يعاني قطاع السكن ركودا خطيرا أصبح يهدد مصير عشرات شركات البعث العقاري حيث تتحدث بعض الأرقام عن 5000 مليون دينار هي قيمة المساكن التي لم يتمّ بيعها وهي عقارات مصنّفة ضمن فئة المساكن الراقية جدا والراقية والاقتصادية. يُقدّر عدد الباعثين العقاريين في تونس بحوالي 3000 باعث ينشط أكثر من ألف ومائتين منهم بشكل منتظم في حين تسبّب الإفلاس في انقطاع عدد كبير منهم عن النشاط نهائيا وبطرح السؤال على السيد سليم الشعبوني أحد أقدم الباعثين العقاريين في تونس عن مشاكل القطاع تبيّن لنا أن الأزمة ليست وليدة اليوم بل تعود جذورها الى ما قبل الثورة على أن الظروف التي تعيشها البلاد منذ 14 جانفي 2011 عمّقت من هذه الأزمة وأصبحت تهدّد عشرات الشركات الناشطة في هذا القطاع وبالتالي إحالة آلاف العمال على البطالة إن لم تتحرّك الدولة لإعادة هيكلة قطاع البعث العقاري بشكل خاص وقطاع السكن عامة.
وفي رصد لوضعية القطاع اليوم قال السيد سليم الشعبوني إن تدهور القدرة الشرائية للحريف التونسي خلق حالة من الركود الأمر الذي تسبّب في تضخّم عدد المساكن المغلقة والتي لم تجد مشترين وقدّر محدثنا نسبة المساكن المغلقة من الصنف الراقي جدا ب70٪ وب30٪ من الصنفين الراقي والاقتصادي.
وفي تقدير السيد سليم الشعبوني ساهم هذا الركود في مشاكل مالية عديدة للباعثين العقاريين في علاقة بتسديد قروض تلك المشاريع السكنية للبنوك وهي عوامل خلقت حالة من الإرباك في الوسط العقاري حيث تشنّجت العلاقة بين شركات العقارية والبنوك التونسية وصلت الى حدّ التقاضي وتنفيذ عُقَل على الشركات بشكل لم يعد يشجّع على الاستثمار في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي في علاقة بالقدرة التشغيلية لقطاع الاسكان وقدرته على الحدّ من ظاهرة البطالة.
الهدم والبناء
أسئلة عديدة رافقت تخلّي الدولة التونسية عن توجهاتها في علاقة بالسكن الاجتماعي ومراهنتها على السكن الاقتصادي والراقي والراقي جدا. ويعتقد عديد الخبراء أن قانون 1989 دفع ثمنه فقراء تونس ومستضعفيها باعتبار تخلّي الدولة عن دورها في توفير مسكن لائق لهم يحفظ كرامتهم كما جاء في دستور 1959 وكانت هذه الشرائح الاجتماعية ضحيّة سياسة النظام الجديد آنذاك والذي روّج لفكرة تنامي الطبقة الوسطى وارتفاع الدخل الفردي للتونسيين ما يسمح نظريا باعتماد توجّه جديد في قطاع الاسكان وذلك بالتشجيع على بناء مساكن راقية واقتصادية تعتمد أساسا على مبدإ التمويل الذاتي وتحويل ملفّ السكن الى البنوك عوضا عن الدولة التي تنصّلت نهائيا من مسؤوليتها تجاه الطبقات الضعيفة وأوكلت المهمّة الى البنوك وشركات البعث العقاري.
في الأثناء تم اعادة هيكلة عديد المؤسسات العمومية المعنية بقطاع السّكن وتحويلها الى مؤسسات مالية أكثر منها اجتماعية كالشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية والصندوق الوطني للادخار السكني الذي تحوّل الى بنك الاسكان مع ادماج البنوك الخاصة والعمومية في ملفّ تمويل قطاع الاسكان والنتيجة أن هذه المؤسسات أخضعت السوق الى مقاييسها التجارية والبنكية الأمر الذي حرم آلاف التونسيين من الانتفاع بخدمات هذه المؤسسات لعدم توفّرهم على مواطن شغل قارّة وعجزهم عن توفير التمويل الذاتي من جهة وما يثبت قدرتهم على خلاص مبلغ القرض. تزامنا مع ذلك تفاقمت ظاهرة السكن الراقي بالاعتماد على حرفاء جدد هم أساسا من الأثرياء الجدد والتونسيون بالخارج.
هذا الوضع الجديد خلق علاقات جديدة ولوبيات أصبحت تنشط في قطاع السكن الاجتماعي كالمجالس الجهوية والمعتمدين والعُمد الذين أصبحوا يتصرّفون في الأموال المرصودة من طرف الدولة لتشجيع هذه الفئة من السكن الموجّه للفقراء والمحتاجين فتفاقمت الرشوة والمحسوبية والنهب من المال العام ولم تحقق هذه السياسة أهدافها بل أن التونسيين اكتشفوا هول الكارثة بعد الثورة وهم يشاهدون آلاف التونسيين بلا مسكن ويعيشون في أكواخ تذكّر بأوضاع إنسانية شبيهة بالقرن الثامن عشر.
وعود الحكومة
جاءت حكومة رئيس الوزراء السيد حمادي الجبالي بعديد الوعود ومنها المشروع «الثوري» المتعلق ببناء أكثر من ثلاثين ألف وحدة سكنية لفائدة الفقراء والمستضعفين إلا أن غموضا كبيرا رافق هذا المشروع ما يطرح أكثر من سؤال حول جدية هذا المشروع.
في ذات الوقت تعالت أصوات من داخل الباعثين العقاريين تطالب بتشريكهم في إعادة المكانة اللازمة للسكن الاجتماعي في تونس وكأنه تكفير عن ذنب ما. الى ذلك يقول السيد سليم الشعبوني أن الباعثين العقاريين التونسيين علي استعداد لإنجاز هذا المشروع إن وفّرت لهم الدولة الامكانيات اللازمة من تهيئة للأراضي وتشريك الشركات الوطنية كالشركة التونسية للكهرباء والغاز والشركة الوطنية لاستغلال المياه والديوان الوطني للتطهير ما سيسمح بالضغط على التكلفة ومن ثمّة تمكين آلاف التونسيين من استعادة كرامتهم وتلك حكاية أخرى.