل بهذا العيد احتفالا يجمع بين كل التونسيين بمن هم في السلطة ومن هم خارجها علينا أن نسارع إلى تحقيق المصالحة الوطنية الصادقة وأن نحيل كل ملفات الفساد على القضاء بعد إصلاحه كذلك لابد من اعتماد مقاربات الكفاءة والنتائج مع تحديد المسؤوليات والابتعاد عن المحاصصة السياسية عند توزيع الحقائب دون أن ننسى. تركيب منوال التنمية على المقاربة المحلية أي الانطلاق من الأسفل نحو الأعلى.
العنف هو عملية تقييمية بالنسبة للأفراد والجمعيات والأحزاب السياسية وخاصة في حالة غياب الحوار والنزعة الاقصائية للآخر خاصة بين الاحزاب دون الاكتراث بمشاكل المواطنين مثل عائلات الشهداء وجرحى الثورة والعاطلين والحارقين والفقراء والمعوزين بالمناطق الداخلية
وما يلاحظه المواطن من خلال بطء العملية الانتقالية والاستهتار بالمصلحة الوطنية خاصة على مستوى كتابة الدستور وامور المرحلة القادمة وخاصة العملية الانتخابية وموعدها كالهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهيئة الإعلام والهيئة العليا للقضاء كل هذه الوضعيات وغيرها تعطي واقعا ضبابيا مما يجعل العنف والتشنج أداة التواصل للمرحلة الحالية وقد يشتد الأمر ويتأزم في المرحلة القادمة.