إذا كانت حركة النهضة خائفة حقا من توجهات استئصالية تخطط لها او تتمناها قوى معيّنة في تونس، وتهدف الى أن تتكرر مأساتها، فعلى هذه الحركة ان تدرك ايضا أن تلك القوى المتهمة خائفة هي بدورها من استئصالها، وتعتقد ان النهضة وحلفاءها خصوصا في العائلة الاسلامية تخطط لنفس الهدف. اليسار خائف، وبعد اغتيال أحد أبرز رموزه أصبحت مخاوفه تستند الى أقصى دليل وأكبر حجة فالموت هو اجتثاث للحياة، واستئصال لها، وزوال كامل للوجود، وهو قبل هذه الحادثة كان يخاف من استئصال كامل لثقافة تربى عليها التونسيون وتعوّدوا عليها، وسكنوا واستكانوا لها. وقد أتت جحافل الدعاة الذين توافدوا على تونس لتؤكد تلك المخاوف، وأتى كلام على لسان قادة في النهضة يبشّر بتطبيق الشريعة، ويعلن عن ثقافة جديدة هي بالنسبة الى اليسار، استئصال لمجتمع بأسره سوف ينتهي فيما لو هو نجح بدفن اليسار كله.
الدستوريون ايضا خائفون من الاستئصال وهؤلاء خوفهم مضاعف فهم كانوا من قبل أداة للاستئصال وهم الآن يتعرضون الى بداية لاستئصالهم، إن عبر التوجهات التي تسمى بتحصين الثورة، أو عبر التهديدات بالمحاسبة وهم يعتقدون بأن هذا الحشر الجماعي لهم في نفس السلة وبنفس التهمة ما هو الا استئصال لهم يبدأ بالإقصاء أولا، ولكنه سوف ينتهي مع الأيام وكلما تمكنت النهضة وحلفاؤها باجتثاثهم.
وهكذا فإن هذا الاحساس عام ومنتشر في أكثر من مكان وإذا كانت النهضة تريد بهذا الشعور أن تتدثّر بثوب الضحية، وأن تبرّر عبره كل ما يصدر منها بدعوى أن الخائف لا يؤاخذ على خوفه، ويجب تفهّم سلوكه، فإن هذا التبرير لا يمكن ان يقنع، فهناك مسؤولية تلقى على عاتقها ليس كحزب حاكم فقط بل وكحزب له التزامات وطنية، وعليه واجبات مثل البقية خصوصا من الأحزاب ذات التأثير.
إن الاستئصال يصبح بهذه الطريقة شماعة لتبرير الأخطاء ووسيلة لتجاوز القوانين، بل وسببا لإضفاء الشرعية على ما لا يمكن ان يضفى عليها، وهو في الخلاصة يصبح سلاحا يشهر في وجه الخصوم، ويفتش في نواياهم، ويلقي عليهم تهمة لا مناص لإثبات عكسها بل لا طريق الا أمام إدانة الغير بها.