بعد التكفير والترهيب وأعلام الخلافة انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة غير مسبوقة وغريبة على مجتمعنا تمثلت في انتشار كبير لمجموعات سلفية أطلقت على نفسها لقب «الأمن السلفي» لتحل محل أعوان الأمن. ظاهرة الأمن «الموازي» التي تزعمتها عناصر محسوبة على التيار السلفي والتي انطلقت منذ شهر فيفري 2012 استفحلت بشكل مثير للانتباه في الآونة الأخيرة مستغلة حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي التي تمربها البلاد لتطفو على الساحة رغبة منها في استباق تدخل المؤسسة الأمنية الرسمية بتعلة حماية الممتلكات العامة والخاصة وايقاف المشبوهين ومحاولة منهم ل «شرعنة» وصايتهم في المستقبل على أمن المواطن وحرياته الشخصية.
استعراضات قامت بها هذه المجموعات السلفية ورابطات حماية الثورة في عديد المناطق وولايات الجمهورية على غرار سوسة، بنزرت، القيروان، صفاقسوتونس الكبرى وخاصة في الأحياء الشعبية مثلما حصل في حي التضامن يوم الجمعة الفارط حيث عمدت هذه المجموعات الى ايقاف مجموعة من الشبان متهمة إيّاهم بالسكر الواضح وإثارة الشغب وبث الفوضى، وكذلك هو الشأن في ولاية قبلي حيث تزعمت هذه المجموعات حراسة الممتلكات العامة والخاصة والمشهد ذاته تكرر في عديد الولايات الاخرى إذ اختار هؤلاء أن يلعبوا دور قوات الأمن بدون أي صفة قانونية محاولة منهم ل «تشريع» الأمن الموازي واضعاف الدولة مستغلين الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد والتي تزامنت مع اغتيال الشهيد شكري بلعيد وما لحقها من أعمال عنف وتخريب وحرق.
جنبا الى جنب مع الأمن
رافقت «الشرطة السلفية» أغلب التدخلات الأمنية في الآونة الأخيرة في الاحتجاجات والمظاهرات والتصدي لأعمال الشغب، مشهد لم يألفه التونسيون باعتبار أن وقوف هؤلاء السلفيين جنبا الى جنب في التصدي لأي تحركات بل في أغلب الأحيان تنسحب بعض قوات الأمن في عديد المناطق تاركة المكان لهم يتصرفون فيه بحرية فيمسكون هذا ويؤنبون ذاك غير عابئين بفوقية القانون وعلويته وهو ما أثار صيحات فزع متعددة من الأمنيين الذين اعتبروه محاولة لاضعاف هيبة المؤسسة الأمنية وتقزيمهم في نظر «التونسي» الذي طالما احتمى بعون الأمن ولم يستوعب بعد «الشرطة السلفية».
التصدي
بعض الجمعيات طالبت بضرورة التصدي الحازم لهياكل «الأمن الموازي» وتنبيه المواطن بخطورة الأمر ومساعدة الأجهزة الأمنية على تخطي هذه المرحلة الصعبة والدقيقة من جميع الأطراف كما دعت جميع مكونات المجتمع المدني الى اليقظة والتأهب للوضع الحالي والمرتقب مؤكدة أن تعويض مؤسسات الدولة بأخرى غير شرعيةومنصبة بطريقة اعتباطية يعتبر اجراما وضربا للحريات العامة والفردية.
سياسيون ينتفضون
استفحال ظاهرة الأمن الموازي في تونس ولّد حالة احتقان وتوتر لدى أغلب السياسيين الذين ندّد بعضهم بهذه المسألة «الخطيرة» واعتبرها تدخلا فاضحا في مؤسسات الدولة وضربا للمجهودات الأمنية وتكبيلا لها وتقزيما لأدائها فيما اعتبرها البعض الآخر محاولة يائسة لخلق شرعية موازية وزائفة مؤكدين أن توفير الأمن مسؤولية أجهزة الأمن دون غيرها شعارهم في ذلك «لا مكان لأمن مواز في تونس ولا لقوانين موازية».
الداخلية توضح
أوضحت وزارة الداخلية في عديد المناسبات أن المؤسسة الأمنية هي الوحيدة الذي يُشرع لها قانونا حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة وأنه لا مكان لأمن مواز داخل تراب الجمهورية نافية علمها بسيطرة عدد من المجموعات على المظاهر الأمنية لكن السؤال المطروح اليوم والذي أثار استغراب الشارع التونسي هو صمت سلطة الاشراف على هذه التجاوزات العلنية باعتبار أن هؤلاء يعملون ليلا نهارا وعلى مرأى الجميع وسط التكفير والتهليل.
وزارة الداخلية تنفي
نفت وزارة الداخلية وجود جهاز أمني مواز لجهاز الامن الوطني على خلفية ما تم تداوله في بعض وسائل الاعلام وشبكة التواصل الاجتماعي «فايسبوك» حول بروز مجموعات شبه أمنية تعمل تحت ما يسمى برابطات حماية الثورة تولت حماية المحلات والممتلكات العامة والخاصة خلال الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها الجهات بعد اغتيال السياسي والحقوقي شكري بلعيد. وأكد المكلف بالإعلام بوزراة الداخلية خالد طروش في اتصال هاتفي أمس الثلاثاء مع «وات» أن قوات الأمن الداخلي هي المخول لها قانونا الاضطلاع بمسؤولية تحقيق الأمن الوطني وحماية المواطنين ومكاسبهم بالتعاون مع قوات الجيش الوطني ملاحظا أن وزارة الداخلية إذ تثمن مبادرة بعض المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والايديولوجية بحماية مناطقهم السكنية من احداث العنف إلا أنها تنبه على أنه لا سبيل لأن يحل أحد محل الجهاز الأمني.