برغم ما يوجه الى الفعل السياسي لدى السلطة والمعارضة من انتقادات بالضعف والاهتزاز والتجاذب الحزبي الحاد والعنيف احيانا وتغليب الاعتبارات الضيقة ، فان المشهد يعكس فسيفساء جديدة وتعددية في المواقف والمقاربات وصورا مغايرة لبناء التحالفات والجبهات والتفاوض بما فيه من اشتراطات وتنازلات وتسريبات وابتزاز ومناورة. أضحى من تحصيل الحاصل ان الحياة السياسية تعرف نشأة لثقافة سياسية جديدة فيها قدر كبير من الشفافية والوضوح والانكشاف والتجلي ، ثقافة وليدة لم تكن مألوفة في السابق قربت الفاعلين السياسيين اكثر الى الرأي العام واخضعتهم من ثم الى موازين النقد ومعادلات التقييم المختلفة والمتعددة.
ان انكشاف الفعل السياسي امام الرأي العام خطوة مهمة على درب التأسيس لتجربة ديمقراطية تبتعد عن الغموض وتفتح الطريق امام معرفة أجندة العمل المختلفة ورصد أخطاء السياسيين وايجابيتهم وإقامة مسار ثابت للفرز وكشف النوايا ولاحقا اقامة هوامش واسعة امام المواطنين (الناخبين او الراغبين في العمل السياسي) للاختيار والتمييز بين مختلف الاحزاب والطروحات والأسماء أيضاً المرشحة لتولي مقاليد السلطة وإدارة الشان العام.
صحيح انها مرحلة على غاية من التعقيد لارتباطها بسلوكات سياسية خاطئة في التشويه والحملات والحملات المضادة ومحاولة التأثير على الراي وتوجيه الاحداث وافتعالها في الكثير من المرات، الا انها تبقى مرحلة مهمة ولازمة لفرز القوى الوطنية الجادة القادرة على الفعل وخدمة البلاد في المستقبل وفضح قوى الردة والرداءة والمقاصد الضيقة والمصالح الفئوية المشبوهة.
انه مخاض الديمقراطية الناشئة التي تقبل في اولى مراحلها الغث والسمين ويتعايش فيها الناجح والفاشل وتختلط فيها الرداءة بالتميز والقبح بالجمال، انه مخاض تهزه اكثر من موجة واكثر من تيار ومن المرجح ان يكون في خاتمته استقرار لموازين القوى الحقيقية وتثبيت للمفاهيم الصحيحة للمنافسة السياسية، وربما كان الجدل حول التحوير الوزاري احد اهم محطات هذا المخاض وربما يكون هذا الجدل ايضا منطلقا لمسار جديد يتخلى عن بعض عناوين الفشل ويتخلص من مظاهر العجز والتردد والاضطراب ويفتح صفحة جديدة للكفاءة والنجاعة والجدية ويقطع الطريق امام مزيد من إضاعة الوقت في الخوض في ما بات أشبه بالحقيقة بما يعزز تقدم التجربة الديمقراطية وتطور الممارسة السياسية في بلادنا.